المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: السويد بلد يحاول جهده أن يشعر مواطنيه بأنهم متساوون أو أن الفروقات بينهم ليست كبيرة إلى درجة تشعر فيها طبقة اجتماعية محددة بأنها مغبونة بسبب لونها أو دينها أو مذهبها أو تحصيلها الدراسي أو غيره.
وما كان يتندر به الشيوعيون في الاتحاد السوفييتي السابق على نظامهم الذي كان قد جعل شعاري الاشتراكية والمساواة من أهم أهدافه، هو أن "الشيوعية" الحقيقية موجودة في السويد رغم أن النظام فيها برلماني ديمقراطي يتداول السلطة بشكل سلس وشفاف.
ما كان يقصده هؤلاء الشيوعيون أن السويديين يشعرون بصورة عامة بأنهم متساوون ــ أي حسب وجهة نظرهم ــ يطبقون الاشتراكية بأرقى مراحلها وهم ليسوا شيوعيين.
هذا الواقع الاجتماعي عشته أنا شخصيا منذ حصولي على عمل في جامعة سويدية، حيث لم أشهد في كل الدول التي زرتها ــ وما أكثرها ــ مساواة ترقى إلى النموذج الاشتراكي السويدي الذي بالطبع كان في حال أفضل بكثير مما هو عليه الآن قبل نحو عقدين من الزمن.
والمساواة السويدية لا تعني أن واجبات الدولة الرئيسة تنحصر في توفير مستلزمات المعيشة الأساسية لكل مواطن من مأكل وملبس وسكن، بل يتعداه إلى الصحة والتعليم والعناية بالعجزة وكبار السن والمعوقين، ومنح الأطفال عناية فائقة وغيره كثير.
وفكرة المساواة تجعل السويدي ذا الدخل العالي يدفع ما يصل إلى 60 في المائة من دخله لمصلحة الضرائب ولا يتذمر، وتجعل من مسألة التهرب الضريبي التي تؤرق دولا أخرى مسألة ليست ذات أهمية كبيرة لأن قلة من الناس تفعل ذلك.
التهرب الضريبي في السويد عقوبته الجنائية خفيفة جدا وتنعدم إن تعهد المرء بإرجاع المبلغ ولكن وطأته الأخلاقية هائلة، وكم من وزير ومدير شركة شهيرة على مستوى العالم ترك عمله طوعا وتمنى أن تبلعه الأرض ولا تكتب الصحافة عنه لأنه حاول التهرب من ضريبة إجازة الحيازة على جهاز تلفزيون البالغة نحو 50 دولارا كل ثلاثة أشهر.
ومبدأ المساواة انسحب على التربية والتعليم بجميع مراحله. التعليم مجاني في السويد ليس بمفهوم دول الخليج ودول عربية أخرى. إنه مجاني بمعنى أن ابن الفراش في المدرسة والملك والوزير والمليونير عليهم الجلوس في صف دراسي واحد. مهما كُنتَ تملك من المال لن تحصل على تعليم خاص ومدرسة خاصة بلغة خاصة لأولادك. الكل يتلقى التعليم ذاته وتتم تربيتهم سوية. فترى أولاد اللاجئين ومحدودي الدخل يتلقون تعليمهم في المدرسة نفسها التي يرتادها أولاد الوزراء والأمراء وأصحاب الغنى الفاحش.
وما أثار انتباهي أن في السويد، ولحد الآن، ليس هناك تمييز حتى بين أصحاب الموهبة والكفاءة بين التلاميذ وغيرهم. إن كان التلميذ موهوبا وعبقريا بالطبيعة ــ وهذا شأن جائز ــ لن يُمنح أي امتيازات تذكر كما يحصل في الكثير من الدول المتطورة وغيرها، حيث يرتاد الموهوبون مدارس خاصة، والسبب هو الحفاظ على مبدأ المساواة قدر الإمكان في جميع الأوجه.
ولكن إن عانى تلميذ عاهة عقلية أو غيرها تقدم الدولة له كل ما باستطاعتها كي يتساوى مع بقية أقرانه. أعرف حالات لتلاميذ يعانون مشاكل كهذه وفي جميع المستويات الدراسية، حيث يحدث أن تنفق الدولة على تلميذ معوق عقليا لتنشئته ما تنفقه على مدرسة بكاملها.
بيد أن الأمور في طريقها إلى التغير، ولا سيما بخصوص الطلبة الموهوبين. ولنترك التحدث عن هذا الشأن إلى الأسبوع القادم وحتى نلتقي عندئذ أستودعكم الله.
ليون برخو – الإقتصادية