المسلمون واحتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة

: 12/4/22, 9:06 PM
Updated: 12/4/22, 9:06 PM
الكاتب طاهر أبو جبل مقيم في السويد
الكاتب طاهر أبو جبل مقيم في السويد

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

يحتفي المؤمنون بكل العالم بميلاد السيد المسيح عليه السلام، في كل عام، ويرجون عامًا جديدًا يعم فيه الأمن والرخاء والسلام على العالمين
مع نهايات كل عام وبدايات آخر جديد، يحتفي العالم بميلاد السيد المسيح عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي الاحتفاء بميلاده – عليه وعلى أمه العذراء البتول السلام – تعبيرٌ عن الفرح بآية فريدة من آيات الله العظمى، حيث خُلق المسيح من أم بلا أب، وفي آية خلقه يقول الرب عز وجل في مُحكم التنزيل ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) ( 59 – آل عمران )، كما أن فيه تأسِّيًا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم القائل في حقه ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ).

وكما احتفى القرآن الكريم بالمسيح عيسى بن مريم احتفى بأمه العذراء مريم البتول عليهما السلام يقول الله سبحانه وتعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ) ( 16 – مريم )، ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) ( 12- التحريم )، ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ( 91 – الأنبياء )، فهي المرأة الوحيدة التي كُرمت بذكر اسمها صراحة في القرآن الكريم، ولم يرد ذكرها في القرآن مرة واحدة بل 24 مرة، منها احدى عشرة مرة ذكرت وحدها، وثلاث عشرة مرة ذكرت منسوباً إليها ابنها المسيح عيسى عليهما السلام، وقد سُميت سورة كاملة باسمها، كما سُميت سورة أخرى باسم عائلتهما وهى سورة آل عمران.

وتبادل التهاني بين الأقارب والجيران وزملاء العمل والدراسة في المناسبات الاجتماعية العامة واجب اجتماعي عام لا يراعيه إلا كل منفتح على الآخر يحض على التعايش السلمي والاندماج الإيجابي ويرجو الخير لمجتمعه الذي يعيش على أرضه.. على تنوع تركيبات ذلك المجتمع، واختلاف أصوله ومعتقداته، ورغبات وتطلعات فئاته. يقول الله تعالى: ( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) ( 86- النساء ).

ومعلوم أن المؤمنين عبر العالم أجمع حين يحتفون بميلاد السيد المسيح إنما يفعلون ذلك من باب الإيمان كما وإن بدى للبعض أنه مُجرد احتفاء ثقافي اجتماعي، فهم يؤمنون بجميع أنبياء الله تعالى وكل رسله الكرام عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام، ولا يفرقون بين أحد منهم.
وما أشد فرح المؤمنين بأيام الله وما يحدث فيها من تاريخ مُشرف يقول المولى عز وجل: ( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ) ( 5- إبراهيم )، ويقول سبحانه ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) ( 285 – البقرة ).
والمؤمنون حين يفرحون ويحتفون بالأنبياء وبمناسباتهم التاريخية ويتدارسون سيرتهم العطرة إنما يفعلون ذلك تأسِّيًا واتباعًا، وشكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم نورًا ورحمة لهداية البشرية.
فالأنبياء والرسل وما جاؤوا به من رسالات لمن أكبر نِعم الله تعالى علينا وعلى البشرية جمعاء حيث يربطون الخلق بخالقهم فيتحررون بذلك من أي سُلطة مُستوهمة، وإنهم إذ يُعرفوننا بالخالق ويبينون لنا الهدف والقصد من وراء الخلق، وما سَيصير إليه كوننا بما يحويه مستقبلًا، ويجيبوننا بوضوح لا لبس فيه – بما علمهم الله – على أسئلة التائهين والمهتمين والباحثين عن الحقائق بلا تزييف مُضلل أو فِكر مُنحرف مُحير، ولما لا.. فهم أخبر الناس بسبيل الهداية وطرق الوقاية وأساليب العلاج.

والمُتمعن في الأيام التي وُلِدَ أو بُعث فيها الأنبياء والرسل يجدها أيام سلام وأمان وبُشرى لأقوامهم خاصة وللعالمين عامة، ولقد أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك؛ فقال في كتابه الكريم عن سيدنا يحيى عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) ( 15- مريم )، وقال عن سيدنا عيسى عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم ( وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) ( 33- مريم )، وقال تعالى: ( سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) ( 79- الصافات )، وقال تعالى: ( سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ( 109- الصافات )، ثم قال تعالى: ( سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ) ( 120- الصافات )، إلى أن قال سبحانه وتعالى في ختام السورة نفسها: ( وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( 181-182 الصافات ).

والاهتمام بالمناسبات التاريخية للأنبياء والرسل، وشكر الله تعالى على إرسالهم، والاحتفاء بذكراهم وذكرياتهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التي يظهر فيها معنى الفرح والشكر لله على نعمه.
وقد احتفى النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – بيوم نجاة سيدنا موسى وقومه من الطاغية فرعون بالصيام؛ حين قدم المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى ومن معه، وأغرق فرعون وجنوده، فصام موسى شكرًا لله تعالى، فقال خاتم الأنبياء والمرسلين قولته المشهورة: ( أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ ) فصامه ( وسنّ صيامه ). يقول الله تعالى ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) ( 8 – القصص )،( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) ( 40 – القصص ).
وَعندما سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن صَوْمِ يَومِ الإثْنَيْنِ قال: ( ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ فِيهِ )

إن احترام خصوصية الآخر خاصة في العقائد والموروثات الثقافية لمن أهم المبادئ على الإطلاق فى المجتمعات المختلطة ذات الأصول المختلفة.
وفى القرآن الكريم يقول المولى عز وجل ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ( 256- البقرة )، ويقول سبحانه ( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) (48- الشورى ).
كما أن الاجتهاد في توسيع دوائر التعارف بين فئات المجتمع، والعمل على تعظيم نقاط الإلتقاء مع الآخر، والتعاون مع مكونات البيئة المحيطة على المشتركات الحياتية المجتمعية لمن أهم المبادئ الإنسانية التي يهتم بها المؤمن الصادق في تكوين علاقاته الاجتماعية البناءة في مجتمعه الحضاري المُتماسك الذي يتعايش وينعم فيه الجميع بحقوق المواطنة وواجباتها بلا إقصاء وبلا تمييز.
يقول الله تعالى في مُحكم تنزيله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ( 13 الحجرات ).

ومما أشعر أحمد شوقي:
نُعلي تَعاليمَ المَسيحِ لِأَجلِهِم
وَيُوَقِّرونَ لِأَجلِنا الإِسلاما

الدينُ لِلدَيّانِ جَلَّ جَلالُهُ
لَو شاءَ رَبُّكَ وَحَّدَ الأَقواما

يا قَومُ بانَ الرُشدُ فَاِقصوا ما جَرى
وَخُذوا الحَقيقَةَ وَاِنبُذوا الأَوهاما

وفي النهاية معاً وبالجميع تصبح السويد أفضل.

مش كده.. ولا إيييه !
وكل عام والجميع بخير
طاهر أبوجبل

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.