المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
عندما نكتشف أننا نريد أن نُدرك ما تركنا أو نترُك ما أدركنا
الكومبس – رأي: نشرت الصحافة السويدية قبل يومين، خبراً عن رجل ستيني قبضت الشرطة اليونانية عليه بطلب من الشرطة السويدية، هذا الشخص الذي وجدت معه الشرطة اليونانية كمية من الأسلحة والذخيرة الحيه، تبين أنه حاصل على ترخيص سويدي بحملها، لأنه يعمل مدرباً للرماية، ولكن كما يبدو أن الشرطة السويدية أوقفت التصريح، الذي من غير المعروف إن كان صالحاً فقط في السويد أو في بقية الدول الأوروبية.
إلى حد الآن تبدو القصة عادية، ولكن ما هو عادي أن هذا الشخص كان قد هدد السويد علناً، وبعدة مناسبات، بصفته أحد قادة حملات التضليل ضد السوسيال، أو أحد قيادة “الحراك من أجل الأطفال المخطوفين” كما يطلق هو وقادة الحملة الآخرين على أنفسهم. وتبين أيضاً أن هذا الشخص هو نفسه الذي ظهر سابقاً على التلفزيون السويدي، وبرر بشكل متناقض تحريضه لأحد الآباء المتضررين من قانون سحب الأطفال، على القيام بأفعال إرهابية.
بعد نشر خبر القبض عليه وخروجه كما يبدو دون أن تغلق الشرطة القضية، ظهر على التيكتوك ببث مباشر، وهو غاضب ويسب ويشتم العائلات المتضررة لأنها لم تستجب لدعواته للانتقام من السويد، وكأنه يحرض على حرب مقدسة ضد السويديين.
كيف يمكن الوثوق بمثل هؤلاء الأشخاص في إعادة الأطفال؟
كل من تابع هذا الشخص، خاصة في البث الأخير، لا بد أن يسأل نفسه، هل من المعقول أن يتصدى شخص مثل هذا لقضية الأطفال؟! وهل هو قدوة للمهاجرين أو قدوة لعوائل متضررة تطالب السويد بإيجاد حلول عملية لمعالجة قضايا الاطفال ووقف الممارسات الخاطئة في نظام رعاية للطفل؟!
يوماً بعد يوم يكشف هؤلاء الغوغائيين عن أقنعتهم الزائفة وعن حقيقة أهدافهم بشكل علني، أهداف ليس لها أي علاقة بإرجاع طفل لأهله ولا لمناصرة قضية عادلة كانت ضحيتها عوائل عديدة نتيجة تصرفاتهم وردود فعلهم الخاطئة.
هل يعقل ويقبل كل هذا السب والشتم اليومي بصفحات السوشيال ميديا، ضد السويد ومؤسساتها، وضد أي شخص أو جهة تريد فعلاً تقديم العون للعوائل بشكل هادئ ومنطقي وقانوني، يعطي نتيجة خارج دوائر المهاترة وتحدي الدولة وقوانينها والعنتريات الزائفة؟!
نعم هؤلاء قادة الفتن والتحريض ساهموا بزيادة الخوف من السوسيال، ودعموا ردود الأفعال العاطفية في التعامل مع القوانين الاجتماعية، وجاءت تصرفاتهم متناغمة مع ضغوطات الأحزاب اليمينية ومتناسقة مع تصريحات استفزازيه ضد المسلمين وسياسة حزب SD .
للأسف هناك من اعتبر، خصوصاً في البداية، أن لهؤلاء القدرة على قيادة حراك، فيمكن أن تنصاع لهم الدولة وتغير قوانينها، لكن الذي حدث عكس ذلك تماماً ازدادت القوانين صرامة وتمسك السوسيال ووراءه الدولة والمجتمع بمقولة “مصلحة الطفل أولاً” ولا يمكن بأي شكل الانصياع للغوغائيين.
استمرار الردح من خارج السويد
هؤلاء ومع أن سطوتهم خفت كثيراً ولم يعد لهم تأثير يذكر، ما زالوا يمارسون الردح والسب والشتم حتى بين بعضهم، فهم شخصيات وهمية تكتوكية وحسابات وهمية بأسماء عربية ولسان عربي غليظ ومتسلط وشخصيات تنشر محتويات هابطة ومحرضة من أستراليا وتركيا، ومصر، واليونان وغيرها.
الفهم الخاطئ للديموقراطية، عندما نسمح لشخص مجرم يتولى قيادة قضية نحن بأمس الحاجة لمعالجتها أو نسمح لشخصية مشبوهة وأبواق تكفيرية ظلامية، وهي هاربة خارج السويد تقود ما يسمى حملة “نريد أطفالنا”.
خوف البعض من السوسيال قد يكون شيئاً مفهوماً، لأنها مؤسسة ذات نفوذ واسع في تطبيق القوانين. قرار البقاء في السويد أو مغادرتها أمر شخصي يتعلق بخصوصية كل فرد وحدود مسؤوليته كأب أو أم. يترافق ذلك مع الخطاب العنصري الذي تعلنه بعض أحزاب الحكومة وتداعيات هيمنة حزب SD عليها، و”اتفاق تيدو” سيئ الصيت الذي ما زالت نصف قراراته لم تطبق وفي طريقها إلى التطبيق، وبما فيها التغيير الذي سينال من قوانين Grundlagen وهي القوانين الأساسية في السويد في نظام الحريات والديموقراطية والمواطنة التي عمرها أكثر من 200 عام تحديداً منذ العام 1809.
أخطاء السوسيال لا تعالج بهذا الشكل
وبين هذا وذاك هناك أخطاء ارتكبها السوسيال في تطبيق بعض القوانين. وبالتأكيد تلك الأخطاء أصبح لها ضحايا ويجب معالجتها وهذا يحتاج إلى جهود منظمة وعقلانية، وهذا ما نشهده الآن من تغيرات في نظام الرعاية للمراهقين والمدارس وغيرها فهي إجراءات تغيير، أما تمادي بعض الانتهازيين باستغلال النظام الديموقراطي للسويد في نشر الأخبار الكاذبة والمضللة، فهذا خلق حالة خوف بين المهاجرين لمتابعتهم صفحات السوشيال ميديا، التي تبث السموم نهاراً وجهاراً دون رادع.
إزالة حاجز الخوف من السوسيال أو من مؤسسات الدولة مسؤوليتنا نحن كمواطنين، لنا الحق بالاعتراض ولنا الحق بالتظاهر ولنا الحق باستخدام كل أدوات الديموقراطية في السويد لنثبت حضورنا واستحقاقنا في المواطنة، لكن الكارثة عندما نستخدم هذه الحقوق بشكل مشوه وغير منضبط وعندما نستخدمها لنستغل القوانين والأنظمة المدنية لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية.
الفرق بين تربية الأطفال ورعايتهم
عدة ممارسات من قبل البعض، قد يتم تعميمها للأسف على الجميع، مثل سوء معاملة الزوجة، والغش والخداع مع رب العمل وقوانين العمل، والعمل بالأسود، وترك تربية الأطفال للمدرسة ونحن نعلم أن مدارس السويد تعلّم ولا تربي. ما نحتاجه وقفة تأمل، هل أنا أربي أطفالي أم أنني أرعاهم؟ الفرق بين التربية والرعاية كبير جداً.
توفير الطعام والملابس والترفيه وتربية الرغبات ليس تربية، بل هو رعاية، أما التربية فهي تعليم أطفالنا قيماً ومبادئ اخلاقية ودينية لا تتعارض مع قيم المجتمع العام. تدريب أطفالنا على مهارات سلوكية مجتمعية، وبناء شخصية الطفل من خلال تدريبه على اختيار القدوة كلها وغيرها تسمى تربية.
الأحداث المحيطة بنا وببلادنا الأصلية تؤثر علينا
لا ننسى أن أغلبنا كمهاجرين في الوقت الحالي نعيش حالة من اضطراب المزاج بسبب أحداث محيطة بنا في المجتمع وأحداث متعلقة بأبناء جلدتنا في غزة وما يتعرضون له من إبادة جماعية. تنامي معدلات الغلاء والبطالة في السويد. قرارات وإجراءات ضد المهاجرين، وتصريحات يومية من السياسيين تهدد الأمن النفسي والمجتمعي للمواطنين من أصول مهاجرة والمسلمين بشكل خاص، إضافة إلى حملات التضليل والتخويف ونشر الأكاذيب على السوشيال ميديا، علينا أن نتذكر أن هؤلاء الأفراد ما هم إلا أشخاص متعسرين اجتماعياً ومنغلقين في غرفهم وأمام شاشات هواتفهم، يشتمون الناس من حولهم ويلعنون ذاتهم وينشرون الشائعات والأخبار المحرفة من صفحات وهمية مخفيه بأسماء مستعارة، والعلم عند الله قد يكونون أناس قانطين من أنفسهم وفشلهم الأسري والاجتماعي أو أن يكونوا أدوات خبيثة بيد قوى عنصرية لتشتيت الأمان الاجتماعي للمهاجرين، أو انتهازيون يسعون للشهرة والمنفعة الشخصية على حساب من يتابعهم.
وقفة تأمل ومراجعة للذات
كل منا يحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة وتصالح مع الذات، نبذ الخلافات العائلية والتركيز على هدف العائلة من الغربة. لا نتعلق بفكرة أن السويد هي البلد النبيل والمثالي، بل هو بلد الفرص والسعي في الرزق والعمل مفتوح لك في كل أوربا إن لم تجد ما يلبي حاجتك في السويد فقرار إقامتك مبني على قرارات أوربية أيضاً، أقصد أنه يحق لك العمل والانتقال إلى أي بلد أوربي. “بسم الله الرحمن الرحيم فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ”.
هكذا نصارع في الحياة، فنترك أشياء من أجل أشياء، لا نعلم أيها أهم ما نترك أم ما نحاول أن نُدرك. ثم بمرور العمر نكتشف أننا نريد أن نُدرك ما تركنا أو نترُك ما أدركنا.
فاروق الدباغ