المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: تثير مواقف المهاجرين في اوربا، وفي السويد بالذات، من مسألة الانتخابات العديد من علامات التساؤل والتعجب معا.
فالمراقب يلمس اللامبالاة في الضعف والتردد، ازاء فعاليات الاشتراك بهذه الانتخابات من قبل القسم الاكبر من هؤلاء المهاجرين، رغم ان الواقع الفعلي وتفاصيل الحياة والاعلام وخطب السياسيين وغيرها من وسائل وفرص التعريف توضح لهم، وتؤكد اهمية اصواتهم في العملية السياسية، وما تفرزه من قوانين ونظم وقرارات قد تؤثر في حياة المهاجرين انفسهم سلبا او ايجابا.
وفي اكثر من مقاطعة وبلدية نجد المئات او الالاف من المهاجرين، الذين يعرف الكثير منهم ان بامكانهم ان يؤثروا في المجتمع الجديد الذين حلوا فيه، لانه ببساطة مجتمع يتسم بالديمقراطية التي تحكمه وتؤثر فيه، وان الانتخابات تمثل نوعا من المنافسة المحكومة بقواعد عادله متفق عليها، غير انهم لا يمارسون هذا الحق. ولابد هنا من تاكيد حقيقة ان قضية الهجرة ليست هي الوحيدة في لائحة الاهتمامات، فهنالك قضايا اخرى منها، الوضع الاقتصادي والرعاية الاجتماعية والدفاع والطاقة وغيرها.
ان سبب الخسارة – ان صح التعبير- في عدم المشاركة بالانتخابات، هو تنافر التوجهات السياسية والفكرية والاجتماعية للاحزاب المتنافسة، حيث يعلن بعضها وبصراحة مناوئته لسياسة الهجرة، ورفض قبول اعداد كبيرة من المهاجرين سنويا، لانهم كما يرى هؤلاء، يكبدون خزينة الدولة مبالغ كبيرة، يقع على عاتق دافع الضرائب الجزء الاكبر منها.
وهكذا فان عدم المشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح الاحزاب اليسارية والاجتماعية، التي تتبنى حقوق المهاجرين وتدافع عنهم وتوفر لهم ظروفا افضل، يعني فسح المجال لتلك الاحزاب العنصرية ان تحصل على اصوات تساعدها في تحقيق كتل نيابية والحصول على حقائب وزارية وادارات محليه لا تعمل لصالح اولئك المهاجرين.
وقد اظهرت بعض الاستطلاعات الصحفية، وعبر مقابلات، ان اعدادا من المهاجرين، اوضحوا بانهم منذ اكثر من عقدين في السويد، ولكنهم لم يشتركوا في ايه انتخابات بلدية او برلمانية ! كما ان التقارير اشارت الى ان مشاركة اللاجئين في انتخابات المجالس البلدية، انخفضت الى نصف ما كانت عليه في السبعينيات. وفي انتخابات عام 2010 بلغت النسبة (35,8%) منهم فقط .
وفي محاولات معرفة اسباب ذلك، يلقي البعض اللوم على الجمعيات الثقافية والاجتماعية والمساجد، في عدم تشجيع الناخبين المهاجرين، والبعض الاخر يلقي هذا اللوم على الاحزاب السياسية السويدية، ولكن الواقع يوضح ان الحكومات المتعاقبة عملت على رفع مستوى المشاركة الانتخابية، من خلال تقديم الاموال للجمعيات والاتحادات والمراكز الاجتماعية والثقافية، كما وظفت اشخاصا يعملون على توفير كل ما يتطلبه الناخب من معلومات، وبالذات في المدن التي توجد فيها كثافة سكانية كبيرة للمهاجرين.
ويلاحظ في السنوات الاخيرة، اتساع ظاهرة النزعة العنصرية في دول اوربا، ولم تكن السويد بمعزل عنها او بعيدة عن هذا الامر، حيث تشكلت فيها حركات واحزاب يمينية، اضافة الى ما هو موجود، عملت على التحالف مع بعضها، وزيادة قدرتها على تحقيق الفوز في الانتخابات، البلدية والنيابية، مجاهرة بشعارات متطرفة تثير القلق في اوساط المهاجرين، الذين لا يقابلونها في ذات الوقت بجهد مقابل لتامين الفوز وتحقيق الاغلبية للاحزاب اليسارية، التي تتبنى قضاياهم، وتسعى لتامين متطلبات حياتهم، والتي اكدت مواقفها الايجابية تجاههم في الفترات التي تسلمت فيها الحكم.
كما ان النظرة الواقعية للامور تكشف عن حقيقة ان من يصوت لصالح اليمين والعنصريين، وقد بلغت نسبتهم في انتخابات 2014 التي جرت في السويد (12,9%) ليسوا بالمطلق مع هذا الفكر الاقصائي للاخرين، انما بينهم كثير من المضللين، والذين ينتابهم قلق غير واقعي من المهاجرين، او الواقعين تحت تاثيرات انية، لابد ان تتجلى امامهم الحقائق، في وقت ما، ويغيروا من مواقفهم .
ولم تكن وسائل الاعلام في السويد، وخاصة العربية منها بعيدة عن الرغبة في معرفة توجهات المهاجرين، الذين يمثلون قاعدة انتخابية واسعة، واجراء المقابلات والاستطلاعات بينهم لتقديم مؤشرات على هذه التوجهات، وكمثال يمكن ان تؤخذ مطبوعة ( الكومبس ) كنموذج من بين وسائل الاعلام هذه، فهي حريصة كغيرها في اشاعة رغبة المساهمة في الانتخابات من جهة، ومعرفه توجهاتهم ورغبات المشاركة او عدمها من جهة ثانية.
وفي حين تنقسم مواقف اللاجئين حاملي الجنسية او الاقامة، منذ فترة طويلة بين حريص على المساهمة في الانتخابات، والادلاء باصواتهم لمن يرغبون من الاحزاب، وعازف عن ذلك او متردد، وفيهم كثير يحاول التعرف على الواقع الانتخابي واجوائه من خلال الاخرين ممن سبقوه، والذين لديهم تجربة مع اكثر من حكومة سابقة، وقد صوت قسم من هؤلاء اعتمادا على ما يحصلون عليه من معلومات، قد يكون بعضها مضللة، وباتجاهات غير ما يرغبون , اذا ما علمنا مثلا ان العديد من العرب وغيرهم من المهاجرين انضموا الى احزاب يمينية , واخرى لا تتضمن برامجها الكثير مما هو في صالح المهاجرين , وهذه بحد ذاتها خسارة , ليس على المستوى الشخصي فقط , بل وعلى المستوى الاجتماعي ايضا .
ومهما تباينت نسب تصويت السويديين انفسهم , وهي اكثر من المتوسط , فان الاحزاب العنصرية تاخذ منها حصة تجعلها قادرة على تشكيل كتله في البرلمان , مما قد يعطيها الحق ربما في تشكيل الحكومة , او الحصول على مقاعد وزارية فيها , وبالتالي تنفيذ برامجها الانتخابية التي تكون عادة في غير صالح المهاجرين .
اضافة الى ذلك , وحسب دراسة اجراها ( ماغنوس هاغيفي ) الباحث في العلوم السياسية في جامعه ( لينيا ) ونشرتها صحيفة ( الكومبس ) , يرى العدد الاكبر من الناخبين , ان الاحزاب البرلمانية اصبحت على درجة عالية من التشابه , وبات الفارق بينهما ضئيلا , وقامت الدراسة على اسئلة طرحها الباحث على ( 1500) مواطن تبين ان (57%) منهم يعتقدون ان الفارق بين الاحزاب السياسية في السويد صار قليلا . ومن ناحية اخرى رائ (67%) من عينات البحث , انه يتوجب على هذه الفوارق ان تكون اكبر . وهذا التقارب بالاراء والافكار السياسية يصعب عملية ادلاء الناخب بصوته , وهو امر قد يساهم في انخفاض الاقبال على الانتخابات , كما وان الناخب قد يتجه الى الاحزاب التي تميز نفسها عن الاخرين .
وقال الباحث ان الاحزاب المعادية للاجانب كديمقراطي السويد , قد يحصل بالتالي على المزيد من الدعم , لان الناخب يرى ان الاحزاب الاخرى جميعها متشابهة .
من هنا تظهر ضرورة ان يتوقف المهاجرون عن ان يكونوا ورقة انتخابية لا غير بيد اخرين , او ملف وقضية تناقش عن طريق غيرهم من الاحزاب والسياسيين والاعلام , بل عليهم ان ينتقلوا الى دور المساهم والمؤثر , خاصة وان لهم العديد من الممثلين في مختلف الاحزاب , وقد تبوأ بعضهم مناصب وعناوين ادارية وحزبية وبرلمانية , مما يضع امامهم نماذج وحالات جديرة بان تعمم ويقتدى بها .
كما ان عليهم ان لا يغفلوا عن حقيقة ان مخططات وسياسات الهجرة اساسا تعتمد على ادامة الهجرة الى السويد , وحتى زيادة اعداد المقبولين منهم بين فترة واخرى , وان العديد من الاحزاب والسياسيين يصرحون باهمية المهاجرين وضرورتهم لتحريك اقتصاد البلد . ومما يدعم هذا الامر ان نسبة كبيرة من الشعب السويدي , تؤيد سياسة قبول المزيد من المهاجرين , وهذا ما اظهره احد استطلاعات الراي العام , وقام به معهد (نوفوس) ونشرته وسائل اعلام محلية , حين بينت ان نسبة ( 32%) فقط تدعو لخفض نسبة قبول المهاجرين , ويسجل هنا دعوة الكنيسة السويدية الى وقف عمليات ابعاد من تم رفض قبول طلبات لجوئهم , وسرعة البت في قضايا الاخرين .
كما اظهر مسح اجراه موقع اخباري محلي , وشمل (28) الف شخص ان السويديين هم اكثر الشعوب في الاتحاد الاوربي ايجابية نحو قبول الهجرة , سواء كانت من اوربا او قارات اخرى , وتقبل (57%) من الذين تم استطلاع اراؤهم , مبدا هجرة غير الاوربيين , وتقاربت النتيجة في استطلاع اخر حيث كشف استطلاع لمعهد ( ابسوس) ان سته من عشرة سويديين , يرون ان الهجرة تعود بالفائدة على دولتهم . وفند المدير العام لمكتب العمل ( ميكائيل خوبيري ) ما يشاع ان المهاجرين يكلفون الدولة دون مقابل , قائلا – ليس الامر بهذه البساطة , فعندما نخفض عدد المهاجرين سيكون لدينا عدد اقل من العاملين , وعندها سيكون لدينا مشكلة في الا يرادات , لذلك يجب الحفاظ على مستوى اعلى من الهجرة , واعادة النظر في كيفية الاندماج .
وقد لخص الكاتب السويدي (ايان غيوليو) هذا الامر في مقالة كتبها بعنوان ( السويد بحاجة الى مزيد من المهاجرين ) ونشرها في عموده بصحيفه( افتون بلاديت ) اواخر عام 2008 .
ان مثل هذه الحقائق , ينبغي ان تضاف كمحفزات للمهاجرين في زيادة مساهماتهم في الانتخابات , ليس على مستوى البلد فقط , انما حتى على مستوى الانتخابات الاوربية , حين يتم التصويت على البرلمان الاوربي , الذي شهد مؤخرا هو الاخر وجودا ملحوظا للاحزاب العنصرية , مما سينعكس سلبا بالتاكيد على سياسة الهجرة , وحياة المهاجرين ومستقبلهم .
ان الاكتفاء بدور الاغلبية الصامته , ذات الدور السلبي , لن يثمر الا عن المزيد من الخسارات للمهاجرين , واجيالهم الناشئة في بلاد المهجر , وسيكونون دون ان يعرفوا كتلة سياسية واجتماعية خاسرة بأرادتها . وقد قدمت الحالة التي الت اليها السويد بعد الانتخابات الاخيرة في 2014 , صورة لتصارع الارادات والتفكير تجاه قضية الهجرة , والتي خلقت ازمة بين الاحزاب الفائزة نفسها , وبين احزاب المعارضة , ذات التوجه العنصري واليميني ,فقد كان هناك من يريد المحافظة على ما اتسمت به السويد امام العالم , من رسوخ مبادي الديمقراطية والانسانية , مقابل من يريد لها العزلة والتخلي عن تلك المبادئ , ملوحا بخطر المهاجرين , وتزايد اعدادهم , مما ينعكس سلبا – كما يعتقد – على ثقافة المجتمع واقتصاده وامنه وازدهاره , طارحا تصورات عنصرية تهدد وجود اللاجئين ومستقبلهم , منها ان المهاجر حتى وان قضى عشرات السنين في السويد , وحمل جنسيتها فهو غير سويدي ! وهذا يضع المهاجرين امام خيار لابد منه , وهو المشاركة في الانتخابات , والتصويت لمن يدعمهم ويدافع عنهم , لان المسالة ببساطة هي دفاع عن الوجود والحقوق , في بلاد المهجر , الوطن الثاني , وهذه مسالة لامجال للنقاش او التردد فيها.
عبدالرحمن عناد
كاتب وصحفي عراقي
المقالات تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن الكومبس