المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: نظراً للأحداث المأسوية التي تمر بها المنطقة العربية وخصوصاً سوريا والعراق تعتبر الهجرة حالة طارئة اليوم، وبعيداً عن فلسفة الهجرة بين الضرورة والحاجة، هاجر كثير من الشباب العربي نحو البلاد الغربية، وبعيداً عن تلك الأسباب كلها، إلا أنني كمهاجر أجد قيماً مضافة ومنافع متبادلة بين الشعوب من خلالها.
بالتأكيد للهجرة سلبيات وإيجابيات لكنها تتعدى أن تكون مفهوماً منحصراً في الإيجابية والسلبية في الوقت الراهن.
تتلاقى الثقافات في الهجرة ويحدث تمازج القيم وتبادل الأفكار بين الشعوب، وأرتبط مفهوم الهجرة في التاريخ الإسلامي عندما أذن الرسول الكريم لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة وقال فيها ” إن بالحبشة ملكا لا يظلم عنده أحد، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجا ” هذه المقولة التي تدل على أن قيم الأخلاق مرتبطة بالإنسانية وليست محصورة في دين ما.
وربما هذا ما دعا عمرو بن العاص العربي – قبل إسلامه – إلى الذهاب للحبشة مفاوضاً ملكها على عدم قبول هؤلاء في أرضه ,مُشوهاً صورة أبناء عمومته لأنهم كانوا أصحاب الدين الجديد في مكة. أما جعفر بن أبي طالب فقد قاوم ذلك بأخلاقه وصدقه وحسن تعامله وقام بنشر أفكاره وأخلاقه عن طريق التعامل فقط.
لا يهاجر الشباب العربي والسوري خصوصاً بجسده وروحه وحقائب سفره فقط بل يهاجر ككتلة فوارة من الأفكار والقيم والعادات حملها من مواطن قدومه للمكان الجديد الذي يقصده، والتي تربى عليها وصارت جزءاً من كيانه. وجميع هذه الأفكار والقيم التي تشكل قواماً متماسكاً تحتك مع سياسات الإندماج التي تطبقها هذه البلدان على المهاجر، فيحدث من خلال ذلك تبادلاً ثقافياً بين تلك الأطراف، وتمازجاً في العادات والتقاليد.
إذ يتأثر المهاجر بقيم وحضارة الشعوب التي قد هاجر إليها، لكنه أيضاً يعمل بعفوية تامة على نقل مكتسبات ثقافته وتاريخ حضارته للجهة الأخرى، وهذه الجسور المتينة من التعاون والاحترام بين الحضارات، تنشأ في ظروف الهجرة، وتساعد على تقيم الذات بالمقارنة مع الآخرين، ويتعرف الإنسان على موقع ثقافته بين الشعوب، وفي ذات الوقت يدرك طبيعة الثقافات المغايرة لموطنه الأصلي والتي ما كان له أن يحتك بها لولا هذه الهجرة.
كارل ” سويدي الأصل” يبلغ من العمر 23 عاماً، يجد أن القيم الإيجابية التي أضافها السوريين على المجتمع الغربي كثيرة، وبعد احتكاك كارل ببعض الأصدقاء السوريين في السويد، أصبح مدركاً للقيم والأخلاق التي حملها هؤلاء معهم وبدأ يتطبع ببعض الطبائع التي وجدها لديهم، حيث أنه لمس الكرم العربي، وحسن الضيافة، والتي ربما يفتقدها المجتمع الغربي أو يتعامل معها بنمط مغاير للعربي.
أما غوستاف ” سويدي الأصل” يبلغ من العمر 6 أعوام فقد تعلم من صديقه كرم أن يُقبّل يد أمه كل يوم عندما توصله إلى المدرسة.
هذه العادات والأفكار قد لا يمتلكها العالم الغربي، حملها المهاجر معه إلى كارل وغوستاف فتأثروا بها كما أثروا بأصدقائهم العرب.
وبعيداً عما توارثناه من سياسة الخطاب الديني الجامدة وبعد ما شابها من شوائب كثيرة عملت على تشويهه من المفترض أن نحول خطابنا نحن الشباب العربي إلى الخطاب الأخلاقي الذي سيكون له دور كبير في تحسين صورتنا – الشرقية – عند الآخر.
ويجب أن نقتنع بأن زمن صراع الحضارات انتهى وأصبحنا نعيش ضمن مفهوم تكامل الثقافات لتوجيه البشرية نحو فضاء أكثر أخلاقاً وأكثر إنسانية.
فعملية الإندماج في المجتمعات المضيفة عملية متبادلة، نكتسب منهم ونعطيهم، وعملية التبادل هذه تقوم على معالجة التصرفات والأفكار ضمن إطار الفهم والحوار بعيداً عن الشكل أو الدين أو السياسة.
عبدالعليم الكاطع – كوتلاند
مقالات الرأي تعبر عن موقف أصحابها وليس بالضرورة عن الكومبس