المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
سيقرر مجلس الأمن الدولي في يوليو/تموز ما ينبغي القيام به لاحقا لبعثة المراقبين الدوليين في سورية. وبموجب التفويض الحالي الذي حدده في 12 ابريل/مايو عام 2012 القرار رقم 2043 الصادر عن مجلس الامن الدولي المحددة فترته ب90 يوما، والذي ينتهي مفعوله في 20 تموز/يوليو .
سيقرر مجلس الأمن الدولي في يوليو/تموز ما ينبغي القيام به لاحقا لبعثة المراقبين الدوليين في سورية. وبموجب التفويض الحالي الذي حدده في 12 ابريل/مايو عام 2012 القرار رقم 2043 الصادر عن مجلس الامن الدولي المحددة فترته ب90 يوما، والذي ينتهي مفعوله في 20 تموز/يوليو .
الوضع سيحتدم في شهر رمضان المبارك
شاءت الصدف الدراماتيكية ان يبدأ شهر رمضان في هذا العام حسب التقويم القمري في 20 تموز/يوليو. وقد مضت تلك الازمان حين كان المسلمون يقللون نشاطهم في شهر الصوم. بل بالعكس ففي الفترة الراهنة حيث تتقوى الحركات الاسلامية في المنطقة بأسرها ، ينبغي ان ننتظر من فترة رمضان حدوث هزات جديدة. وفي كافة الاحوال فان شهر يوليو/تموز سيكون ساخنا بشكل خطر جدا في سورية.
وفي عام 2011 ساد مثل هذا الوضع في شهر أغسطس/آب حين بدأ صوم رمضان في اليوم الأول من هذا الشهر. وتحولت المساجد الى ما يشبه مراكز للاحتجاجات وكان يجتمع في صلاة المغرب في مساء كل يوم عدد كبير من الناس. وأظهرت ممارسات العام الماضي ان الصائمين لا ينصرفون الى بيوتهم بعد الصلاة والافطار، بل يعقدون اجتماعات حيث ان برودة المساء تساعد على ذلك. لقد كان شهر رمضان ذلك شهرا داميا. وقد يكون القادم أسوأ.
يوجد في صفوف المعارضة عدد كبير من الاسلاميين. انهم يلومون الرئيس بشار الأسد لكونه لم يصبح رئيسا لجميع السوريين ، حيث اعتمد أساسا على الصلات العائلية وعلاقات الصداقة . ويرى المعارضون ان مظاهر الفساد والمحسوبية قد اشتدت في عهد الاسد – الأبن الذي ورث السلطة بعد وفاة أبيه حافظ الأسد في عام 2000 ، بالرغم من اعلان بشار الأسد في البداية عن التزامه بنهج الاصلاحات.
إسقاط طائرة الاستطلاع التركية خطوة أخرى نحو الحرب
قد يحدث الانعطاف في النصف الأول من شهر يوليو/تموز. وهذا يتوقف لحد كبير على الوضع في سورية وحولها. ففي المواجهة الساخنة يمكن ان يكون أي حادث ( مذبحة جماعية في قرية ما او عملية أرهابية صارخة) سببا حتميا لإحتدام الوضع بما يسفر عنه من عواقب يصعب التحكم بها.
ولعل آخر مثال على ذلك حادث طائرة الاستطلاع التركية التي أسقطت في 22 يونيو/حزيران عام 2012 من قبل قوات الدفاع الجوي السورية. وأعلنت تركيا ان طياريها لم ينتهكا المجال الجوي لسورية. ولا يستثنى أحتمال ان يكون رجال الصواريخ السوريين قد اجتهدوا أكثر مما يجب ، لأنهم لقوا تعنيفا في العشية من قادتهم بسبب هروب أحد الطيارين الى الخارج. وكان العقيد الحميدي قد انطلق في الجو بطائرة قديمة من طراز "ميغ" وهبط في اراضي الاردن المجاور ، وأعلن انه لا يريد دعم النظام. على أي حال ان مثل هذه الحوادث الطارئة يمكن في اية لحظة ان تتخذ كذريعة لحدوث انعطاف حاد في الوضع.
وطالبت تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي الذي يضم 28 بلدا عقد اجتماع استثنائي لمجلس الناتو. علما ان المادتين الرئيسيتين 4 و 5 من النظام الداخلي للحلف تنصان على وجوب اتخاذ البلدان الأعضاء التدابير في حالة تهديد أمن وسيادة أي عضو فيه. ولا يستثنى من بين هذا التدابير القيام بعمليات عسكرية. وفي الختام اصدر مجلس الناتو في اجتماعه يوم 26 يونيو/حزيران قرارا" يدين " سورية بشدة، أما تركيا فقد هددت ب" الرد الحازم" في حالة وقوع أمر مماثل في المستقبل.
خطر الهزات الاقليمية
ينبغي على رجال الدولة معالجة ليس القضايا السهلة فقط. فالأخيرة غالبا ما تحل بحد ذاتها. وحين تهتز كفة الميزان ويكون الوضع غير واضح، يبرز احتمال اتخاذ قرارات يمكن ان تنقذ السلام.
لكن الأمر يختلف حين تنطوي الاجراءات القصوى على مخاطر كبيرة ، أكثر خطورة مما حدث في ليبيا. فالجيش السوري أقوى من الليبي ، كما ان وسائل الدفاع الجوي السورية افضل. ويحتدم الوضع والنزاعات في البلدان المجاورة لسورية. فالوضع غير هادئ في لبنان ، ويثير وضع العراق القلق أكثر. كما لا يتوصل الاسرائيليون والفلسطينيون الى الصلح البتة.أما في تركيا فالعلاقات متوترة مع الاقلية الكردية التي تقيم علاقات متينة مع أكراد سورية والعراق وايران.
ولا يريد احد تحمل المسؤولية عن الوضع الصعب الذي يهدد بالخروج عن السيطرة ، مع احتمال انتشار عدم الاستقرار الاضافي الى المنطقة بأسرها. ولا ينسى الشركاء في الناتو ان روسيا والصين وايران وعددا من البلدان الأخرى تعارض السيناريو العسكري.وهيهات ان تتدخل في الطور الساخن ، لكن يجب مراعاة حججها السياسية ومخاوفها وأخذها بنظر الاعتبار.
وهكذا فان الغرب الذي وجد صعوبات في العراق وافغالنستان ، يجد من الاسهل والمريح أكثر بالنسبة له عدم التدخل في الاحداث بصورة مباشرة ، بل العمل من وراء الكواليس بتعزيز صفوف المعارضة وفي الوقت نفسه تشديد الضغوط الاقتصادية والسياسية على دمشق.
لكن الحياة غالبا ما تعدل الخطط ، ويحدث هذا في احيان كثيرة في الشرق الاوسط المتفجر. وفي الوضع الراهن لا يجوز استثناء أي شئ. ويطرح كثير من المعارضين السوريين منذ وقت بعيد ، وبضمن ذلك في احاديثهم مع كاتبة هذه السطور ، حججهم بشأن وجوب أقامة مناطق في سماء البلاد يحظر فيها تحليق الطيران السوري. ونحن نعرف معنى ذلك من مثال ليبيا ( حدث ذلك هناك بسرعة) والعراق ( مضت عدة سنوات منذ فرض الحظر وحتى بدء الحرب) ويوغسلافيا.
ولابد من الاشارة الى انه من المقرر ان يعقد في 2 و3 يوليو/تموز في مقر الجامعة العربية لقاء زعماء المنظمات وجماعات المعارضة الكبرى. ويحاول الممولون العرب والغربيون توحيدهم حول اجندة مشتركة ، ويراد من هذا اللقاء المساعدة في بلوغ ذلك.
الدبلوماسية تعطي الرد في النصف الاول من يوليو/تموز
ستتضح الأمور في مطلع يوليو/تموز أيضا لأنه سيعقد في 30 حزيران/يونيو في جنيف اللقاء الدولي للوسطاء الذين يؤكدون على ان هدفهم هو ايجاد حل سلمي للأزمة. وسيكون ذلك محاولة جادة للتوصل الى حل وسط ، وبالدرجة الاولى بين الوسطاء أنفسهم. أي بين من ينتمي الى " مجموعة أصدقاء سورية" (وتضم الولايات المتحدة والاتحاد الارووبي وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر وعشرات الدول الاخرى ) التي تدعم المعارضة، وبين من يعتبر ان مثل هذا الدعم السافر بملايين الدولارات واليورو الى المعارضة يمثل خرقا للمبادئ الدولية في إحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وتؤيد روسيا والصين ، بالدرجة الاولى، وجهة النظر هذه. وسيكون شيئا طيبا لو شارك في اللقاء ممثلو ايران ايضا. وقد طرحت روسيا فكرة دعوتهم. لكن الغرب وبلدان الخليج العربي أبدت الحذر من هذه الفكرة لأنها لا تثق بإيران. لكن يجب ألا ننسى ان لدى ايران وسائل تاثير في الحكومة السورية أكثر مما لدى موسكو ، لأنها تساعد سورية كثيرا سياسيا وكذلك ماديا.
أما فيما يخص انعدام الثقة فأنه كثير جدا اليوم في المجتمع الدولي ، وبضمن ذلك بين موسكو وواشنطن. ويعتبر ذلك أحد الاسباب التي تجعل رد الفعل على التطور الخطر للنزاع السوري معرقلا واحيانا متناقضا. ويبدو ضعف العالم مجددا حيال التحديات الخطيرة. ويحدث هذا بالذات حين يجب توحيد الصف واتخاذ قرار مشترك بنبذ الخلافات حول القضايا الاخرى ، علما ان الخلافات الثانوية تعرقل الوصول الى مخرج.
لكن هذا لا يحدث ، طبعا ، لأول مرة في التأريخ. فقد وصف ونستون تشرتشل في كتابه "الحرب العالمية الثانية " بعد خمسة أعوام من انتهاء الحرب بالتفصيل كيف ان عدم الثقة المتبادلة يدفع العالم الى الكارثة. وحذر قائلا :"ينبغي على رجال الدولة حل ليس القضايا السهلة فقط. وغالبا ما يتم حل الاخيرة بحد ذاته. وتتذبذب كفة الميزان فقط حين يكون الوضع غير واضح ، وينبثق احتمال اتخاذ القرارات التي تنقذ العالم".
ان الكفة السورية غالبا ما تتذبذب أيضا.ولا يعتبر من باب المبالغة البتة قول سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي في يونيو/حزيران:" يتوقف توزيع القوى في العالم وعلى ما سيكون عليه العالم لاحقا على السبيل الذي ستمضي التسوية السورية فيه".
المراقبون الدوليون ينتظرون الأوامر
ان السبيل الذي تقترحه روسيا هو احياء خطة التسوية السلمية التي أعدت بمشاركة كوفي عنان الامين العام السابق لهيئة الامم المتحدة. وبموجب فكرته فان وقف اطلاق النار كان سيتم منذ 12 ابريل/نيسان الماضي. لكن هذا لم يحدث كما نرى. ولم تطرح حتى الآن آليات واقعية لإخراج هذه الخطة من حالة الجمود.
يقترح الغرب فرض عقوبات دولية على سورية – بالاضافة الى العقوبات الوحيدة الجانب. لكن هذا لا علاقة له بخطة كوفي عنان. كما ان روسيا تعتبر هذا الموقف غير عادل واتهمت المعارضة ايضا بخرق قرار وقف اطلاق النار. ولربما ان الانفراج سيتم بترك بشار الاسد منصب الرئيس مبكرا( تنتهي ولايته الثانية لمدة سبعة أعوام في عام 2014). لكن من الذي يستطيع إرغامه على ذلك إذا ما كان لا يرغب بذلك حتى الآن؟
ويرتبط مصير بعثة المراقبين الدوليين في سورية ارتباطا وثيقا بهذه الخطة. فهل يعول المفتشون الدوليون الموجودن هناك والذين يخاطرون بحياتهم على اجراء التسوية السياسية ام يتطلب الأمر اتخاذ تدابير آخرى؟ ويعمل في سورية اليوم 298 مراقبا بدون سلاح من 48 بلدا بضمنهم عدة افراد من روسيا. ويمكن ان يوجد في سورية اجمالا بموجب القرار الدولي ما لا يزيد عن 300 مراقب . علاوة على ذلك وجه لمساعدتهم أكثر من 100 شخص من الفنيين(82 اجنبيا و30 سوريا). واعتمد لتمويل عمل البعثة خلال ثلاثة اشهر مبلغ 8ر16 مليون دولار من ميزانية هيئة الامم المتحدة التي تتألف من اشتراكات 193 بلدا عضوا في المنظمة الدولية.
وفي خلال هذه الفترة ازداد عدد ضحايا النزاع السياسي الداخلي في سورية عدة الآف من الضحايا الآخرين. ويلقى مصرعه في البلاد يوميا بمعدل وسط من 20 الى 100 شخص. وحسب معطيات هيئة الامم المتحدة قتل منذ اواسط مارس/آذار اكثر من 12 ألف شخص، علما ان الجانبين يتكبدان الخسائر، لكن أفظع شئ هو ان غالبية القتلى والجرحى هم من السكان الآمنين وبينهم اطفال.
لكن مع هذا ان عدد القتلى كان سيزداد لولا حضور المراقبين الذين يقومون مثل فرق الاطفاء بإخماد اندلاع العنف ولو في المناطق التي يوجدون فيها. وثمة منفعة أخرى من حضورهم هو انهم حتى عندما يأتون بصورة متأخرة الى موضع وقوع ماساة جديدة ، يصبحون مصدر ثقة يعتمد عليه بشأن المعلومات حول الحادث.
ان هذا أمر في غاية الأهمية في الوقت الذي يتهم فيه طرفا النزاع احدهما الآخر بإرتكاب الفظائع وحين تغلف الحقيقة الدامية بوفرة بغطاء من الكذب الحاذق. واذا لا يتسنى ايقاف العنف فأنه يجب ان يبقى الأمل في انزال القصاص بمرتكبي الجرائم ، وهذا يتطلب وجود الشواهد.
وبالرغم من ذلك فان الجنرال النرويجي روبرت مود رئيس بعثة المراقبين قد ألمح الى ان مواصلة عمل البعثة وزيادة عدد افرادها (منذ البداية كان واضحا ان 300 شخص قليل جدا ، لكن السلطات السورية عارضت بشكل قاطع إرسال عدة الآف منهم ) لا معنى له إلا لدى توفر الاتفاقات السياسية.
بيد أنه يبقى القليل من الوقت من اجل التوصل اليها ، كما تتقلص دائرة البدائل السياسية. وسيعني الحل العسكري انه لا فائدة من وجود المراقبين هناك. واذا لم يتسن بلوغ العملية السياسية ، فلا بد ان يعقب ذلك اما اجراء تغيير جذري في تفويض البعثة الدولية ( لصالح صنع السلام مثلا) واما ايقاف عملها. وعموما فان الخيار غير كبير وهو: اما التوصل الى اتفاقات واما الحرب بهذا الشكل او ذاك – حرب أهلية واقليمية او بمشاركة قوات خارجية.
يلينا سوبونينا مديرة مركز آسيا والشرق الاوسط في المعهد الروسي للبحوث الاستراتيجية
روسيا اليوم ونشر في موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية