المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: في خطابه الأخير إلى الأمة، اعترف رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون بأن معظم ضحايا مجزرة أوربرو كانوا من أصول مهاجرة. كان هذا الاعتراف لافتاً، ليس فقط لأنه جاء من رئيس حكومة طالما تماهت مع خطاب اليمين المتطرف، بل لأنه كشف بوضوح أن الضحايا لم يكونوا مجرد مصادفة، بل كانوا أهدافاً لخطاب كراهية تغذّى لسنوات من قبل سياسيين وإعلاميين، حتى وجد طريقه إلى فوهة سلاح قاتل متطرف.
على الرغم من ذلك، لا تزال السلطات السويدية ووسائل الإعلام تتعامل بحذر مع الكشف عن هويات الضحايا وخلفياتهم، وكأن الحديث عنهم مسألة يجب تأجيلها. هؤلاء لم يكونوا مجرد أرقام في تقرير جنائي، كانوا أشخاصاً لهم حكايات، أحلام وطموحات، كانوا أبناءً وآباءً وأمهات، يسعون للحياة في بلد صنّفهم لسنوات كتهديد.
من كانوا؟ ومن جعلهم أهدافاً للرصاص؟
سالم سكيف، بسام الشلح، عزيزة وغيرهم.. أسماء كان يُفترض أن تبقى جزءاً من الحاضر والمستقبل، لا أن تتحوّل إلى مجرد ذكرى مؤلمة في قائمة ضحايا الكراهية.
سالم، 28 عاماً، شاب سوري جاء إلى السويد بحثاً عن الأمن والحياة، كان يدرس التمريض ليكون جزءاً فاعلاً من المجتمع، لكن المجتمع ذاته لم يستطع حمايته.
بسام، 48 عاماً، كان يدرس اللغة السويدية ليتمكن من الاندماج بشكل أفضل، كما طُلب منه ليكون مواطناً نافعاً، لكنه لم يُمنح الفرصة ليكمل طريقه.
عزيزة، 68 عاماً، معلمة كرّست حياتها لتعليم الطلاب، رُسمت لها نهاية عبثية برصاص لا يفرّق بين طالب ومدرّسه.
لم يكونوا خطراً على السويد، كما حاول بعض السياسيين تصويرهم، بل كانوا جزءاً منها. كانوا يحلمون بأن يكونوا فاعلين في مجتمعهم الجديد، لكن هذا المجتمع لم يرحّب بهم كأفراد، بل اختزلهم في أرقام وملفات سياسية وإحصائيات تُستخدم لإثارة الذعر وكسب الأصوات.
المهاجرون.. من أشخاص إلى مادة انتخابية
لسنوات، لم يُذكر المهاجرون في النقاش السياسي إلا كـ”مشكلة” يجب حلها، كمصدر تهديد يجب التصدي له. الإعلام والسياسة اختزلتهم في عبء على الدولة، جعلوهم السبب في البطالة، الأزمة السكنية، وحتى الجريمة. لم يُنظر إليهم كأفراد لديهم أحلام وطموحات، بل ككتلة غامضة مجهولة يجب محاربتها أو على الأقل ترويضها.
جيمي أوكيسون ومن معه قضوا سنوات يبثّون هذا الخطاب، يحذرون من المهاجرين، من “أسلمة” السويد، من خطر الهجرة، من انهيار الرفاهية بسببهم. لكنهم لم يكونوا وحدهم، بل سايرتهم حكومة خافت من خسارة ناخبيها، فتحدثت بنفس اللغة، وأقرت نفس السياسات، وشرّعت نفس الإجراءات، حتى أصبح التحريض ضد المهاجرين أمراً مألوفاً ومقبولاً في المشهد السياسي السويدي ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
تحول المهاجر من إنسان إلى شعار انتخابي، من جار وزميل إلى تهديد محتمل، من فرد إلى عدو.. عندما يتم نزع الإنسانية عن مجموعة ما، يصبح استهدافها أسهل، يصبح التحريض ضدها مشروعاً، حتى يصل الأمر إلى أن يحمل شخص سلاح ويقرر تنفيذ “التحذيرات” التي سمعها من السياسيين والإعلاميين طوال السنوات الماضية.
ما قبل أوربرو ليس كما بعدها.. فهل يتغير شيء؟
بعد المجزرة، ربما ستؤكد الشرطة أن الجريمة ارتُكبت بدوافع عنصرية، لكن على مهل، وعندها سنواجه سؤالاً لا يمكن تجنّبه: هل ستتم مساءلة الخطاب التحريضي باعتباره تهديداً حقيقياً لحياة الناس؟ أم أننا سنشهد جولة جديدة من التبريرات والإنكار؟
هل سيدرك جيمي أوكيسون ومن معه أن خطابهم التحريضي لم يكن مجرد شعارات سياسية، بل كان السلاح الذي أودى بحياة الأبرياء؟ هل ستفهم الحكومة أن التماهي مع هذا الخطاب، بدلاً من مواجهته، جعلها شريكة في خلق بيئة يتجرّأ فيها المتطرفون على القتل بدم بارد؟
إذا لم تؤدِ هذه المجزرة إلى تغيير جذري في الخطاب السياسي، فإنها لن تكون الأخيرة. إن لم يُنظر إلى التحريض على أنه أكثر من مجرد كلمات تُقال في المناظرات والبرامج التلفزيونية، فإن عواقبه ستظل تطاردنا جميعاً.
كيف يمكن الحديث عن التماسك المجتمعي بينما يتم تقسيم الناس إلى “نحن” و”هم”؟ كيف يمكن بناء وطن يشعر فيه الجميع بالأمان إذا كان جزء من سكانه يُعاملون كغرباء، مهما حاولوا أن يكونوا جزءاً منه؟
ما حدث في أوربرو ليس مجرد مأساة، بل لحظة فارقة يجب أن تدفع الجميع، من سياسيين وإعلاميين، إلى إعادة النظر فيما زرعوه من خوف وكراهية. الاختبار الحقيقي ليس في الكلمات التي تُقال بعد الكارثة، بل في الأفعال التي تُتخذ لمنع تكرارها. إذا لم يتغير شيء، فإن السويد لن تكون كما كانت، ليس بسبب المهاجرين، ولكن بسبب من جعلهم أعداء وهميين لمكاسب سياسية قصيرة النظر.
حازم داكل