المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: هل اعتداء مجموعة صغيرة من الملثمين العنصريين، بات يعني أن السويد في حالة من التوتر؟! وأن ثقافة التسامح وتقبل الآخر آخذة بالتراجع في هذا البلد؟! على الأقل هذا ماتم تلمسه من متابعة تغطية وسائل الاعلام العالمية لأحداث الجمعة الماضية، عندما اعتدى عدد من الملثمين الذين ينتمون الى النازيين الجُدد، على أجانب وسط العاصمة ستوكهولم.
الاعتداءات العنصرية تحصل في كثير من المجتمعات التي تتكون من خليط ثقافي وعرقي متعدد، لكن لا أحد يختلف على اعتبار أنها نادرة الحدوث في السويد، وأن ما تم و يتم تصويره في وسائل الاعلام الاجنبية أمر مبالغ فيه، وهذا فعلا ما ركز عليه كثيرا الاعلام السويدي، الذي رأى أن هناك محاولات لإظهار حالة من التوتر في السويد بين اللاجئين والسويديين.
فالتغطية التي حاز عليها هذا الموضوع، كانت كبيرة في الاعلام الأجنبي، على خلاف الاعلام السويدي الذي رأى فيها كما يبدو حادثة عابرة، وأن خمسين أو مئة شخص من العنصريين ليس كلهم سويديون لا يشكلون هذا الخطر الكبير كما تحاول وسائل الاعلام الأجنبية نقله.
والمتابع لبعض الصحف البريطانية مثلا، يرى هذا التضخيم في نقل حقيقة ما جرى، فصحيفة اكسبريس في أحد اعدادها حاولت تصوير وجود حالات هلع من المهاجرين الذكور الذين يتصرفون بغوغائية مزعومة، وينشرون الرعب في نفوس السويديين.
في المقابل نقل موقع BREITBART صورة مماثلة، قال فيها خلال وصفه أحداث الجمعة: “إنه غياب مستشر للقانون والبلاد نحو مزيد من العنف والارهاب”، واعتبر الموقع أن ما حصل ردة فعل على ادخال الحكومة هذا العدد الكبير من اللاجئين.
في حين رأت الغارديان أن التنظيمات المعادية للاجئين، كشفت الجمعة الماضية جانبها المظلم وصورت ما جرى على أنه فوضى صدمت الكثيرين، الذين يتخيلون السويد بأنه بلد التسامح! وأعتبرت الصحيفة في مقالة لأحد كتابها، أن صورة السويد في التعايش ربما تكون قد دمرت.
الصحف الأمريكية تهويل مماثل
الأمر لا يختلف كثيرا في الصحف الامريكية، كصحيفة وول ستريت جورنال التي عنونت في إحدى صفحاتها بما معناه أن التوتر ضد المهاجرين يزداد، حتى أن بعض المحللين وكتاب الرأي في الصحف الامريكية والعالمية، أخذوا بتحليلاتهم الى أبعد من ذلك، وبدأوا عبرها يتساءلون: هل السويد اخطأت في استقبال هؤلاء اللاجئين؟ هل السويديون قادرون على تقبل ثقافات الاخرين المختلفة؟ وإلى ما هنالك من الآراء والتحليلات التي حاولت تضخيم حقائق الأمور.
ذلك ما أراد جزء كبير من الاعلام السويدي توضيحه، عبر نقله حقيقة ما يجري بعيدا عن التأويل والتعميم، فالمتابع لنشرات الأخبار في التلفزة والاذاعة السويدية يلاحظ الرغبة في توصيف ما جرى بأنه لا يعكس حقيقة المجتمع السويدي، وما عرف عنه من أنه بلد متقبل للاخرين على اختلاف ألوانهم وأعراقهم، وأن ما حدث يوم الجمعة، هو أمر نادر في السويد
وفي هذا الاطار تقول صحيفة THE LOCAL السويدية الناطقة بالانكليزية في مقالة لاحدى صحفييها: إن المتابع لوسائل الاعلام العالمية يعتقد أن ما جرى في ستوكهولم وكأن الخوف زرع في نفوس سكان المدينة ويصف المقال أجواء اليوم الثاني للإعتداء، حيث كانت كل الأمور تسير على طبيعتها، الناس في محطات المترو يتصرفون على عاداتهم، وآخرين يجولون في الشوارع وهم يحتسون القهوة، ومثلهم يتوجهون إلى المطاعم لتناول وجبة الطعام، كل شيء يسير وكأن شيئا لم يحدث.
وتتساءل الصحيفة ما الغاية من هذه المبالغة في نقل حقائق الامور؟ وتتابع القول إن هناك بعض الحوادث الفردية التي تحدث من قبل المهاجرين ومن قبل السويديين لكنها ليست معيارا عن بلد معروف عنه بأنه منارة للانفتاح والتسامح، وتضيف أنه في السنة التي استقبلت فيها السويد أكثر من 160 ألف لاجئ انخفضت عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها بنسبة 12 بالمئة، وتراجعت حالات السرقة إلى 2 بالمئة وفقا لأرقام المجلس الوطني لمنع الجريمة.
ربما ليس من الضروري في هذا الإطار نقل ما قالته هذه الصحيفة أو تلك سواء أكانت سويدية أو اجنبية، فيكفي على أي مقيم في ستوكهولم أو يوتبوري أو مالمو وغيرها من المدن الكبرى، السير في شوارع تلك المدن ليتلمس أنه كان هناك فعلا مبالغة في تصوير ما يجري، كما يمكنه أيضا تلمس استياء الشارع السويدي في معظمه من هذه التصرفات، حتى أن دعوة أحد الاحزاب المتشددة إلى حماية النساء السويديات من المهاجرين لاقت استهجانا كبيرا عبر عنه الآف السويديين على صفحات التواصل الاجتماعي.
هاني نصر – الكومبس