المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: من يظن أن إنشاء “حزب للمهاجرين” في السويد انتصار للعدالة أو خطوة تعطي صوتاً للمهمشين، يخطئ مرتين: مرة لأنه يفتت صفوف المعارضة، ومرة لأنه يمنح اليمين المتطرف أكبر دعاية سياسية على طبق من ذهب.

لقد شهدنا هذا السيناريو في الانتخابات السابقة: حزب صغير بخلفية إسلامية ظهر فجأة، خطف 28 ألف صوت من اليسار، والنتيجة؟ فوز اليمين بفارق ضئيل وتراجع المعارضة. أما الحزب نفسه فلم يحقق أي مكسب حقيقي، بل تفتت وضربت الخلافات صفوفه، وغاب تأثيره سريعاً بعد أن ترك وراءه تداعيات أخطر من فكرة تأسيسه، أهمها تكريس صورة نمطية بأن “المهاجرين كتلة منفصلة” تريد فرض أجندتها الخاصة. وهنا الخطورة، ليس فقط في أصوات مهدورة، بل في تعزيز خطاب اليمين الذي طالما روّج لفكرة أن المهاجرين يمثلون تهديداً للوحدة الوطنية.

اليوم يتكرر المشهد بواجهة جديدة: سياسي منشق عن الاشتراكي الديمقراطي يعلن تأسيس حزب “يمثل كل السويديين”، بينما خطابه موجَّه عملياً للمهاجرين. النتيجة المتوقعة ليست سوى إعادة إنتاج الفخ نفسه: فصل المهاجرين عن بقية المجتمع، وإعطاء دليل إضافي لليمين المتطرف على صحة دعايته.

المهاجرون ليسوا “الآخر”

الحقيقة أن مطلب “الفصل” بين المهاجرين والمجتمع السويدي لم يكن يوماً شعاراً يسارياً، بل هو لبّ خطاب اليمين المتطرف. هذا اليمين يهاجم حتى محاولات دمج مجتمعات المهاجرين عبر توزيعهم على أحياء مختلفة، لأنه يريد إبقاءهم معزولين في “غيتوات” مغلقة، ليقول: “ها هم الآخرون”. وعندما يرفع “حزب المهاجرين” الشعار نفسه – بقصد أو دون قصد – فإنه لا يفعل سوى ترديد صدى الأصوات اليمينية، خاصة المتطرفة.

لكن “المهاجرين” ليسوا مختلفين ولا يمكن أن يكونوا “الآخر”. إنهم مواطنون يعيشون ويدفعون الضرائب ويعملون ويدرسون ويبنون السويد مع بقية مواطنيها. ما يحتاجونه ليس حزباً خاصاً ينغلق على نفسه، بل الانخراط في الأحزاب القوية التي تؤمن بالمساواة والتعددية وتدافع عن قيم الديمقراطية. الحزب المنعزل لا يحمي أحداً، بل يعزل الجميع، ويسهم في قولبة جزء أصيل من المجتمع في قالب “الآخر”.

ثم إن المهاجرين ليسوا كتلة واحدة أصلًا. بعضهم يميل لليسار، وبعضهم يصوّت لليمين، وبعضهم لا يهتم بالسياسة. داخل أحزاب السويد كلها – من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – نجد أشخاصاً من خلفيات مهاجرة. هذا التنوع يعكس المجتمع السويدي كما هو: فسيفساء لا يمكن اختزالها في “حزب واحد”.

إذن لنسمِّ الأمور بمسمياتها: “حزب المهاجرين” ليس صوتاً للمهاجرين، بل صدى لليمين المتطرف. إنه يكرّس الفرز العرقي والثقافي بدل أن يقاومه. وفكرة تأسيس حزب أو أحزاب جديدة من قبل المهاجرين هي بمثابة هدية ثمينة لليمين المتطرف.

وإذا أراد المهاجرون مستقبلًا أفضل في السويد، فطريقهم لا يمر عبر إنشاء “غيتو سياسي”، بل عبر المشاركة الفاعلة في الأحزاب القائمة، ورفع أصواتهم بوصفهم مواطنين كاملي الحقوق، لا كجماعة منفصلة تبحث عن ملجأ سياسي خاص بها.

محمد المحفلي