تساؤلات حول تنامي العنصرية في السويد

: 12/8/12, 9:34 PM
Updated: 12/8/12, 9:34 PM
تساؤلات حول تنامي العنصرية في السويد

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – ( خاص ) بقلم خالد صبيح: قبل شهر تقريبا نشرت صحيفة ( اكسبريسن) السويدية مقاطع من فلم فيديو مصور بجهاز موبايل لأحد القياديين في حزب ديمقراطيي السويد (سفيريا ديموكراترنا) اليميني ذي الأصول النازية. الفلم اظهر قيادييَّن من الحزب وعضّوين في البرلمان وهما يهينان، وكانا سكرانين، الفنان الكوميدي من أصول أجنبية سوران إسماعيل، وكذلك تعرضهما لأشخاص آخرين، بينهم امرأة سويدية، بألفاظ عنصرية وجنسية وقحة. هذا في المعايير السويدية طبعا.

الكومبس – بقلم خالد صبيح: قبل شهر تقريبا نشرت صحيفة ( اكسبريسن) السويدية مقاطع من فلم فيديو مصور بجهاز موبايل لأحد القياديين في حزب ديمقراطيي السويد (سفيريا ديموكراترنا) اليميني ذي الأصول النازية. الفلم اظهر قيادييَّن من الحزب وعضّوين في البرلمان وهما يهينان، وكانا سكرانين، الفنان الكوميدي من أصول أجنبية سوران إسماعيل، وكذلك تعرضهما لأشخاص آخرين، بينهم امرأة سويدية، بألفاظ عنصرية وجنسية وقحة. هذا في المعايير السويدية طبعا.

الفيلم صور في 2010 قبيل الانتخابات التي فاز فيها هذا الحزب لأول مرة ودخل البرلمان. ليومين متتاليين وضعت صحيفة (اكسبريسن) هذا الحزب في أزمة بعدما نشرت على صفحتها الالكترونية مقطعين من الفيلم. سُحبت عضوية البرلمان من ممثلي هذا الحزب فيه من قبل حزبهما، وكان احدهما مختصا في الشؤون المالية والآخر في الشؤون القانونية.

لم يعترض احد بطبيعة الحال على ان وراء هذا التسريب وما لحقه من هجوم على الحزب، كما يحصل في العراق على سبيل المثال، دوافع سياسية. فهذا أمر بديهي، فأي حزب سوف يواجه بالتأكيد خصومه بأي خطأ يرتكبونه لدوافع سياسية، وهذه ليست خطيئة، فهذه هي أصول اللعبة السياسية.

ولم يتشنج احد، ويقيم الدنيا ولا يقعدها، ويتهم الصحيفة بأنها تستهدف هذا الحزب، فهذا أمر طبيعي أيضا لأنها صحيفة خصم. بالإضافة إلى ان الإعلام حر بشكل فعلي في السويد، والأهم لم يسال احد من أين حصلت الصحيفة على الفيلم الذي يعود لأحد قياديي الحزب، وهي بالتأكيد قد حصلت عليه بطريقة خاصة، ربما هي السطو على تلفونه الشخصي أو حاسوبه.


القانون السويدي يخول وسائل الإعلام بان تصون وتخفي مصادرها للمعلومات

الأكثر ان دعوة قضائية رفعت على عضوي البرلمان المقالين بتهمة إهانة مكون اجتماعي، هم الأجانب، بدوافع عنصرية. بعد أسبوعين على هذه الفضيحة والنكسة سحبت عضوية عضو ثالث بعدما أهان بألفاظ وسلوك عنصريين بذيئين حارسا في مبنى البرلمان من أصول أجنبية. خسر هذا الحزب كثيرا في غضون أسبوعين.

والفت الانتباه إلى ان الإجراءات التي اتخذها هذا الحزب بحق أعضائه المسيئين لم تكن برغبته ولحسن سلوكه ونواياه، فهؤلاء الأعضاء يمثلون بسلوكهم عقلية هذا الحزب وتوجهاته، وإنما لان القانون والعرف السياسي والديمقراطي في السويد يفرض مثل هكذا إجراءات ردعية.

ورغم هذه الفضائح المتتالية إلا ان المفاجئ في الأمر هو ان الحزب النازي المذكور مازال يحقق صعودا في نسب التصويت التي تجريها مؤسسات قياس الرأي العام بين حين وآخر. ففي شهر نوفمبر الماضي حقق الحزب أعلى نسبة له (8,4%) وغدا ثالث اكبر حزب في البرلمان بعد الحزبين الكبيرين (الديمقراطي الاشتراكي، والمحافظون (موديرات).

حالة تثير أسئلة كثيرة

ماهو سر هذا الصعود؟ ربما نجد بعض الأسباب في إجابة سوران إسماعيل، الفنان الكوميدي الذي ظهر في هذا الفيلم وهو يتعرض للإهانة من قياديي الحزب النازي، حيث قال في تعليقه على ماجرى. وانقله هنا بتصرف.

ان الحدث الذي وقع، وان سلوك هذين القياديين ليس سوى عَرَض من أعراض مرض في طريقه لان ينتشر في المجتمع السويدي. فماقام به هذان وغيرهما من أعضاء هذا الحزب ومن العنصريين الآخرين ليس سوى حالة جزئية تعكس حالة اعم واشمل ومسكوت عنها تتعلق بميل المجتمع السويدي المتنامي نحو العنصرية، وبإشاعة وتسيد مفاهيم تقيد المواطنة بالعرق.

ثمة تساؤل: كم سنة يعيش المرء في السويد ليكون سويديا؟ يُذكر ان القيادي النازي الذي ظهر في الفيلم قد تعرض لسوران بالقول: ماذا تفعل هنا، هذه بلادي وليس لك مكان فيها. هذا الحزب لم يبن رصيده السياسي المتحقق، وباعتراف زعيمه نفسه، على أي برنامج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وإنما بناه على أساس كراهيته للأجانب، والمسلمين بصورة خاصة، وأيضا على أخطاء الأحزاب الأخرى.

ما يلفت النظر بهذا الصدد ان شعبية أحزاب أخرى هي في انخفاض متواصل مثل حزب اليسار، وهو ضمن ائتلاف المعارضة، وحزبي المسيحي الديمقراطي، والوسط، وهما من أحزاب الائتلاف الحكومي. والأول قد انخفضت شعبيته للحد الذي يحرمه من دخول البرلمان. وهذا الواقع يعكس، برأيي، ميلا واسعا في المجتمع السويدي للجنوح نحو اليمين رغم تصاعد حظوظ الحزب الاشتراكي الديمقراطي التي جاءت، بتقديري، على أساس البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي يحمله، إضافة إلى سمعته الكبيرة وارثه التاريخي. وهذا لايحمل، بتصوري، أية دلالة ثقافية، فقد يقبل الفرد السويدي على المستوى الاقتصادي والسياسي برنامجا ذا طابع اشتراكي ديمقراطي، ولكنه يميل ثقافيا وأيدلوجيا باتجاه يميني مشوب بنزعة عنصرية.

قد يعثر من يبحث عن أسباب هذا الميل نحو اليمين الذي يكاد ينتشر في كل أوربا وليس السويد وحدها على ضالته في التحليل الكلاسيكي الذي يقول ان الأحزاب اليمينية والنازية تنتعش في فترات الأزمة الاقتصادية. ولكن هذا وحده لايكفي لتفسير الحالة. فالأزمات الاقتصادية دورية ومتكررة فضلا عن ان العنصرية تنتشر في مجتمعات وبلدان ليس فيها أزمات، أو ان استمرارية النزعة العنصرية فيها لاتترتبط بالأزمة الاقتصادية مباشرة.

فقد عاشت العنصرية في امريكا، على سبيل المثال، قرونا مع ان الوضع الاقتصادي كان متحركا بين الركود والازدهار. وقد يأتي من يرى ان سلوك الأجانب وممارساتهم هي التي تحفز هذا المزاج العنصري، لكن هذا التحليل والتأويل يحصر الأسباب بردود الأفعال، وردود الأفعال لايمكنها ان تقرر وحدها ميلا اجتماعيا يغذ السير لان يكون ميلا عاما. فضلا عن ان بعض الشواهد التاريخية تقلل من شان هذا التصور، فعلى سبيل المثال صعد حزب يميني عنصري في السويد( الديمقراطيون الجدد) ودخل البرلمان عام 1992 وبنفس الدعاوى. فهل كانت أوضاع الأجانب حينذاك مثلما هي عليه الآن؟ الم يكن الحال مختلفا؟ بالتأكيد. فقد كان عدد الأجانب اقل ونوعياتهم مختلفة وبالتالي مشاكلهم اقل، ولكن ذلك لم يمنع العنصرية من الظهور. وقد انتعشت الحركات النازية والعنصرية في الثلاثينات من القرن الماضي، في السويد وأوربا، تساوقا مع صعود النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا، ولم يكن هناك أجانب في القارة كلها. كان حينها اليهود والغجر هم الهدف. إذن، دائما هناك هدف معين، أقلية معينة تتعكز على وضعها الأحزاب العنصرية لتمارس عنصريتها واستعلائها عليها.

أين يكمن السبب إذن؟

هل هو ثاو في جذور العقلية المركز – أوربية التي وجدت تجسيدا مراوغا لها هذه المرة في نظرة الأحزاب العنصرية إلى الآخر؟ هل يعود إلى سليقة الناس أو فطرتها التي تميل إلى الشر والكراهية والخصومة مالم يلحق بها تهذيب وعقلنة، والتي وجدت محفزا لغرائزها هذه في الدعاية الرخيصة المضللة التي ينشرها العنصريون؟ هل هو غضب على الذات وجد له موضوعا وهميا ومتنفسا في مشكلة وجود الأجانب؟

أم انه عرض طارئ ينعش بعده العقل الأوربي نفسه ويعيد الحيوية لها ويخطو خطوة يتجاوز بها ذاته؟

في الحقيقة أنا أدعو بتساؤلاتي هذه إلى تقصي الدوافع والخلفيات العميقة وراء مثل هذه الحركات والتوجهات حينما تسود في مجتمع ما. وبظني ان العنصرية هي على المستوى العام عقلية (ذهنية)، تبحث عن محركات ومحرضات لها لتبرز إلى السطح، وهي على المستوى الفردي ربما تكون حالة إحباط ونكوص يدفع إلى كراهية الآخر، ولكي لايتجرد هذا الآخر من أية ملامح، ويصبح مطلقا، فيجب ان يؤطر وتحدد هويته بذلك المختلف ثقافيا وعرقيا.

أتساءل: لو أزحنا الأجانب من السويد ألا يعثر العنصريون على سبب آخر لتطرفهم ويرمون عليه سخطهم. هذا، بظني، أمر مؤكد، لان العنصرية تتحرك بدوافع خاصة بها، وعلينا ان لاتنسى بهذا الصدد ان العنصرية هي نتاج عقل ارستقراطي يؤمن بنقاء الدم وتراتبية البشر وسمو بعضهم وانحطاط بعضهم الأخر.
لهذا أقول ان التحليلات التقليدية بإحالة الظاهرة إلى أسباب اقتصادية وسياسية بحتة لم تعد تكفي، بتقديري، لرصد جوهر المشكلة هذا فضلا عن عدم جدوى البحث عنها في مناطق معتمة كوجود الغرباء. المشكلة تكمن في بنية المجتمع العقلية. فهناك تنشا الأفكار.
للتعليق على الموضوع، يرجى النقر على ” تعليق جديد ” في الاسفل، والانتظار حتى يتم النشر في نفس اليوم.
Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2025.
cookies icon