تعقيدات “تحامل” اللاجئين على بعضهم البعض ..!!

: 1/28/20, 12:07 PM
Updated: 1/28/20, 12:07 PM
تعقيدات “تحامل” اللاجئين على بعضهم البعض ..!!

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات الرأي: “بيكفي يجيبولنا لاجئين، خلص، سكّرنا..!”

هذه العبارة
قالها لي لاجئٌ خمسيني، كان قد مضى على إقامته بالسويد أقل من شهر على ما أذكر، في
معرض حديثه لي عن كثافة قدوم لاجئين جدد للبلاد، وتأثير ذلك على مختلف نواحي
الحياة المعيشية بالنسبة له.

قد نستطيع القول
في محاولتنا لفهم دافع هذا الرجل -البسيط-، المعادي لقدوم آخرين عانوا ما عاناه في
حياته السابقة من قهر وإذلال، ثم تعريض حياته وحياة عائلته للموت في سبيل الوصول
لمحطة الأمان هذه، أنه الخوف، أو الدفاع عن النفس، الخوف من تدهور الأوضاع في
البلد المضيف على أي صعيدٍ كان، وهو شعورٌ نابعٌ من قناعته بأنه ينتمي لتلك الحلقة
الأضعف في هذا المجتمع، والذي ستدفع أثماناً مضاعفة فيما لو نحت الأمور على نحوٍ
سيء، نتيجة أزماتٍ اقتصاديةٍ، أو تراجع توافر فرص العمل والسكن والمساعدات وغيرها،
أو تنامي خطاب اليمين المتطرف الذي يهدد استقراره كل حين، إذ لا يرغب الكثيرون بأن
تكون حياتهم موضع تهديدٍ من جديد.

ومن جهة أخرى، فإن القوة، القدرة على الاضطهاد، السيطرة، التحكم
بالأقدار وتصاريف الحياة، سماتٌ يفتقر لها تماماً من عاشوا حياتهم بظل الاضطهاد
والعسف، هم كانوا لا يمتلكون اتخاذ قرار حاسم بحياتهم ومستقبلهم، ممنوعون من
التعبير والتفكير، معاقبون بشكل مستمر.

وبذات الوقت، يعتقدون أن كل نائبة تصيبهم إنما هي ابتلاءٌ أو قدرٌ أعمى، كتبريرٍ لعجزهم عن مواجهة من اضطهدهم وكان سبب مصائبهم وبلاءاتهم المزمنة تلك، والتي كان يبدو الاستمرار بالحياة معها أمراً مستحيلاً، دون أن يكون هنالك من متنفس لكل ذلك الغضب والقهر الداخلي.

التنفيس من خلال تفريغ شحنات العنف والقهر

ذلك المتنفس غالباً ما يكون
بمحاولات تفريغ شحنات العنف والقهر المتولد بدواخلهم، والتستر على العار الذي لحق
بهم وترك أثره عميقاً في ذواتهم، تجاه الفئات الأكثر ضعفاً، ابتداءً من المرأة
مروراً بالأطفال، أو الموظفين بالشركة، وانتقالاً للشرائح المهددة والمستضعفة
بالمجتمع، وهم غالباً اللاجئين الآخرين أنفسهم أو المقيمين والمواطنين من أصول
مهاجرة.

فلا عجب أن نرى ونتابع في أوروبا عموماً، ما لا يحصى من حالات تعنيف
النساء وقهرهن في أوساط المنحدرين من أصول مهاجرة، ولا عجب أن سياسة العقاب
بالضرب، والاضطهاد للأبناء والمحاولات الحثيثة للتحكم بمصائرهم ومستقبلهم، وميولهم،
أيضاً تكاد تكون منحصرة في هذه الفئة، كما أننا نتابع ونعايش ظروفاً أقرب للعبودية
يفرضها أصحاب الشركات -والتي تكون غالباً مملوكة لمواطنين أو مقيمين من أصول
مهاجرة- التي تستجلب بعقود عملٍ مؤقتةٍ،
موظفين من خارج اوروبا، بأمل أن يحصل أصحابها على إقاماتٍ دائمةٍ فيها تؤهلهم
لحياةٍ مستقرة، ولا
عجب أيضاً أن نرى أن الأحزاب اليمينية في أوروبا ذاتها، تحصد
نسباً تكاد -أحياناً- أن تكون صادمةً من أصوات المنحدرين من أصول المهاجرين
واللاجئين أنفسهم.

وكمثالٍ آخر،
ربما تابعنا جميعاً حادثة اعتداء شابٍ متحولٍ جنسياً، لم يمض على إقامته بألمانيا
بضع سنوات، على امرأةٍ محجبةٍ بأحد الشوارع في ألمانيا، الأمر الذي يجعلنا نتساءل:
لماذا لم يهاجم ذلك الشاب المتحول جنسياً، رجلاً من أصول مهاجرة؟ أو امرأة غير
محجبة، لماذا لم يقم مثلاً بإبداء أي سلوك احتجاجي آخر، على من يمارسون بحقه العنف
اللفظي والجسدي بسبب ميوله الجنسية المختلفة، لماذا لم يهاجم شخصاً يمينياً، على
اعتبار اليمين يرفض بحزم هذه الميول الجنسية؟ لماذا هاجم وبشكل حصري امرأة محجبة؟

يمكننا القول
لأنها تنتمي لأكثر شريحةٍ مضطهدةٍ اليوم في أوروبا كلها، لأنها تشكل أضعف حلقة من
حلقات المجتمعات الأوروبية، فهي لاجئة، من أصول غير أوروبية، ومسلمة، ومحجبة،
بالوقت ذاته، إذا فهي من المكن أن تكون مضطهدة في عائلتها ربما من قبل زوجها، أو حتى
من ابنها الأكبر، ومن مؤسستها الدينية التي تعتبرها عورة، كما تعتبرها غير مؤهلة
لتكون ولية أمر نفسها، وإنما يجب أن يكون لها ولي أمر على الدوام “الأب،
الزوج، العم، الجد…”، وهي مضطهدة من أحزاب اليمين، ومن كل من بات يعتقد
-وهم كثر للأسف- أنها باتت ترمز لعالم متخلف، فلهذا السبب حصراً كانت هذه المرأة
المتنفس الوحيد الذي يستطيع ذلك الشاب من خلالها تفريغ مكنون الغضب والعسف والحيف
الممارس بحقه، كونه غير قادر على من هم بالفعل سبب قمعه وأقرانه واضطهادهم وهدر
انسانيتهم.

حنيف بالي وتفريغ الشحنات ..!

في حالة حنيف بالي -مثلاً- وهو البرلماني السويدي عن حزب المحافظين
والملقب ب”ترامب السويد”، لفرط عنصريته، وعدائه للمهاجرين والأجانب، لا
يحاول الرجل هو وأمثاله أن يفرغ شحنات غضبه وقهره الموروثة تجاه شريحةٍ هو ينتمي
لها بالأصل من المجتمع السويدي فقط، وإنما يحاول التماهي تماماً مع صفات المتمع
بالسيطرة والقوة والنرجسية، القادر على إحلال العقاب بالناس، المتحكم بمصائرهم،
وهو الأمر الذي لن يبدوا مستغرباً عندما نعلم أن حنيف بالي ينحدر من أصولٍ إيرانية
كردية، فهو إذاً ينحدر من شريحةٍ اجتماعية مضطهدةٍ ومقهورةٍ بأضعاف مضاعفة عن باقي
الشرائح المقهورة كلها على أية حال في الشرق الأوسط.

هو يريد أن يُظهِر بسلوكه وخطابه وبمنطقٍ علوي، أنه لا ينتمي لتلك
الجماعة، أنه حاقدٌ على تراثها -المتخلف-، يكره لغتها وثقافتها، يكره وجودها الذي
يشعره بالعار والذل القابع في أعماق نفسه، يريد أن يقول أنه ممسك بزمام أمره، قادرٌ
على فرض السيطرة، والتحكم بالمصير، وأنه صانع لقدره، لا عرضة لأهواء أقدار الآخرين.

وهو كلما قام بسلوكٍ أو تصريحٍ عنصريٍ، أو متطرفٍ يمكن أن يؤدى لزيادة
رقعة “تداوله” إعلامياً، ولو بشكلٍ سلبي، كلما شعر بالرضى أكثر، كلما
شعر أنه مهمٌ أكثر، وهو الذي يعيش ليقنع نفسه بذلك.

من جهة أخرى،
وعندما نتابع العديد من الجمعيات والمنظمات، الدينية والثقافية، التي يقيمها من
ينحدرون من أصول مهاجرة، نلاحظ بوضوح أنّ ممارسة الطقوس والعادات والتقاليد، في
بلدان المهجر فاقعةً أكثر بكثير مما كانت عليه بالواقع، وذلك للحاجة الملحة للحفاظ
على “الهوية”، التي تجعل من أبناء اللاجئين والمهاجرين كتلة متمايزة و
أقرب لأن تبدوا واحدة، في مواجهة مجتمع يسوده الآخر، ولا بد من اتخاذ كل التدابير
لمنع التأثر به، خوفاً من ضياع سيطرتهم ووصايتهم التي يجهدون في ممارستها ثقافياً وأيديولوجيا،
على ذات الشريحة التي ينحدرون منها.

تجد هذه الفئة صعوبةً
بالغةً بالتواصل الإيجابي مع المجتمع الجديد، ناتجةٌ عن صعوبةٍ بالغةٍ في تفهُّم
قيمه وثقافته والتي أصبحت شيئاً فشيئاً منغلقةً تجاهه، ترفض التأثر به، وتسعى
للتأثير فيه بكل السبل، لدرجة أنها تسعى لفرض وصايتها عليه، إذ يحمل من ينتمون
لهذه الشريحة بالأساس نظرة عدائية تجاه هذه المجتمعات الجديدة، رسختها نظم
الاستبداد في دول المنشأ، مبنيةٌ على ثقافةٍ زائفةٍ في بلدانها الأصلية، مفادها أن
هذه المجتمعات التي كانت ولا تزال تستعمرنا وتنهب ثرواتنا وخيراتنا، لاستعبادنا،
وتمعن في حربنا ومحاربة ديننا، وغير ذلك من المسوغات التي تحاول جميعها التهرب من
الأسباب الأصلية لكل أشكال معاناتها وقهرها، وهو الحاكم المستبد الذي عمّم ذلك
الوعي الزائف، بالتواطئ مع المؤسسة الدينية، لينصرف الناس الغير قادرين أصلاً على
مواجهته ونيل حقوقهم منه، للبحث عن أي أسباب أخرى، لمعاناتهم وجعلها طواحين هواء
يرفضونها و يصارعونها طيلة حياتهم.

محمد
قنطار

مقالات الرأي تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الكومبس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon