المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: نشرت جريدتكم بتاريخ 30 سبتمبر، خبر اقتحام السفارة المغربية باستوكهولم، من طرف شخص مسلح بسكين، والذي قام بعد ذلك بتعليق علم الأمازيغ وعلم المثليين على نافذة السفارة.
وقد ورد في خبركم الفقرة التالية: “وتواجه المملكة المغربية ما تعرف ب”قضية الأمازيغ” حيث تطالب أقلية الأمازيغ بالاعتراف بحقوقها كأقلية أصلية في البلاد، بينما ترى السلطات المغربية أن الاعتراف بالاختلافات الثقافية والعرقية يشكل قلقاً أمنياً، ويسعى عدد من ممثلي الأمازيغ إلى تدويل قضيتهم”.
وقد تضمنت هذه الفقرة مجموعة من المعطيات الخاطئة أو غير الدقيقة، أود في هذا التوضيح أن أتطرق لمجموعة منها لتوضيحها وتدقيقها، بصفتي معنياً بالأمر كمغربي، متمنياً أن تمكنوا قراءكم من الاطلاع عليها، في إطار نشر المعلومة الصحيحة، ورفع الوعي، والذي هو أحد أدوار الصحافة، والذي تقوم به جريدتكم الغراء على أكثر من مستوى.
بداية لا يتسع المجال للتعريف بمصطلح الأمازيغ، وسرد المعلومات التاريخية بخصوصهم، والإشارة للدراسات المختلفة التي تناولتهم علمياً وتاريخياً وسوسيولوجياً… لذلك سأدخل في ما تعرضتم له مباشرة، وسأحاول الاختصار قدر الإمكان.
إن الأمازيغ ليسوا أقلية في المغرب، فهم من ناحية الأقدمية، هم السكان الأقدمون والأصليون، كما ذكرتم في خبركم المنشور، يشهد على ذلك التاريخ والأركيولوجيا والواقع.
ومن ناحية الخريطة الجينية، فإن السكان الأصليين يكتسحون المغرب بنسبة 99.9 بالمئة بحسب دراسة علمية أنجزتها مؤسسة ناسيونالجيوغرافيك، سنة 2000. وجينات السكان الأصليين ودماؤهم، هي التي تجري في كل سكان المغرب اليوم، إلا نسبة مهملة لا تكاد تذكر، من الوافدين الذين ذابوا وأصبح من الصعب تمييزهم.
ومن ناحية الخريطة الجغرافية، فإن مساحة جغرافيا الناطقين بالأمازيغية تتجاوز 60 بالمئة، من مساحة المغرب المأهولة بالسكان بكثافة.
أما من ناحية الخريطة اللغوية، فإن الناطقين بالأمازيغية من الذين سلموا من التعريب الممنهج بعد الاستقلال، عبر برامج التعليم والإعلام… يشكلون نسبة مهمة جداً، وهي على اختلاف تقديراتها، لا تشير إلى أنهم أقلية. بحيث تجعلهم دائرة المعارف الإسلامية 60 بالمئة، وترفعهم الحركة الأمازيغية إلى 65 بالمئة، وكان إحصاء رسمي قبل عشر سنوات، نشر أن عدد الناطقين بالأمازيغية حوالي 30 بالمئة، وهو الإحصاء الذي تعرض لانتقادات شديدة، بسبب معاييره غير الدقيقة، وبسبب تجاهله منطقة الأطلس التي تشكل لوحدها ما يقارب 30 بالمئة من الناطقين بالأمازيغية. ورغم كل هذه الاختلالات التي شابت الإحصاء، فإن نسبة 30 بالمئة، التي استحوذت عليها الأمازيغية، من بين مجموعة من اللهجات والدارجات المغربية الأخرى، يؤكد أن الناطقين بالأمازيغية ليسوا أقلية، أخذاً بعين الاعتبار أن غير الناطقين بالأمازيغية هم أيضاً من أصول أمازيغية، وحتى الدارجة المغربية، هي لهجة مكونة من خليط من اللغات، لكن بقواعد أمازيغية.
ثقافياً أيضاً، فإن الثقافة السائدة في المغرب، والأعراف والتقاليد والعادات، من لباس وطبخ وتقنيات الزراعة والبناء وحفظ المحاصيل وإيقاعات وأهازيج وأمثال شعبية وفنون واحتفالات وطقوس وصيغة قراءة القرآن… إما أمازيغية أو تم تمزيغها.
أما سياسياً فإن الأمازيغ أقاموا كيانات قبل دخول العرب والمسلمين للمغرب، وكانت هذه الكيانات، إما مستقلة استقلالاً تاماً، أو تابعة لإمبراطورية من الإمبراطوريات، واستمر الأمر بعد دخول العرب المسلمين للمغرب، فأقام الأمازيغ دولاً إسلامية أمازيغية خالصة، بل إمبراطوريات، كإمبراطورية الموحدين والمرابطين.
وبعد الاستقلال، وقيام الدولة الوطنية الحديثة، وبعد سياسة التعريب الممنهج التي تلت هذه المرحلة، لم يغب الأمازيغ الناطقون بالأمازيغية، عن المواقع والمناصب السياسية، آخرهم رئيس الحكومة الحالي “أخنوش”، رغم أن باقي الوزراء والمسؤولين غير الناطقين بالأمازيغية، هم أمازيغ أيضاً جينياً وثقافياً وهوياتياً وجغرافياً وتاريخياً.
الأمازيغ إذن بحسب كل ما تقدم، ليسوا أقلية.
فهل المملكة المغربية تواجه القضية الأمازيغية، كما جاء في خبركم المنشور؟
إذا كان المقصود بالمواجهة، معناها التصادمي، بحيث يكون هناك صدام وصراع ومواجهة من طرف السلطات المغربية، فإن هذا غير موجود نهائياً على الأقل حالياً، أما القمع الذي تعرض له النشطاء الأمازيغ، والمواجهات بينهم وبين نظام العهد القديم، فقد كانت السلطات وضعت له حداً، نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، وهو سياق مشتعل ومتوتر، لم يكن يعني الأمازيغ لوحدهم، بل أيضاً القوميون العرب واليساريون والإسلاميون… في إطار الصراع الذي طبع تلك المرحلة.
على أن الصراع الحقيقي بعد هذه المرحلة، لم يكن مع النظام، بل كان مع الحركة الإسلامية، التي كانت ضد أي اعتراف بالهوية الأمازيغية، وأي حق من حقوقها، ما دفع جزءاً من الحركة الأمازيغية إلى تبني العلمانية والمطالبة بها، كردة فعل على موقف التيار الإسلامي.
أما إذا كان المقصود بالمواجهة، التحديات والصعوبات المطروحة لمعالجة هذا الملف، فإن المغرب تجاوز هذه المرحلة، وهذا يقودنا لما جاء في خبركم، من أن السلطات المغربية ترفض الاعتراف بالأمازيغ، لأن ذلك يشكل قلقاً أمنياً.
في الواقع الأمازيغ في المغرب لا يحتاجون إلى اعتراف، لأنهم يعيشون في بلادهم، والأمازيغ هم الشعب المغربي، ولن يطلب شعب من أحد الاعتراف به.
أما الاعتراف بالحقوق والاختلافات الثقافية والهوية واللغة الأمازيغية، فإن هذا انتهينا منه في المغرب، عبر مسار طويل، تم تدشينه قبل ثلاثين سنة، في خطاب للملك الراحل الحسن الثاني في صيف 1994، دعا فيه لتعليم اللغة الأمازيغية.
وفي سنة 1998 أقرت الحكومة المغربية، بتعدد الهوية المغربية، واعترفت بالهوية الأمازيغية كمكون رئيسي ومركزي في هذه الهوية.
وفي أكتوبر 2001 أعلن الملك الجديد محمد السادس، في خطاب له، عن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبعد ذلك تم اختيار حرف “تيفيناغ” كحرف موحد للغة الأمازيغية، وتم إدماجها في المنظومة التعليمية، وتخصيص نشرة إخبارية بالأمازيغية في القناة التلفزية الرسمية، ثم في مرحلة لاحقة، تم إنشاء قناة تلفزيونية أمازيغية رسمية، وهكذا تم إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام ومجالات أخرى، قبل أزيد من عشرين سنة.
ومما جاء في ذلك الخطاب “ولأن الأمازيغية مكوّن أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر، شاهد على حضورها في كلّ معالم التاريخ والحضارة المغربية، فإننا نولي النهوض بها عناية خاصة في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية… إن النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية، لأنه لا يمكن لأي ثقافة وطنية التنكر لجذورها التاريخية…”.
بعد عشر سنوات من هذا الخطاب، سيأتي ترسيم الأمازيغية، في دستور 2011، واعتبارها لغة رسمية في المغرب، فقد نصَّ الفصل الخامس من الدستور الجديد على أن “الأمازيغية أيضاً لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء”.
في أكتوبر 2015، تم تعيين لجنة ملكية تولت مهمة صياغة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية من أجل حماية وتطوير الأمازيغية والعربية وباقي أشكال التعبير الثقافي المغربي.
وفي سبتمبر 2019، صدر قانون تنظيمي يتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجالات الحياة العامة.
وفي مايو 2023 أقر الملك رأس السنة الأمازيغية كعطلة رسمية مدفوعة الأجر، على غرار رأس السنة الميلادية ورأس السنة الهجرية، وقد احتفل المغاربة لأول مرة بشكل رسمي برأس السنة الأمازيغية يوم 14 يناير 2024.
الحكومة الحالية ومنذ تنصيبها، وتفاعلاً مع كل هذه القوانين والقرارات الملكية، قامت بإحداث صندوق من أجل تمويل مشروع تفعيل الأمازيغية في الحياة العامة، كتوفير خدمة الاستقبال باللغة الأمازيغية في مجموعة من الإدارات العمومية، وإدراج اللغة الأمازيغية في اللوحات وعلامات التسوير بمقرات الإدارات والمؤسسات العمومية، وتوفير خدمة الاستقبال الهاتفي باللغة الأمازيغية في القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية… وغيرها من المشاريع والإجراءات المتعلقة بالإدارة والخدمات العمومية، والرعاية الصحية والتعليم والعدل والثقافة والإعلام ووسائل النقل والمواقع الإلكترونية. وهكذا تم تخصيص 200 مليون درهم سنة 2022 لهذا المشروع الوطني، تم رفعه سنة 2023 إلى 300 مليون درهم، وسيتم رفعه إلى مليار درهم بحلول 2025.
إن كل ما ذكرنا، يؤكد أولاً أن الأمازيغ ليسوا أقلية، وأن السلطات المغربية لا تواجه الأمازيغ أو تتصادم معهم، أو ترفض حقوقهم ومطالبهم، وأن الأمازيغ فيهم ناطقون بالأمازيغية وهم ليسوا أقلية، ومنهم رئيس الحكومة الحالي، وفيهم غير الناطقين بالأمازيغية، وهم يعتزون بالثقافة والهوية والأصول الأمازيغية، ويدافعون عنها، كما أنه لا يوجد من يسعى لتدويل القضية كما ورد في خبركم، وإنما كل الأنشطة الدولية، غرضها التعريف بالثقافة الأمازيغية في العالم، وإعادة الاعتبار لها بعد سنوات من التهميش، وليس تدويل القضية حقوقياً أو سياسيا، لأن السلطات المغربية نفسها منخرطة في هذا المشروع عن وعي واختيار، ولا تحتاج القضية لأي دعم أو تدخل خارجي.
مصطفى الحسناوي
صحفي وكاتب مغربي مقيم في السويد