ثقب برميل النفط!

: 10/18/17, 2:32 PM
Updated: 10/18/17, 2:32 PM
رسم/ خالد الهاشمي
رسم/ خالد الهاشمي

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات الرأي: من بين الأمور المستمرة التي تشكو منها والدتي، بين الحين والآخر عند حديثي إليها بالهاتف، هو ثقب في برميل النفط الذي لديها في المنزل! إذ وبنظرها يُعّد ذلك أكبر من مشكلة ثقب الأوزون ما دام تأثير الأخير المباشر بعيداً عنها.

لا زالت والدتي تعيش في العراق المبتلى بأوجاعه ومصائبه، ومن حسن حظها أنها غير ملمة بشكل كبير بالأحداث التي يعيشها البلد، الا الخطوط العامة منها، فالطاقة التي يتطلبها منها السعي لتحقيق حاجياتها المعيشية اليومية، كمعاشها التقاعدي الذي تعتاش منه والذي لم تحصل عليه منذ أشهر عدة وزياراتها المستمرة لعيادات الأطباء التي تحولت الى مراكز للربح التجاري وإنهيار خدمات البنى التحتية لا تمهلها متنفساً للتفرغ والتمعن بأمور أخرى.

لم يفرغ العراق من مصائبه! ولم يعيش المواطن العراقي أوقات هنية مطلقاً. والهناء الذي قد يحلو للبعض وصف الفترة التي عاشوا فيها بالعراق خلال العقود السابقة لم يكن غير قمع وإضطهاد وخنق لأنفاس الكثيرين.

قضية ثقب برميل النفط هذا ترن في أذني منذ أن كنت طفلة في السنوات الأولى من عمري. ولم يكن ذلك غير خيط بسيط ضمن شبكة خيوط متداخلة من المعوقات الحياتية اليومية التي واجهها ولا يزال المواطن العراقي يواجهها، ما أن يفلح المرء بسحب طرف خيط من الشبكة حتى يتداخل طرفه الثاني من جديد في الكومة.

ترفض كومة الخيط أن تنفك من بعضها، وكيف ستنفك إذا كانت البلاد تعيش أزمة تلو الأزمة وقادتها لا يعرفون غير ترحيل الأزمات حلاً لها. ليس غير العراقيين من يدفع الثمن! سابقاً والآن ولا نعرف الى متى!

أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية. تشدد خناقها على العراقيين، الذي ضاقوا ذرعاً بالحال الذي يعيشونه. منذ عقود وهم يخزنون المؤون في منازلهم خوفاً من المجهول الذي قد يلاحقهم. حرب تلو أخرى، حتى أن التحشيد للحرب أصبح أسهل من الدعوة لحضور حفلة عامة، ربما نظراً لغياب مؤسسات الفكر الحر والإستقطاب الذي يحدث على أساس الولاء الديني والسياسي وليس على أساس معرفة الخطأ من الصواب! وتلك هي الكارثة!

البلد ينزف عقوله! والمفكرين فيه باتوا محصورين ومشغولين بتوفير كفاف اليوم من الخبز والحرية.

المشكلة ليست في ثقب برميل النفط ياأمي، بل في الأجيال التي نشأت على ثقافة العنف والحرب والدمار. أجيال لم يمهلها الزمن، والأصح لم تمهلها ظروف البلاد الفرصة في تنمية أفكارها بالشكل الإنساني الذي تُبنى عليه المجتمعات المتمدنة، وباتت شريعة الغاب هي المتحكمة، البقاء للأقوى، فالأصلح حزم حقيبته في إنتظار أن يسعفه قطار الزمن وأن وصل متأخراً.

ياليت المشكلة في ثقب برميل النفط، كنا حينها قد لحمناه وأودعناه متحف الذكريات وأوصدنا عليه الباب بإحكام كي لا يعود مجدداً، فنرتاح نحن ويرتاح هو.

المشكلة أن العراق بأجمعه أصبح أشبه بالبرميل الكبير الذي بين الحين والآخر ينزف شعبه من أحد الجوانب. يضيق الخناق عليهم كأنهم محكومين بالمعاناة. يضغط من جانب فينفجر ثقب من الجانب الآخر وتولد عقبة جديدة. وكالعادة لا تحل إلا بتطيب الخواطر وتضميد الجرح بضماد تالف عاف عنه الزمن سرعان ما ينفتق من جديد ويظهر إحتقاناً مزمناً في الجرح الذي كان بسيطاً يوماً ما.

فضائح اتفاقات سياسية المفروض أنها دستورية لا يُكشف عنها الا في أوقات الأزمات، عندما تضيق تلك الاتفاقات على مصالح أصحابها ولا تعود مناسبة لأطماعهم أو عندما يتم غض النظر عن موبقات طرف من أجل تحقيق مصالح طرف آخر.

ياليت أمي تدرك أن المشكلة ليست في برميل النفط، الذي يُستهلك منذ عقود طويلة ومن الطبيعي أن يُستهلك وينتهي عمره وأن يناله النخر من كل الجوانب، المشكلة ياأمي في النفط نفسه!

لينا سياوش

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.