المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
من المعيب والمخجل أن يتم قتل النساء بالاستناد على روايات أسطورية
قامت منظمات المجتمع المدني العراقية في الأسابيع الماضية بتقديم طعن قانوني في المادة القانونية التي تنص على العقاب المخفف لمرتكبي جرائم غسل العار، إذ تنص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي على: “يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته، أو أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا، أو وجودها في فراش واحد مع شريكها، فقتلهما في الحال، أو قتل أحدهما، أو اعتدى عليهما، أو على أحدهما، اعتداء أفضى إلى الموت، أو الى عاهة مستديمة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده أحكام الظروف المشددة”.
هذه المادة تم استغلالها في السنوات الماضية بطريقة مقيتة ومثيرة للاشمئزاز، إذ اعتاد الجاني على قتل محارمه لأي سبب كان، ومن ضمنها محاولته أخذ إرث اخته ثم يلجأ الى الطعن بنزاهة الضحية لمجرد الحصول على العفو أو العقوبة المخففة، في حين يعاقب المرأة بالإعدام إذا قتلت زوجها مع عشيقته داخل بيت الزوجية!
نص القانون الذي يخول الجاني باستخدام عنصر المفاجأة والقتل لا يطلب من الجاني أي دليل ملموس بل يكتفي القاتل باستخدام عذر “المفاجأة”.
ترفض السلطة التشريعية في العراق إلغاء هذه المادة القانونية منذ سنوات، رغم كون هذه المادة مقتبسة من القانون الإيطالي من زمن العصور الوسطى وكان يسمى “قانون العائلة” إذ كان يعطي حق “الجنون المؤقت” للرجل إذا وجد زوجته مع رجل آخر، وبعد قرون طويلة جاء المشرع العراقي لاقتباس نصوص قانونية لا سند لها ضمن الدين الإسلامي فقط لأنها قاهرة وقاتلة للمرأة العراقية.
وعلى ذكر الدين الإسلامي، يتداول المجتمع العراقي معلومات أن الزوجة الزانية في الدين الإسلامي عقابها القتل، بمراجعة القرآن وكتب الفقه والمقارنة بينهما نجد أن القرآن الكريم أعطى حكم الملاعنة بين الزوج والزوجة وهو كما مذكور في سورة النور أن يشهد الزوج في المحكمة ضد زوجته ويعطي حق الزوجة بالشهادة والدفاع عن نفسها، وفي حالة شهادة المرأة أنها لم تقم بأي فعل فاحش (يدرأ عنها العذاب) ولا يجوز لأحد المساس بها.
وبتتبع قصة الرجم وقتل الزوجة الزانية نجدها مذكورة في صحيح البخاري في قصة الشيخ والشيخة حيث ذكر:
والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم».[3][4]الأحزاب . وهي بحسب البخاري آية محذوفة من القرآن لأن هناك داجن قد أكلها، لكن حكمها باقي!
لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ ، وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرٌ ، فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي، فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ، وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا.
رواه الإمام أحمد في “المسند” (43/343)، وابن ماجة في “السنن” (رقم/1944) ولفظه: (فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا).
مع كون القصة مثيرة للسخرية لكن نكتفي بتسليط الضوء على الخطأ اللغوي في هذه الآية إذ إن مؤنث كلمة الشيخ في اللغة العربية هو العجوز وليس الشيخة كما ذكر في سورة هود من القرآن الكريم :
قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) هود
من المعيب والمخجل أنه وفي سنة 2022 يتم قتل النساء باسم الدين الإسلامي فقط بالاستناد على روايات أسطورية في كتب موروثة تحتوي على أخطاء لغوية!
يقول الدستور العراقي في ثاني مادة دستورية أنه لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الدين الإسلامي، فهل يا ترى ثوابت الدين الإسلامي هي نصوص القرآن؟ أم تتجاوز القرآن لتشمل جميع كتب الفقه والفتاوى واجتهادات رجال الدين بما يتنافى تماماً مع تعاليم القرآن؟
للدقة التاريخية فإن أقدم نسخة من كتاب البخاري موجودة حالياً في جامعة برمنجهام ويعود عمرها إلى القرن الرابع الهجري وتتكون من 53 صفحة فقط! أي أن اقدم نسخة عن هذا الكتاب هي ليست أصلية وظهرت بعد 200 سنة عن وفاة البخاري نفسه وهي غير مكتملة! يا ترى من الذي قام بإكمال هذه الكتب وفي أية سنة؟
نص قانون العقوبات العراقي المادة 409 هو ليس إلا استمرار لعادات وتقاليد البادية وشبه الجزيرة العربية، إذ إن مفاهيم الشرف والعار كانت موجودة قبل ظهور الإسلام وحوادث وأد البنات التي كانت تتم درءاً للعار خوفاً من خطف الفتاة من قبائل أخرى أوقات الحروب والغزوات ما هي إلا إثبات تاريخي كون هذه العادات متجذرة في هذه المنطقة وقد وجدت طريقها في وقت ما للدخول الى كتب الفقه وإضفاء الطابع الديني على هذه الجرائم.
ملحق* يقول المؤرخون: إِنّ بداية وقوع وأد البنات كانت إثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إِلاّ أنّ بعضاً من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إِلى قبيلتهن، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلاً للوم والشماتة، حتى أقسم بعضهم أنْ يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلاً أسيرة بيد الأعداء!