حتى لا نحتاج إلى دليل أو برامج كمبيوتر لكي نتعلم الحب

: 1/6/16, 5:29 PM
Updated: 1/6/16, 5:29 PM
حتى لا نحتاج إلى دليل أو برامج كمبيوتر لكي نتعلم الحب

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – منبر: ليست فقط حالة الطقس ونظام دفع الفواتير ونظافة الطرقات وشبكات مواسير الغاز والماء الساخن الموزعة على الشقق هي الأمور التي قد تتغير علينا عند انتقالنا إلى بلد مثل السويد. هناك فروقات كبيرة يمكن أن نلاحظها مباشرة بعد وصولنا إلى المجتمع الجديد، بأيام أو أشهر، وفروقات أخرى قد نحتاج إلى فترات أطول لكي نكتشفها.

ما يمكن اكتشافه أثناء مسيرة الاندماج نحو البيئة الجديدة، أشياء أيضا كانت معنا، لكننا فقدناها، وأصبحنا نفتقدها يوما بعد يوم، هذا ما نلمسه عندما نرى نتائج دراسات اجتماعية تحذر مثلا من خطورة عدم شعور الأطفال بالخجل، ونمو هذا الشعور نحو وقاحة فظة، أو عندما يطل عليك مختصين اجتماعيين بمقالات ومقابلات تتحدث عن تفكك وتماسك الأسرة، أو ما قرأناه قبل أيام في الصحف عن نتائج بحث تشبه التعليمات أو الدليل، تحت عنوان: كيف تجعل من تحبه يقع في حبك.

لا نعتقد أن استمرار التمسك بمبادئ الشرق وقيمه والتمتع بحرارة ودفء علاقاته سوف يحتاج إلى مثل هذه الدراسات والبحوث. فهل يعقل مثلا أن نستعين بمختصين وخبراء لكي نستعيد تعليم مشاعر إنسانية من المفروض أن تكون صادره بشكل عفوي وصادق؟

وكما يمتلك الغرب ما يفتخر به الآن بعد أن وصل إلى درجة تطور عالية، نحمل معنا نحن القادمين من الشرق قيم رائعة وجميلة، يجب أن لا نخجل أو لا نستعيب بها ولا نعتبرها من ممارسات العادات والتقاليد البالية، عندها نكتشف أن الفارق بيننا وبين الغرب ليس فارقا حضاريا، بقدر ما هو فرق بالتطور الزمني فرضته ظروف تاريخية.

من خلال الاطلاع على حالات ووقائع عديدة يمكن عبرها اثبات أن المجتمع السويدي يحترم قيمنا الشرقية، احترام قد يصل إلى حد الإعجاب بما نمارسه نحن الشرقيون من أخلاق وتهذيب وبما نقوم به من تكافل وتواصل وحب في مجال الأسرة، أو في محيط العمل أو عبر علاقاتنا اليومية الأخرى. خاصة إذا كان من يمارس هذه القيم الشرقية، صادقا فعلا ولا يتناقض مع نفسه وبالتالي لا يتعارض مع قوانين وقواعد المجتمع الجديد.

ما نكتشفه أيضا من خلال مراحل انتقالنا إلى بلد مثل السويد، أن صدمة الإعجاب إلى حد الانبهار، بما نشاهده ونلمسه خاصة في أول وصولنا إلى هذا البلد، قد تتحول لدى البعض إلى خيبة أمل تصل إلى درجة الاستياء، وهذا التحول يحصل على الأغلب عندما يطالبنا المجتمع بأن نندمج به ونصبح منتجين فيه.

درجة حالة الانبهار أو حالة الاستياء يمكن أن تعلو وتهبط حسب ما نستطيع تحقيقه في مسيرة الاندماج نحو البيئة الجديدة، لكن الخطورة في أن تستمر أي حالة من الحالتين إلى فترات طويلة، فالانبهار طويل الأمد قد يتحول إلى عقدة عدم الثقة بالنفس، لنعتقد معها أن كل أجنبي بالنسبة لنا، هو ملاك أو متفوق علينا نحن الشرقيين، خاصة إذا كان صاحب البلد الأشقر، لنشعر بأننا ضيوف في بلد يسعى ويسخر كل الإمكانيات لكي نندمج به، دون أن ندري خطأ تطبيق المثل القائل: يا غريب كن أديبا، في هذا السياق، فهو مثل لا يصلح في مجتمع ينادي بالتساوي وبتحقيق تكافئ الفرص لكل أعضائه.

فيما قد يتحول الشعور بالاستياء في حال استمر لفترات طويلة، إلى حالات انعزال واحساس بالنفور والكراهية لكل ما هو محيط بنا، مما يجعل الشخص المستاء دائما عدوا لنفسه أولا وللآخرين أيضا، لأنه لا يريد أن يتقبل الحد الأدنى من مفاهيم الاندماج.

تغيير البيئة وبشكل مفاجئ، بالنسبة لأي كائن حي، عملية ليست سهلة، فما بالك على إنسان أو عائلة لم تكن مستعدة لهذا الانتقال.

والعيش في مجتمع، مثل المجتمع السويدي، يغلب عليه الطابع المادي، يجعلنا نصارع وحشا كبيرا اسمه “السيستم” قد يجده البعض أقل رحمة بكثير من الديكتاتوريات في بلده التي اجبرته على الهروب منها. وهناك من يجد أنه يستطيع ترويض هذا الوحش، إلى درجة أنه يجد به عونا وسندا خاصة عند المرض أو الحوادث أو الشيخوخة، ويجد أن هذا الوحش هو من يؤمن لك وللجميع الدفء والرعاية والأمن والأمان، فقط عليك أن تجيد ترويضه، من خلال نية الاندماج أولا وإجادة فن التوازن بين دفء الشرق وقيمه الرائعة ومبادئ الغرب وقوانينه المتطورة والراقية.

عندها سوف لا نحتاج إلى أن نبقى طويلا تحت تأثير صدمة الانبهار ولا أن نعلق في نفق حالة الاستياء، وننجح في أن نجد طريقا سهلة للاندماج، وعندها سوف لا نحتاج إلى دليل أو برامج كمبيوتر لكي نستعيد تعلم الحب.

IMG_2453

د. محمود صالح آغا

رئيس التحرير

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.