المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
زج الناس في أتون حرب المعلومات كوضع الحطب في النار
أشخاص يتبنون المعلومة التي تروق لهم وتطربهم حتى لو كانت كاذبة
وسائل التواصل ملأت الفراغ وأدت دوراً رئيسياً في حرب المعلومات القائمة
مجموعة استجابت بشكل عفوي وراء معلومات مضللة عن السويد
الكومبس – افتتاحية: لا يوجد حرب تقتصر فقط على أرض معارك الدبابات أو سماء تحليق الصواريخ والطائرات، حرب المعلومات كانت ولا تزال جزءاً أساسياً من خوض المعارك، تطور هذا النوع من الحروب وغيّر أساليبه تمشياً مع تطورات وسائل النشر والتأثير على المجتمعات البشرية. نحن هنا لا نريد الغوص عميقاً في مفهوم حرب المعلومات، ما يهمنا هو جانب واحد من هذا السلاح الفتاك، وهو كيف وبإمكاناتنا البسيطة نحمي أنفسنا وعقولنا من التلوث بالمعلومة المضللة، وكيف نتجنب أن نكون وقوداً لنيران الفتن التي يشعلها سلاح حرب المعلومات؟
تماماً، كما يضعون الحطب في النيران، لكي تبقى مشتعلة، يتم وضع الناس السذج، وزجهم في أتون حرب المعلومات، هؤلاء السذج الذين يصدقون المعلومات المضللة، هم وقود نار الفتن وهم ضحاياها أيضاً، يصدقونها ويسهمون في نشرها وبالتالي يحترقون بها، فيما النار تطلب المزيد لكي تبقى مشتعلة بدخانها الأسود القاتل.
ليست السذاجة فقط هي التي تلعب الدور الحاسم في أن يكون الشخص وقوداً وضحية لنيران حرب المعلومات المضللة ودخانها الأسود، بل هناك أشخاص يتبنون المعلومة التي تروق لهم وتطربهم ويعجبون بها، حتى لو كانت كاذبة وغير صحيحة، فهي تشفي غليل حاجتهم لسماع خبر أو معلومة توافق توجهاتهم العاطفية.
على سبيل المثال الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا، إذا كان الشخص متعاطفاً مع روسيا مثلاً، فهو قابل لتلقي وهضم ونشر أي معلومة تؤكد على نجاح الهجمات الروسية واستسلام الجنود الأوكرانيين وتراجعهم. وفي المقابل من المؤكد أن يصدق المتعاطفون مع أوكرانيا أخباراً أو فيديوهات أو تصريحات حول فشل العملية الروسية وتعثرها.
في هذه الحرب التي بدأت قبل أيام وليس من المعروف متى ستنتهي، من الصعب على الناس العاديين التحقق من صحة أخبار سير المعارك، ومع أن الجميع أصبح يملك هواتف مزودة بكاميرات، وبات أي شخص يستطيع نشر ما يريده مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الصورة الحقيقية من جبهات القتال تكاد تختفي، خصوصاً مع غياب مرافقة المراسلين الصحفيين المحايدين لقوافل الجنود والدبابات، كما كانت عليه الحروب السابقة.
وسائل التواصل من أهم أسلحة حرب المعلومات
ومع احترامنا لكل جهود المراسلين في تغطية معارك هذه الحرب، فإن أغلبهم يقفون إما على الحدود أو بين المدنيين في أماكن آمنة، رغم ملابسهم الميدانية التي توحي بأنهم في ساحات المعارك.
في ظل هذا الفراغ، في نقل الصورة الحقيقة، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً رئيسياً في حرب المعلومات المشتعلة الآن، إلى جانب اشتعال نيران الدبابات والصواريخ، خصوصاً أن وسائل التواصل الاجتماعي، تعتبر مجالاً مهماً لتدوير المعلومات دون التحقق منها. ومن ثم، تصبح أداة مهمة لإلقاء المسؤولية المتبادلة على كل طرف. وفي هذا الإطار، تسابق كل طرف إلى نشر الفيديوهات والصور التي تتضمَّن اتهامات مباشرة للطرف الآخر.
من هنا نرى أن تفاعلات التواصل الاجتماعي أخذت الحيز الأكبر، في ملء الفراغ. خصوصاً أن وسائل إعلام مرموقة أخذت تنقل عنها مع استخدام تعابير وإشارات خجولة مثل: “لم نستطع التحقق من صحة الصور”، أو تمرير مواد تحت عناوين لبرامج تلفزيونية على محطات رئيسية مثل: آخر الترندات، أو وضع عناوين مثل: صور متناقلة على وسائل التواصل.. إلى ما هناك.
كيف نحمي أنفسنا من التلوث بمخاطر المعلومات المضللة؟
الخطر الذي قد يتهدد السويد جراء هذه الحرب القائمة حالياً، وفي حال توسعها وانتشارها، يتمثل في إمكانية تقبل الناس لشائعات عن وصول الحرب إلى السويد، وهذا ما شاهدناه عندما بدأت الناس فعلاً تخزين مواد غذائية ودوائية إضافية في بيوتهم، ما ساهم أيضاً في نفاد أدوات وأجهزة معينة ومواد طبية مثل اليود، الذي تهافت الناس على شرائه من الصيدليات في السويد بعد أول يوم من بدء الحرب. هذا رغم أن السلطات تصرح من فترة إلى أخرى بتصريحات لتطمئن الناس ولا تحثهم على تخزين المواد الغذائية والدوائية لأن السويد لا تواجه أي خطر يتعلق بنفاد هذه المواد.
أفضل حماية نقدمها لأنفسنا من مخاطر حرب المعلومات، هي أن نعطي أنفسنا الوقت اللازم لتلقي المعلومة بشكل كامل ومتكامل من وسائل الإعلام الرصينة والموثوقة، وألا نصدق بشكل تلقائي كل المعلومات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق من صحتها. خطر تلقي معلومة صحيحة لكنها ناقصة، لا يقل عن خطورة تلقي معلومة كاذبة.
خطر هؤلاء الذين يعملون كوقود لنيران حرب المعلومات، أنهم نشيطون جداً على السوشيال ميديا، يأخذون ما يناسبهم من مادة معينة بشكل مجتزأ ويشوهون معناها بما يتناسب مع توجهاتهم إما من أجل الشهرة أو من أجل التشهير.
يجب أن تكون الثقة بمؤسسات الدولة خاصة المعنية بالأزمات، ثقة عالية، لأن الحكومات في السويد هي حكومات ديمقراطية يجب أن تتحلى بالشفافية وعدم حجب أي معلومة ضرورية عن الشعب، وتقديم تقييمات أمنية صحيحة ومتتابعة عن آخر المستجدات.
المثال القوي على تأثير الحرب النفسية هو ما حدث أو لا يزال يحدث في تشويه قضايا عادلة لعائلات بالفعل تشعر بالظلم جراء سحب أطفالها من خلال حراك يستهدف الثقة بمؤسسات السويد والثقة بالإعلام المحايد والثقة بالسويد إجمالاً.
هناك مجموعة استجابت وبشكل عفوي إلى الانجرار وراء معلومات مضللة عن السويد كمجتمع وعن الشؤون الاجتماعية كمؤسسة تقوم بواجبها في ضمان منظومة الأمن المجتمعي، ضد الفقر وفي مساندة المرضى وكبار السن وإنقاذ الأطفال الذين يواجهون مخاطر في حياتهم الخاصة.
التجربة أثبتت أن وقود حملة التجهيل في حرب المعلومات ضد السويد ومؤسساتها هم أنفسهم الضحايا، الضحية الذي لا يملك قوة المعلومة الصحيحة ليستطيع التصرف بشكل صحيح لحماية أولاده وأسرته ونفسه، هو نفسه من يُستخدم كوقود لنيران التجهيل الحارقة.
هؤلاء الضحايا الذين يشعرون بالظلم لفقدان أولادهم هم من يجري اللعب بمشاعرهم من قبل شخصيات كرتونية انتهازية. تريد تكميم أي صوت يخالفهم وأي صوت يريد أن يقول كلمة لها جوهر وأهمية لمساعدة كل عائلة فقدت طفلها.
المشكلة التي يجب أن تؤرق المجتمع كله، هي كيف يمكن لأشخاص انتهازيين بتاريخ عنصري مقيت وبسجل إجرامي واضح أن يلعبوا بمشاعر الناس وأن يجيشوا قسماً منهم، هذا القسم يركع ويمجد هؤلاء الظلاميين بطريقة تدعو إلى القلق على المجتمع ككل.
مخاطر حرب المعلومات على السويد أثناء الحروب خاصة هي مخاطر حقيقية، يجب على الجميع أن يكون واعياً لها، ويستطيع التمييز بين متابعة صفحات ومواقع وأشخاص خطرين بكل ما تعني الكلمة من معنى، وبين متابعة وسائل إعلام موثوقة ورصينة، لأن المعلومة الصحيحة والموثوقة خاصة في وقت الحروب والأزمات هي حاجة لا تقل أهميتها عن الطعام والمياه والمأوى الآمن.