حرق المصحف

حرق المصاحف بين القبول السياسي والرفض الشعبي

: 9/6/23, 1:50 PM
Updated: 9/6/23, 1:50 PM
حرق المصاحف بين القبول السياسي والرفض الشعبي

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: جريمة الكراهية هي اسم جماعي لعدة جرائم مختلفة حيث يمكن أن يكون الدافع مستمداً من الكراهية أو التحيز ضد مجموعة محددة. يختلف تعريف جريمة الكراهية، لكن هناك اتفاق دولي على أن جرائم الكراهية تضرب بجذورها في عدم احترام حقوق الإنسان والقيمة المتساوية للناس في المجتمع الواحد. إذا اسقطنا ذلك على السويد نجد ان هناك عقبات قانونية تحول بين المشرع وإيقاف عدوى الكراهية لمجموعات عرقية و دينية. ومن هنا نريد تسليط الضوء على الموانع التي تحول بين أصحاب القرار السياسي و فعاليات حرق المصاحف في السويد.

يحق لكل إنسان أن يسأل : لماذا يُسمح بحرق المصحف الشريف في السويد؟

السويد دولة ديمقراطية علمانية لا دين رسمي لها و كل الأديان تعتبر طوائف دينية تحترم من خلال قانون الحرية الدينية بشقيه أن تعبد من تشاء و ان تلحد كيف تشاء دون تدخل الدولة في الشؤون الدينية للمواطنين. ومن أهم القوانين الأساسية في السويد هو قانون حرية التعبير و قانون حرية النشر . هذا القانون ليس مطلقاً بل هناك استثناء يمس مجموعات عرقية أو شعبية سواء بشخوصها أو معتقداتها لكن لا يشمل نشر الكراهية لدين معين. وهنا استغل بعض الأفراد هذا القانون ليشعلوا نار الحقد والكراهية للكتاب المقدس لدى أتباع الديانة الإسلامية متذرعين بقانون حرية التعبير. وحتى الآن لم تتمكن الشرطة من رفض مظاهرات حرق المصحف الشريف في الأماكن العامة، سواء كانت أمام السفارات أو المساجد أو الضواحي التي يقطنها مواطنون مسلمون. و هي مجبرة على توفير حماية شرطية لها مهما كلفت من جهد وأموال. و اعتادت الشرطة بعد كل فعالية تقديم شكوى كراهية ضد مجموعة عرقية. ومع ذلك، لم يتم رفع هذه الشكاوى من قبل المدعي العام حتى تنظر المحاكم في قانونية هذه الأفعال.

هل تستطيع الشرطة إيقاف حرق المصحف الشريف؟

لدى الشرطة فرص محدودة جداً لرفض اعطاء تصاريح لأي تجمع عام، وهذا هو مربط الفرس. عندما تقوم الشرطة بتقييمها، يجب أن تأخذ في الاعتبار مدى تأثير المظاهرة على النظام والسلامة ومكافحة انتشار العدوى المرضية و تعطيل حركة المرور في الموقع، لا شيء آخر. إن المخاطر المذكورة آنفاً، مطلوبة على وجه التحديد في المكان الذي يتم فيه حرق المصحف الشريف حتى تتمكن الشرطة من الرفض. لقد تم تفسير المخاطر من هذه الفعاليات بشكل ضيق للغاية لدرجة أنه لا ينبغي تضمين تصرفات المتظاهرين المناهضين لهذه الفعاليات مهما كانت نتائجها على أمن المجتمع في التقييم، يعني ردات الفعل التي تصدر من قبل الشباب و اليافعين بحرق المركبات وإلقاء الحجارة على الشرطة و تخريب الممتلكات العامة لا تكفي حتى تمتنع الشرطة عن إعطاء تصاريح لهذه الفعاليات. حتى رفع التهديد الأمني للدرجة الرابعة قبل الأخيرة في احتمال قيام البعض بعمليات إرهابية ضد مصالح السويد في الداخل و الخارج ذرائع لا تكفي. حتى إذا أدى ذلك إلى اقتحام السفارات السويدية وزيادة التهديدات الإرهابية بحق المواطنين و اقتصاد السويد تبقى أيادي أصحاب القرار السياسي والشرطة مكبلة.

حلول تراوح مكانها

حاولت الشرطة “توسيع” قواعد قانون النظام العام عدة مرات في الآونة الأخيرة لإيقاف هذه الفعاليات، لكنها اصطدمت بقرارات رافضة من قبل المحاكم. على سبيل المثال رفضت الشرطة فعاليات حرق المصحف الشريف وأشاروا إلى تقييم الاستخبارات السويدية (سابو) بأن التهديدات الإرهابية قد تتزايد. لكن الشرطة عانت من انتكاسات في المحكمة في كل مرة. و تبني المحاكم قراراتها بأنه لا ينبغي أن يؤثر تزايد خطر الإرهاب بشكل عام في السويد على التقييم الأمني لرفض منح تصاريح حرق المصاحف. هذه الصرامة في حماية نصوص قانون حرية التعبير من قبل المحاكم والتي لم تقم أصلا بدراسة هذه الأفعال وإسقاطها على القوانين، تسببت في إحراج الحكومة التي حُمّلت وزر هذه الأفعال الشنيعة من قبل حكومات ومنظمات أهلية ومجالس حقوق الإنسان حول العالم.

هل تستطيع الحكومة السويدية أن تفعل شيئاً؟

في تصريح لوزير العدل غونار سترومر (حزب المحافظين) فإن الحكومة تقوم بتحليل الأحكام ومراجعة ما إذا كان ترتيب الإجراءات بحاجة إلى تغيير من خلال دراسة قانون النظام العام. لكنه لم يذكر كيف أو متى يمكن أن يحدث التغيير. هناك معارضة شديدة من قبل حزب سفاريا ديمقراتنا على إجراء أي تعديل يمس قانون النظام العام. وهدد رئيس الحزب بأنه سيلجأ للمعارضة في حالة طرح التعديلات على البرلمان لإقرارها. والحكومة لا يمكنها الوقوف بوجه حليفها القوي والذي تستمد شرعيتها من خلال الدعم المقدم لها من قبل هذا الحزب اليميني المتطرف. الحزب الاشتراكي المعارض طالب بتعديلات على قانون كراهية مجموعة عرقية لتشمل الكراهية الدينية لكن الحكومة ترفض مناقشة هذا المقترح لأنه يمس جوهر قانون حرية التعبير. ومع استمرار هذا الجدل البيزنطي، لا تستطيع الحكومة التدخل ووقف حرق المصحف الشريف إرضاء لمطالب المواطنين المسلمين و الحكومات الإسلامية و منظمات حقوق الإنسان الدولية. واستمرار الهروب الى الأمام من خلال التصاريح الإعلامية التي تنص على أن (الشرطة هي التي تعطي الإذن والمحاكم هي التي تتحقق من صحة القرار).

هل هناك مشاكل في تغيير قانون النظام؟

المشكلة الأساسية هي الموازنة بين حرية التعبير والمصالح الأخرى. وعلى المشرع أن يعرف ما هو الحصر وما هي المشكلة التي يريد معالجتها. هل حرق الكتب الدينية فقط هو الذي ينبغي حظره أو غير ذلك من أشكال عدم احترام الدين مثل الإسلاموفوبيا و معاداة السامية، هل يجوز حرق أوراق من المصحف الشريف بعيداً عن الأنظار أو حرقه في مكان عام؟

قانون التحريض ضد المجموعة العرقية Lagen om hets mot folkgrupp

المواطنون المسلمون و معهم شريحة كبيرة من المواطنين يتساءلون عن إحجام الحكومة و المشرعين القانونيين عن ربط فعاليات حرق المصحف الشريف بقانون التحريض ضد المجموعات العرقية؟

رد المشرعين هو أن حرق المصحف في حد ذاته ليس تحريضاً ضد مجموعة من الناس لأنه يستهدف الدين وليس الممارسين من الأفراد لمعتقدهم الديني. لكن هناك بعض الردود من قبل قانونيين لمعرفة ما إن كان الأشخاص الذين يشعلون النيران في الكتب المقدسة مذنبين بالتحريض ضد مجموعة عرقية، خصوصاً فيما يتعلق بحرق المصحف الشريف، وخصوصاً إذا ثبت أنه قد تم الإدلاء بتصريحات وإيماءات تحريضية من قبل القائمين على هذه الغاليات ضد مجموعة عرقية. إلى الآن لم تقم المحاكم بمناقشة هذه المظالم وهذا أمر يستغربه كثير من القانونيين.

نحن كمواطنين متضررين من هذه الممارسات الهمجية بحق ديننا، لا نعرف في الواقع ما هو المسموح وما هو غير المسموح به، في قانون حرية التعبير . لا ينبغي للمرء أن يستنتج أنه لمجرد أنه لم تتم إدانة أي شخص حتى الآن بالتحريض على مجموعة عرقية، من خلال هذه الغعاليات المشينة أن الساحة مفتوحة لكل من هب و دب أن يقدم على هذه الأفعال لاكتساب شهرة أو ليجني اموال من خلال حرق المصاحف في أي وقت. لذلك يعتزم عدد من المحامين رفع قضايا الى المحاكم السويدية حول انتهاك قدسية المصحف الشريف من خلال القوانين الأخرى مثل حرق المصحف هو فعل ضد قانون السلوك الفاحش lagen om förargelseväckande beteende. ويترك الأمر للمحاكم للحكم بأن هذه الأفعال جرائم قد توقف حرق المصحف، من خلال التأكيد بأن هذا الفعل الشنيع له عواقب قانونية. أيضا هناك محامون يعتزمون رفع قضية لدى المحكمة الأروبية العليا لإصدار قرار ملزم للدول الأعضاء بمنع جرائم الكراهية الدينية التي تنتشر في عدد من الدول الأعضاء بما فيها السويد. من الممكن أن تكون هذه التحركات إشارة إيجابية من قبل الحكومة و المؤسسات الأهلية والقانونية لإرسالها إلى العالم الخارجي، بأن هذه الأفعال المستنكرة قد تتوقف إذا تمت معاقبة الأشخاص الذين يهددون أمن واستقرار السويد واللحمة الشعبية بين جميع مكونات المجتمع.

د. محمود الدبعي

مستشار دولي للعلاقات

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.