المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس رأي: نشر الباحث في شؤون الشرق الأوسط محمد المحفلي مقالاً في صحيفة Dagens Samhälle أمس عن قضية حرق المصحف وأسبابها وتداعياتها في السويد. وينشر الكاتب مقاله مترجماً للعربية على “الكومبس”. وفيما يلي نص المقال:
تهيمن قضية حرق المصحف وما يترتب عليها من حرق لسيارات الشرطة وأعمال شغب وأعمال عنف على كثير من المناقشات داخل السويد، ومع ذلك لا أحد يناقش المشكلات الأساسية التي تقف وراء كل هذه الفوضى، كما لا يؤخذ في الاعتبار السياقات التي يحدث فيها هذا العنف.
يرى المؤثرون داخل الجالية المسلمة في السويد مشكلة حرق المصحف بأنها إهانة مباشرة للدين، ما يعني -من وجهة نظرهم – أن في ذلك إهانة مباشرة لجميع المسلمين في البلاد.
من ناحية أخرى، ترى وسائل الإعلام والهيئات الرسمية والمؤسسات الأخرى في السويد، مشكلة حرق المصحف الشريف باعتبارها وثيقة كأي وثيقة أخرى، ومن ثم يعتبر ذلك جزءاً من حرية التعبير.
وباعتقادي فإن الجميع يتجاهل خطاب الكراهية بوصفه السبب الرئيس لكل هذه الفوضى، سواء كان ذلك خطاب المتطرف راسموس بالودان الذي يحرق المصحف، أو الخطاب المضاد الذي يحرض جزءاً من المجتمع من أجل التمرد ضد قيم المجتمع السويدي.
راسموس بالودان يقوم بشكل دوري بزيارة أماكن في السويد وينظم لقاءات مردداً شعارات الكراهية، مخاطباً بشكل مباشر مجموعة من المواطنين السويديين، واضعاً إياهم في مرمى كراهيته فيصبحون أهدافاً لخطاب يهدد وجودهم، ويجرحهم في وجدانهم ،وينشر الكراهية ضدهم.
بالمقابل، يركز بعض الإسلاميين بشكل أساسي على عملية حرق المصحف، ولا ينتبهون إلى السياق الخطير الذي يحدث فيه هذا الحرق. بدلاً من التركيز على ذلك، يقومون بتحريض الآخرين وخلق الكراهية التي لا تشعر بأي مسؤولية تجاه المجتمع ولا تحترم مبادئ الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير.
أما المؤسسات الرسمية السويدية، وكذلك وسائل الإعلام، فإنها ترى أن ما يفعله بالودان يندرج في إطار حرية التعبير، وهذا يعني أنهم لا يرون سوى قضية حرق المصحف ويقومون بعزل هذا الحدث عن بقية أجزاء الصورة. إنهم يستبعدون أخطر المكونات وهو خطاب الكراهية المصاحب لعملية حرق المصحف وما بعده، حيث يعتبر هذا الخطاب تعبئة وتحريضاً وترهيباً ضد جماعة داخل هذا المجتمع، وهذا مشكلة كبرى يجب معالجتها وعدم اعتبارها حرية تعبير.
في رأيي، تعتبر حرية التعبير في السويد قضية مركزية وحيوية يجب على الجميع حمايتها والحفاظ عليها، ويجب على المجتمع المسلم أن يتحمل مسؤولية حماية المساواة وحرية التعبير، بما في ذلك حرية نقد الكتب أو إحراقها. لكن يجب أن يكون ذلك في سياق القيم الأخرى المرتبطة بحرية التعبير، وهي قيم التعددية الثقافية والمساواة وعدم التمييز. لا يمكن أن تكون هناك حرية تعبير وفي الوقت نفسه تمييز واستبعاد وخطاب يحض على الكراهية.
يشعر كثير من الأشخاص الذين قابلتهم بأنهم مستبعدون وخائفون. يشعرون أنهم بلا صوت. فيما الإسلاميون لا يهتمون بالتعايش أو التعددية ولا يخشون خطاب الكراهية. مقابل ذلك، لا تنظر المؤسسات الرئيسية في السويد إلا إلى إحراق المصحف، سواء تم اعتبار ذلك حرية تعبير أم جريمة كراهية. بينما يوجد الآلاف ممن يؤمنون بحرية الرأي والتعبير وحرية الانتقاد والإحراق. لكنهم مرعوبون من خطاب الكراهية المتصاعد ضدهم، وهو خطاب يجعلهم يشعرون بالتهديد على مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم.
أعتقد بأن هناك حاجة ملحة لمعالجة الأسباب، وحل المشكلة بكل أبعادها وسياقاتها. يجب تقييم القضية من منظور واسع، ليس فقط من وجهة نظر الإسلاميين، ولكن من منظور سويدي يحترم كل القيم كنظام متكامل، كما يجب أن تشارك جميع المؤسسات المجتمعية في حل هذه المشكلة.
أريد أن أشير إلى حقيقة أن رجال الدين والمنظمات الإسلامية لا يمثلون جميع المسلمين في السويد. هناك مسلمون سويديون يريدون بدلاً من ذلك أن يتم تمثيلهم من قبل المؤسسات السويدية الرسمية. أي أعني أولئك الذين يخضعون للدستور والقوانين السويدية. لذلك فمن الواجب أن يكون هناك حوار يشمل الجميع بمن فيهم المسلمون السويديون الذين يحبون وطنهم السويد لكنهم يخافون من خطاب الكراهية.
محمد المحفلي، باحث في شؤون الشرق الأوسط