حركات “الإسلام السياسي” في الجزائر تتخلف عن الركب

: 5/12/12, 5:08 PM
Updated: 5/12/12, 5:08 PM
حركات “الإسلام السياسي” في الجزائر تتخلف عن الركب

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

أوقفت نتائج الانتخابات البرلمانية في الجزائر مدّ حركات الاسلام السياسي في شمال إفريقيا بعد أحداث الربيع العربي، وصدم حصول تحالف "الجزائر الخضراء" الإسلامي على المركز الثالث، بعدد متواضع من الأصوات كثيرا من المراقبين، واتهم التحالف السلطات بالتزوير، وحملها مسؤولية ما قد يجري.

أوقفت نتائج الانتخابات البرلمانية في الجزائر مدّ حركات الاسلام السياسي في شمال إفريقيا بعد أحداث الربيع العربي، وصدم حصول تحالف "الجزائر الخضراء" الإسلامي على المركز الثالث، بعدد متواضع من الأصوات كثيرا من المراقبين، واتهم التحالف السلطات بالتزوير، وحملها مسؤولية ما قد يجري. ورغم أن السلطات نجحت في حشد نسبة أكبر في تصويت العام الحالي مقارنة بانتخابات العام 2007 إلا أن عدم المشاركة الانتخابات كان واضحاً، وبرزت ظاهرتان واضحتان الأولى زيادة نسبة تمثيل المرأة بعد إدراج قانون توسيع المشاركة السياسية للمرأة، واجبار الكتل الانتخابية على منح المرأة ثلاثين في المئة من قوائمها، ومنحها المراتب الأولى حسب النسبة المحققة لكل قائمة، والثانية النسبة المرتفعة للبطاقات الملغاة والتي تجاوزت 17 في المئة من أصوات المشاركين في الانتخابات.

ربيع "أخضر" على الطريقة الجزائرية

بينت النتائج فوز جبهة التحرير الوطني بـ 220 مقعداً أي نحو 48 في المئة من أصوات المشاركين، فيما ذهبت أصوات 14 في المئة إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي المتحالف ضمناً مع الجبهة بقيادة رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى ليحصد 68 مقعداً، ولم يستطع تحالف "الجزائر الخضراء" من نيل ثقة أكثر من 10 في المئة من حجم الأصوات بنحو 48 مقعداً وهو تحالف يتألف من " حركات مجتمع السلم والنهضة والاصلاح "، وترتفع حصة الأحزاب الإسلامية إلى 67 مقعداً مع حساب أصوات القوى التي لم تدخل في التحالف، وخاضت الانتخابات بقوائم مستقلة.

وصدمت النتائج المتواضعة لحركات "الإسلام السياسي" كثيراً من المراقبين، لاختلافها الكبير عن النتائج المحققة في بلدان المغرب العربي، ومصر بعد موجة الربيع العربي، وحصل حزب جبهة التحرير على انتصار كبير رغم الخلافات والانشقاقات الكبيرة التي رافقت عملية تحضير القوائم الانتخابية، ما دفع إلى التشكيك بالنتائج رغم شهادات 500 مراقب دولي بأنها جرت في ظروف عادية، وأشرفت السلطات القضائية لأول مرة على الانتخابات، واستخدم الحبر الفسفوري بدلا من التوقيع لمنع تكرار التصويت.

لكن مراقبين آخرين يشيرون إلى أن النتائج عادية، وأن الحركات الإسلامية حصلت على نسبة تعادل ثقلها الانتخابي الطبيعي، فهذه الحركات مشاركة في الحكومة بوزراء، والشعب الجزائري جرب الاسلاميين جيداً في السنوات العشر الأخيرة في الحكم، ولهذا فإن النتائج لا يمكن أن تكون كما هو الحال في المغرب والجزائر.

عزوف عن التصويت وبطاقات ملغاة وثغرات

أعلن وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية أن نسبة المشاركة بلغت قرابة 43 في المئة، وأنها نسبة مرضية، خصوصا في حال الأخذ بالحسبان تراجع أصوات الجزائريين في الخارج إلى أقل من 14 في المئة. وعزا ولد قابلية ضعف الاقبال إلى تعود الجزائريين على عدم الإشتراك في الانتخابات، ولفت إلى أنها حالة موجودة في كثير من الدول، واعتبر مراقبون أن السلطات كسبت الرهان بتحقيق نسبة أكبر في المشاركة من انتخابات العام 2007 حين شارك 35 في المئة فقط، فيما يشير آخرون إلى أن نسبة العزوف أكبر بكثير، وأن السلطات ضخمت المشاركة حتى تضفي شرعية أكبر على الانتخابات، وعرضت وكالات الأنباء العالمية المشاركة في تغطية الانتخابات عينات لآراء شباب يعتقدون أنه لاجدوى من المشاركة في الانتخابات التشريعية نظراً لأن " السلطة الفعلية في البلاد تبقى في يد شبكة غير رسمية جذورها ضاربة في قوات الأمن"، ويشير آخرون إلى أن "الانتخابات لن تغير الكثير لان البرلمان يملك سلطات محدودة وتوجد صلات حتى بين احزاب المعارضة والمؤسسة الحاكمة".

وكان اللافت هو ارتفاع عدد البطاقات الملغاة التي وصلت حسب الوزير إلى أكثر من مليون وستمئة ألف بطاقة أي نحو 17 في المئة من أصوات المشاركين.

ويركز مراقبون على أن تصويت أفراد الجيش لصالح جهة محددة لعب دوراً واضحاً في حسم الانتخابات، كما يشيرون إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعطى إيحاءات بالتصويت إلى حزب "جبهة التحرير"، ويوضح خبراء أن النتائج ما كانت لتكون وفق هذا الشكل لولا هذه الأسباب إضافة إلى أخرى لا تقل شأناً وهي السماح لأكثر من 20 تكتلاً وحزبا في دخول الانتخابات في الأيام الأخيرة، ما ساهم في تشتيت الأصوات، الذي صب في مصلحة "حزب السلطة" فطريقة توزيع أصوات الأحزاب التي لم تتجاوز حاجز 5 في المئة في المناطق على الفائزين ساعدت "جبهة التحرير" على الفوز بكامل المقاعد في بعض الولايات.

ربيع المرأة الجزائرية

أسفرت الانتخابات البرلمانية في الجزائر عن فوز 145 إمرأة، أي أكثر من 31 في المئة من مجموع مقاعد المجلس الشعبي الوطني البالغة 462 مقعداً، واستطاعت الجزائريات رفع حصتهن في البرلمان بعد تطبيق التعديلات على قانون تشكيل القوائم المشاركة في الانتخابات، وطريقة احتساب أصوات المرأة، وحازت مترشحات حزب جبهة التحرير الوطني على 68 مقعداً، فيما حلت مترشحات التجمع الوطني الديمقراطي في المرتبة الثانية بـ 23 إمرأة فيما جاءت نساء تكتل "الجزائر الخضراء" في المرتبة الثالثة بفوز 17 مترشحة. وتفوق هذه النتائج سابقتها في انتخابات 2007 حين فازت المرأة الجزائرية بـ 31 مقعداً فقط من أصل 389.

بلخادم أكبر الرابحين

وشكلت النتائج القوية لحزب"جبهة التحرير الجزائرية" فوزاً شخصياً لرئيس الحزب عبد العزيز بلخادم، وتقوي مواقعه، خصوصاً أنها تأتي بعد خلافات داخلية في الحزب فجرتها طريقة اختيار المرشحين في الانتخابات التشريعية، وتفتح النتائج الحالية الطريق أمام بلخادم واسعاً لخلافة الرئيس الحالي عبد الغزيز بوتفليقة الذي من المتوقع ألا يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2014، وربما شكلت النتائج مفاجأة لبلخادم ذاته فهو توقع عشية الانتخابات فوز حزبه بالمرتبة الأولى، وحصول الأحزاب الاسلامية على نحو 35 في المئة.

نكسة كبيرة للاسلاميين

مما لاشك فيه أن النتائج صدمت الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وقدمت نموذجاً مغايراً لما حصل في تونس ومصر والمغرب، لكن مراقبين يشيرون إلى أن ظلال الصراع الدامي الطويل في تسعينات القرن الماضي ألقى بظلاله على اختيار الناخب الجزائري، إذ سقط أكثر من 200 ألف جزائري في "العشرية الدموية" بعدما ألغى الجيش نتائج الانتخابات التي فاز بها حزب جبهة الإنقاذ، وربما لم يفلح الإسلامييون في اقناع الناخبين بطرحهم الجديد الرافض للتغير الجذري، والداعي إلى اصلاحات متدرجة.

وما زال الصراع الذي دار في الجزائر في تسعينات القرن الماضي بين قوات الامن ومتمردين اسلاميين واسفر عن مقتل نحو 200 ألف شخص ماثلا في الاذهان. وبدأ هذا الصراع بعد ان ألغت الحكومة بدعم من الجيش الانتخابات التي كان اسلاميون متشددون في طريقهم للفوز بها.

ربيع في كنف السلم والسكينة

أشار وزير الداخلية الجزائري في أثناء عرضه نتائج الانتخابات إلى أن الانتخابات تفتح على العيش في كنف السلم والسكينة، فيما رفضت حركات "الإسلام السياسي" النتائج، واتهمت السلطات بالتزوير، ورغم أنه من غير المتوقع حصول صدامات واسعة نظراً للتجربة التاريخية المريرة، فإن المخاطر تأتي من عدم استكمال برامج الإصلاح الاداري والاقتصادي في الجزائر، فالبلد الذي يزود أوروبا بنحو خمس حاجتها من الغاز الطبيعي، ويجني نحو 70 مليار دولار سنويا من صادرات النفط يعاني بطالة كبيرة، ومستوى معيشة أخفض من جيرانه، ومما لاشك فيه أن الجزائر، وشعبها الذي كان ملهما للعالم في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي، قادرة على صنع ربيع خاص بها بعد خمسين عاماً على الاستقلال ولكن؟!!!

سامر الياس

نقلاً عن موقع "روسيا اليوم"

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.