“حرية التعبير”.. هل هو شعار مرفوع في وجه البعض فقط؟

: 10/8/21, 7:16 PM
Updated: 10/8/21, 7:23 PM
Foto: Janerik Henriksson/TT
حرية التعبير واحد من القوانين الأساسية الأربعة في السويد
Foto: Janerik Henriksson/TT حرية التعبير واحد من القوانين الأساسية الأربعة في السويد

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

كيف استغل اليمين المتطرف وفاة الرسام فيلكس؟

أصابع الاتهام وجهت إلى جمهور عريض في المجتمع السويدي وإلى الوسائل التي تعبر عن صوته، ومنها الكومبس، مستغلة بعض التعليقات التي تطرفت في التعبير عن نفسها

تساؤلات طرحها البعض: لماذا يجب اختبار حدود حرية التعبير على المسلمين فقط؟

الكومبس – تحليل: بوفاة الرسام لارش فيلكس عادت الحدود الفاصلة بين حرية التعبيرمن جهة، والإساءة أو التشهير من جهة أخرى، إلى دائرة الجدل. كثيرون رأوا ازدواجاً في المعايير في الذهنية السويدية التي ترفض لغة الشماتة بوفاة الرسام وتعتبر في الوقت نفسه سخريته من شخصية مقدسة لدى عدد كبير من البشر نوعاً من حرية التعبير.

بين نعي “لمناضل من أجل الحرية”، و”سخرية من موت شخص أساء للمقدس”، بدا البون شاسعاً في القيم والخلفية التاريخية التي تحكم المواقف الجمعية لمجموعات البشر. وسط تساؤلات طرحها بعضهم على وسائل التواصل ملخصها: لماذا يجب اختبار حدود حرية التعبير في السويد على المسلمين فقط؟

ناضلت النخبة السويدية طويلاً من أجل حرية الصحافة والتعبير باعتبارها الحصن الأول للمجتمع الحر. وحصلت في القرن الثامن عشر على حرية “منقوصة” تستثني الملك والكنيسة من دائرة النقد. وكان على السويديين خوض نضال آخر في عصر التنوير الأوروبي للخلاص من سلطة الملك والكنيسة على حرية التعبير. ورافق ذلك “نضال فني” اجتاح أوروبا في السخرية من الرموز الدينية.

لذلك ظلت الكنيسة، والدين في مفهوم أوسع، في المخيلة السويدية نقيضاً لحرية التعبير. باعتبار الكنيسة سلطة تستمد قوتها من السماء وفوق رؤوس البشر. وعند أي نزاع بين “سلطة الدين” وحرية التعبير أو الفن تنحاز النخب السويدية، السياسية منها والثقافية، إلى حرية التعبير والفن غالباً.

هل يعني ذلك أن الذهنية السويدية تقبل بشتم أديان الناس؟ ليس دائماً، خصوصاً أن الدين تحول عند معظم البشر من علاقة بين الخالق والمخلوق إلى هوية يفترض المساس بها مساساً بمن يعتنقها.

وكمثال على ذلك، الانتقادات الحادة التي انهالت في السويد على سكرتير حزب ديمقراطيي السويد ريكارد يومسهوف حين وصف الإسلام بأنه “دين مقرف”، واضطرت رئيس حزبه جيمي أوكيسون إلى تخطيئه والقول إنه كان يجب أن يستخدم مصطلح الإسلاموية (Islamism) بدلاً من الإسلام (Islam).

موقف سياسي اعتبر مهيناً لجزء من المجتمع السويدي يؤمن بالإسلام ديناً.

وكذلك حين أعلن السياسي الدنماركي المتطرف راسموس بالودان عزمه حرق نسخة من المصحف. حيث ووجه بمقالات لاذعة شبهت ما يفعله بما حدث في الرايخ الثالث في ألمانيا حين أصبح إحراق الكتب المقدسة في 10 أيار/مايو 1933 مقدمة رمزية للإرهاب وعمليات التطهير ومعسكرات الاعتقال التي تلت ذلك. حيث تم حرق الكتب المقدسة اليهودية ثم جاء الهولوكوست (المحرقة). وكتبت صحيفة أفتونبلادت في افتتاحيتها “عندما تحرق الكتب، فسرعان ما تحرق الناس أيضاً”، مضيفة “بالأمس كان اليهود هم الهدف، واليوم المسلمون”.

وحتى حين رسم فيلكس رسمته التي حققت له الشهرة لم يكن الموقف السويدي واحداً منها. رغم أن كثيرين اعتبروها فناً له حرية التعبير عن نفسه وأن ذلك يختلف عن الموقف السياسي من الأديان.

تبدو العقلية السويدية كمن يقبل نقد “السلطة” أي سلطة، والسخرية من الشخصيات الاعتبارية أياً تكن هذه الشخصيات، دون أن تقبل السخرية من الأشخاص العاديين، وتعتبر ذلك تشهيراً.

في العام 2014 أغلق الادعاء العام بلاغاً ضد الناشر ماتس داغرليند الذي يدير صحيفة إلكترونية يمينية شعبوية إثر مقال نسب فيه إلى “الإسلام” أعمال العنف التي يضلع بها بعض المسلمين. واعتبر الادعاء العام حينها أن المقال لم يخرج عن نطاق حرية التعبير المحمية دستورياً.

وقبل أيام فقط أدانت محكمة ستوكهولم الناشر نفسه بتهمة التشهير في قضية رفعها الصحفي سعيد النحال، إثر منشور نشرته الصحيفة اليمينية تصف فيه النحال بأنه “جهادي مشتبه به”. وكان ذلك من الاحكام النادرة في القضاء السويدي.

إذن، الخيوط الفاصلة رفيعة جداً بين حرية التعبير، والإساءة أو التشهير. ودون محاولة فهمها سيكون الطرف الأضعف في دائرة الاتهام دائماً.

استغل اليمين المتطرف وفاة الرسام للإشارة بأصابع الاتهام إلى جمهور عريض في المجتمع السويدي وإلى الوسائل التي تعبر عن صوته، ومنها الكومبس، مستغلاً بعض التعليقات التي تطرفت في التعبير عن نفسها، غضباً حيناً، ونكاية حيناً آخر. “إنهم يشمتون بموت إنسان” هكذا أراد يمينيون متطرفون ملأ أرجاء التواصل الاجتماعي ضجيجاً. حاولوا تحريض بقية المجتمع على المسلمين من المهاجرين، وأرداوا ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد؛ التفريق بين المهاجرين حسب دينهم، خلق أزمة يتغذى عليها اليمين ودعايته خصوصاً في عام الانتخابات، القول “لقد كنا على حق في موقفنا من المهاجرين”، والأهم من ذلك كله تحويل المعركة، من معركة بين اليمين والمهاجرين، إلى معركة بين المهاجرين وبقية المجتمع السويدي.

ليس اليمين المتطرف بطبيعة الحال من فلاسفة التنوير الفرنسيين المشككين في سلطة الكنيسة على المجتمع. فأنصاره يهاجمون القوى العلمانية والدينية معاً. ومن يشن حملة كهذه فهو لا يبحث عن الحرية، بل عن الاستقواء. لذلك يحاول تركيز ضعطه على الضعفاء، كما يفعل المتنمرون من طلاب المدارس. وفي مواجهة التنمر لا ينصح الخبراء عادة بالصراخ والهيجان والتهديد، بل بالتروي ورد الصاع بهدوء وثقة بالنفس.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.