هذا مقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يمثل موقف مؤسسة الكومبس الإعلامية. هل تريد نشر آراءك في الكومبس؟ أرسل مقالك إلى info@alkompis.com

الكومبس – رأي: ليس في الأمر غرابة حين تتكاثر الجراح داخل وطنٍ عاش حرباً أهلية، لكن المأساة الكبرى تبدأ عندما تهاجر تلك الجراح وتُمنح حياة جديدة في المنفى. السويد، بالنسبة لنا كسوريين، لم تكن فقط محطة لجوء، بل فرصة لإعادة تكوين النفس بعد أن دمّرها نظام الأسد وبراميله المتفجرة. إلا أن ما نراه اليوم في بعض التجمعات السورية على وسائل التواصل الاجتماعي من تفشي للخطاب الطائفي، والتحريض المذهبي، يعيدنا إلى سؤال مؤلم: هل هربنا من جلادنا لنُصبح صورةً عنه في مرايا بعضنا البعض؟

سواء كنت معارضاً سابقاً أم موالياً، سُنّياً أم علوياً، مسيحياً أم درزياً، كردياً أم عربياً.. فإن وظيفتك اليوم ليست أن تكتب المنشورات على فيسبوك تنتصر فيها لطائفتك أو مدينتك أو سرديتك، بل أن تعمل على ردم هذه الهوة التي صنعتها السلطة البائدة، وكرّسها العنف، و نقلناها معنا إلى بلاد لا تعرفنا إلا كمجموعة مكلومة تبحث عن حياة جديدة.

ما يجري اليوم بين بعض السوريين في السويد ليس مجرد اختلاف سياسي، بل إعادة إنتاج للفرز الأهلي والطائفي، يُمارس بلغة مدنية منمقة، لكنه مغمّس بكل خيبات الحرب التي عشناها خلال العقد المنصرم. الشتائم بين طائفة وأخرى، النبش في ذاكرة المذابح، التخوين بالجملة، كلها أدوات استبدادية بامتياز، حتى لو جاءت من فم من يرفع شعارات الديمقراطية.

ان التحريض الطائفي في السويد جريمة، لا رأي.. والقانون السويدي لا يعترف بالمظلومية كعذر لتدمير الآخر، ولا يمنح أحداً حق تصنيف الناس على أسسهم الدينية أو القومية. المادة 16:8 من القانون الجنائي واضحة وتجرّم “التحريض ضد مجموعة سكانية”، وتعتبره تهديداً للنظام الديمقراطي. نحن هنا أمام مسؤولية مضاعفة، ليس فقط كمواطنين في دولة قانون، بل كضحايا نعرف تماماً كيف تبدأ الحرب الأهلية.. ولا تنتهي.

في علم الاجتماع، يتحدث بيير بورديو عن “العنف الرمزي” (Violence symbolique)، أي ذاك العنف الذي يُمارس بالكلمات، بالمفاهيم، بالإقصاء الناعم. إنه عنف لا يترك جثثاً، لكنه يدمّر المعنى، ويعيد بناء العالم وفق منطق الفرز. وهذا بالضبط ما نفعله اليوم، حين نُفرّق بين “نحن” و”هم”، وحين نُحمّل شخصاً لمجرد انتمائه الطائفي وزر نظام سياسي، أو نمنح أنفسنا حق التفوّق الأخلاقي فقط لأننا “من الجانب الآخر”.

حالياً يجب أن نعترف كسويديين من أصل سوري, أن سوريا لم تكن وطناً عادلاً، لكنها كانت وطناً للجميع. وإن أردنا لها مستقبلاً, لا يمكننا أن نحمله على أكتاف طوائف وشلل متصارعة، بل على عقد اجتماعي جديد نبدأ بكتابته هنا، في السويد، حيث لا سجون تُجبرنا على الصمت، ولا شبيحة تفصل بيننا.

مستقبلنا لا يُكتب بلغة التشفّي، بل بلغة البناء. والبلدان التي مزقتها الحروب الأهلية – مثل لبنان، رواندا، أو البوسنة – لم تنجُ إلا بعد أن أدركت أن العدالة لا تتحقق بالكراهية، وأن الضحية حين تُصبح جلاداً تفقد الحق في المظلومية.

وفي الختام، كلمة لا بد منها: لكل سوري في السويد يعتقد أن بإمكانه شتم طائفة كاملة، أو تصوير خصمه السياسي على أنه خائن أو عميل أو “كافر”: فأنت لست حراً.. أنت مشروع فتنة متنقّل. والسويد ليست ساحة لتصفية حسابات دمشق، بل مرآة لتصحيح أخطائنا.

ولمن يتعرض للكراهية والتحريض، لا تصمت. هذا حقك وواجبك:

  • أبلغ Diskrimineringsombudsmannen (DO) عن كل حالة تمييز: www.do.se
  • اتصل بالشرطة السويدية عبر 11414 أو استخدم www.polisen.se
  • راقب خطاب الكراهية على الإنترنت عبر www.nathatsgranskaren.se
  • أو اطلب الدعم القانوني من www.crd.org

لا طائفة في المنفى تنجو وحدها، ولا وطن سيُبنى إذا بقي كلٌّ منا يصغي لصوت طائفته أكثر من نداء بلده.

حازم داكل