المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقال رأي: هل أردوغان سياسي محنك أم لاعب على حبال السياسة؟ قد يكون السؤال ملتبساً، أو غير واضح، فهل يوجد فرق بين السياسي المحنك وبين اللاعب على حبال السياسة؟ نعم الفرق بسيط لكنه فرق مهم، السياسي المحنك يقود سياسية مستدامة وذكية وحذرة لخدمة بلده وشعبه، أما اللاعب على الحبال، فيمكنه السقوط بسهولة، فالحبال غير آمنة دائما، واللاعب قد يتعب وينهار من كثرة اللعب والنطنطة.
هناك من يقول إن الرئيس التركي رجب أردوغان هو السياسي الوحيد في المنطقة، وسط رؤساء أشبه ما يكونوا بالموظفين الذين يعملون وفق جداول عمل ولوائح محددة لهم مسبقا، لا يستطيع أي رئيس أو رئيس وزراء المناورة أو استخدام حنكته، بعيدا عن قواعد وضعتها له المؤسسة الحاكمة، والمؤسسة هذه تأخذ بالاعتبار عادة سياسات تتخطى الدائرة الوطنية، فالدول الأوروبية محكومة بسياسات الاتحاد الأوروبي العامة، ومنها من هو محكوم ومجبر باتفاقيات الناتو، عدا اعتبارات إرضاء “البوص” الأمريكي، إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية.
أردوغان يبدو وكأنه الزعيم الوحيد المتحرر من كل هذه الاعتبارات، صحيح هو عضو في الناتو، وصحيح أنه يطمح للدخول إلى نادي الاتحاد الأوروبي، لكنه يعرف تماما، كيف يلعب بالأوراق الجغرافية والسياسية وحتى الاقتصادية التي يملكها.
استفاد أردوغان وانتشى لحد الثمالة من شبه تفكك الدولة السورية، ومن الفوضى التي لا تزال تعصف بالدولة العراقية، ومن أزمات المهاجرين إلى أوروبا، وها هو ينتشي مجددا من الحرب الروسية على أوكرانيا. هو يعطل أو يؤجل عضوية السويد وفنلندا في الناتو، كأنه يقدم خدمة كبيرة لروسيا، لكنه يرسل أسلحة وطائرات مسيرة لأوكرانيا لكي تضرب روسيا، واليوم يريد تعويض أوكرانيا عما خسرته من كهرباء بإرسال بواخر تولد وتنتقل الكهرباء إلى المدن الأوكرانية، وكأنه يعطل جهود روسيا الحربية في شل شبكات الطاقة من أجل سهولة تركيع كييف، وجرها إلى التفاوض وفق شروطها، وهو يقابل بوتين ويعقد معه صفقات غاز وغيرها من الصفقات التجارية، صفقات تبدو وكأنها صفعات لأمريكا والغرب.
في سوريا يحارب أردوغان ويقصف الأكراد المتحالفين مع أمريكا، أمريكا تقف عاجزة عن منعه، وتخذل الأكراد، مرة أخرى، في وعدها لهم بالحماية، لأن زعل أردوغان سيكون مكلفا لأمريكا أكثر من زعل الأكراد.
قياس مستوى الزعل، وتأثيره على المصالح قد يكون حنكة، استخدمها الرئيس التركي عندما صالح السعودية والإمارات، وأعاد العلاقة مع مصر وأصلح ما تعطل من علاقاته بإسرائيل، دون أن يتخلى عن حماس أو عن الإخوان بشكل واضح ونهائي، وها هو يحاول التقارب من الرئيس السوري ولا يزال يحتضن المعارضة السورية.
من هنا نجد أن مهمة السويد ليست سهلة، خاصة أن خيارات السويد الحائرة من بهلوانية الزعيم التركي، هي خيارات هزيلة، لا تستطيع المناورة بها لوحدها، فإما أن تحاول المجابه بحشد سياسي من أوروبا أمريكا للوقوف معها ووضع حد للمماطلة التركية أو الرضوخ لأنقرة والالتزام بكل شروطها، ولأن حكومة السويد الحالية ولا أي حكومة غيرها تستطيع تسليم خاصة المواطنين السويديين، سيبقى خيار الانتظار هو الأفضل، على الأقل الانتظار حتى ينجز أردوغان قفزاته كلها، مع روسيا ومع الأكراد ومع أمريكا ومع سوريا ومع غيرهم، لكي تأخذ منه بطاقة الدخول للناتو، بطاقة كما يبدو لن تكون مجانية.
في كل الأحوال وإن كرهنا أردوغان أو أحببناه، فهو إلى الآن يقفز على الحبال السياسية بشكل حذر لخدمة بلده وشعبه، حتى لو استخدم شعارات إسلامية وإقليمية وإنسانية، لكنه يعرف أن مصالح بلده فوق الجميع، وهذا هو الفرق بين الزعيم المحنك من أجل شعبه أو الزعيم الموظف على قيادة شعبه.
محمود آغا: رئيس تحرير مؤسسة الكومبس الإعلامية