المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: يحتوي العدد 44 من جريدة “الكومبس” الورقية الذي صدر الشهر الماضي (27 يونيو/حزيران)، ملفا كاملا عن وضع الضواحي، التي صنفتها الشرطة السويدية تحت مسمى “الضواحي المتضررة من الجريمة”، هذه المناطق التي بلغ عددها 61 ضاحية، منها 23 “ضاحية متضررة جداً” رصدت فيها السلطات أكثر من 200 شبكة إجرامية، تضم حوالي 5 ألاف شخص مشارك بجرائم جنائية.
كل ذلك، مع تصاعد أعمال القتل، وإطلاق الرصاص، وتجارة المخدرات إلى جانب الجرائم الاقتصادية، دفع بالشرطة، والأوساط السياسية إلى التحرك لمعالجة وضع وُصف بانه قابل للتفاقم.
لكن باعتراف الجميع تبقى جهود الجهات الأمنية والسياسية محاولات قاصرة، دون تعاون السكان أنفسهم وانضمام المنظمات المدنية والاتحادات والجمعيات المحلية ووسائل الإعلام إلى هذه الجهود.
دور وسائل الإعلام، وكما يمكن أن نراه، يجب ألا يقتصر على التقارير ونقل الأخبار، خاصة السلبية منها، بل يجب أن يكون محفزا لجميع الأطراف على ضرورة القيام بواجبها، بالإضافة إلى تعزيز الثقة بين السكان من جهة والسلطات والمؤسسات المعنية من جهة أخرى.
للصحافة والإعلام أيضا دور مميز في تغيير دور السياسيين غير الراغبين بإحداث التغيير والمكتفين فقط بإدارة سلطاتهم التي يتمتعون بها، وبما أننا نعيش في بلد ديمقراطي فأن تعزيز المشاركة الشعبية بالعمل السياسي هو الكفيل بمحاسبة ومراقبة وتحفيز عمل السياسيين المنتخبين، إلى البرلمان والمجالس النيابية في المحافظات والبلديات.
الديمقراطية التي أوصلت حزب تأسس على أسس عنصرية إلى البرلمان، ويمكن ان توصله للحكومة والسلطة، هي الديمقراطية نفسها التي يمكن أن توقف أفكار هذا الحزب والأحزاب الأخرى التي تماثل أفكاره، ولكن بشرط تحقيق مشاركة تناسب حجم وتنوع السكان المعنيين بهذه الديمقراطية.
لأن الديمقراطية لها أسس وحسابات رياضية إلى جانب شرط توفر ما يمكن اعتباره بيئة ومؤسسات وثقافة ديمقراطية. الخلل بالحسابات الرياضية للديمقراطية قد تسمح بما أسوأ، عندما يقف حزب معادي لك ويستمد شعبيته من أفكار تعتمد على تصنيفك أقل قيمة منه، ليوهمك بأنه يدافع عنك ويريد مصلحتك ولكن شرط أن تعرف قيمتك، والتي هي أقل من قيمة السويدي الأصلي، حسب تصنيفات الأحزاب العنصرية.
الديمقراطية التي ينتقي منها الحزب العنصري ما يعجبه ويتغاضى عما لا يعجبه، هي نفسها التي تضع كل مشاكل البلد والمجتمع على المهاجرين وعلى سكان الضواحي وتصفهم بالمجرمين والخارجين عن القانون لسبب واحد فقط هو أنهم مهاجرون ولاجئون وليسوا سويديين أصليين.
فالاستعانة بإثارة المشاعر الدينية أو القومية هو أسلوب الجبناء، ليس هناك أسهل من أن يلجئ شخص أو حزب إلى أسلوب إثارة المشاعر الدينية أو القومية، لضمان نتائج جمع التأييد حوله ولصالح رأي أو هدف ذاتي وسلطوي يسعى له، كما يمارس حزب سفاريا ديموكراتنا.
المحافظة على جوهر عمل الإعلام في الكشف عن الحقائق ونقل الأخبار والصورة كما هي سيكون كفيلا بنجاح دوره الفاعل بالتواصل مع مشاكل وخصوصيات الضواحي المهمشة أو المتضررة من جراء تفشي الجريمة، لأن الصعوبة في خوض هذه المهمة تتمثل باستحالة أن يتحول الإعلام إلى وسيلة تلقين وإرشاد وتوجيه تفرض سلطاتها على المتلقي. بل في ان يبقى الإعلام والصحافة سلطة لصالح الحقيقة وفي خدمتها.
الكتابة عن الأحداث التي تقع بشجاعة وشفافية، دون تضخيم أو تهويل، والكتابة أيضا عن بعض الحوادث التي لا تقع أيضا، والمقصود هنا وصف ونقل لصور يومية عادية من حياة هذه المناطق، دون شرط انتظار وقوع حوادث، لإظهار الجوانب الإيجابية وقصص نجاح من يشقون طريقهم بهذا المجتمع رغم الصعوبات المادية والاجتماعية.
هناك دور كبير للإعلام أيضا في إظهار قيم ومبادئ المجتمع الجديد، دون نقصان أو تشويه، مع توضيح أن أحد ما غير مضطر لتغير هويته الدينية أو الثقافية الخاصة، لكي يكون مقبولا بالمجتمع الجديد. الثقة بمبادئ المجتمع يؤدي إلى تعزيز الثقة بالمجتمع وبالسلطات والمؤسسات المسؤولة عن إدارة شؤوننا.
تقارير الشرطة وصفت بعض الضواحي بأنها محاطة بأسوار غير مرئية لكنها صعبة الاختراق، نسجتها العصابات والعزلة والجهل وعدم المعرفة أو عدم الرغبة بمعرفة الآخر، فهل تنجح الصحافة باختراق أو هدم هذه الأسوار؟
رئيس تحرير شبكة الكومبس الإعلامية
د. محمود صالح آغا