رسالة البابا الى قادة العراق: هل سيُحسنون السمع؟

: 3/8/21, 2:50 PM
Updated: 3/8/21, 2:50 PM
AP Photo/Andrew Medichini)
AP Photo/Andrew Medichini)

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

رأي: انتهت زيارة البابا فرنسيس الشجاعة الى العراق، أمضى فيها أيامه الثلاث في زيارات مكوكية لأنحاء مختلفة من البلاد، بَشر فيها بالمحبة والسلام، داعياً الجميع الى التوحد تحت خيمة العراق.

وبغض النظر على التسميات الكثيرة التي وصفت بها الزيارة البابوية، فأن أقل ما يمكن ان يُقال عنها انها زيارة أيقظت المشاعر الوطنية للعراقيين وذكرتهم بحقيقة انهم بلد متعدد الأديان والأجناس وأنهم لطالما تعايشوا ضمن هذا المفهوم، كما اظهر البابا تفهمه لمعاناة المسيحيين وغيرهم من الطوائف في البلاد وما مروا به من تجارب عصيبة.

زيارة البابا حملت معاني كثيرة ليست حصراً على العراق فقط بل على دول المنطقة وامتداداً الى العالم بأجمعه في الوقت الذي تشتد فيه الصراعات الدينية والمذهبية والعنصرية والقتال على الهوية.

زيارة البابا ايقظت حقا المشاعر لدى العراقيين، ولم يقتصر ذلك على أولئك الذين يعيشون في العراق فقط بل الموجودين في بقاع العالم أجمع. زيارة منحتهم الدفء والإحساس بان أصواتهم سُمعت في النهاية وبأن العالم التف الى محنتهم أخيراً بزيارة شخصية دينية هي الأبرز من نوعها.

بدأ الجميع من ساسة ورجال دين وأحزاب وشخصيات مستقلة ملتفين حول البابا ومشيدين بزيارته التاريخية وبكل الحِكم والعبارات الذكية التي نطق بها. حديث البابا وجمله القصيرة الواسعة المعاني، كانت العنوان الأبرز لزيارته، فهل أصغينا السمع حقاً؟ وهل سنشهد جديداً في العراق يمنح العراقيين أمناً حقيقاً ومساواة عادلة وأن يتحمل قادة البلاد مسؤوليتهم تجاه هذا الشعب المغلوب على امره؟

هل سنأخذ حديث البابا على محمل الجد ونجرب على الأقل ان “ننقي قلوبنا من الأكاذيب والازدواجية والأمان الزائف”؟ هل يمكن لقادة العراق ورؤساء أحزابه ورجال الدين ان يتحملوا المسؤولية وان لا يقفوا مكتوفي الأيدي بينما يعاني اخوانهم وأخواتهم وان ينظفوا قلوبهم من “الطموحات المبكية للسلطة والمال”، هل يمكنهم حقاً ذلك؟

هل وعي أصحاب القرار في العراق كلام البابا فرنسيس، هل أدركوا معناه حقاً، هل عرفوا ان الشعب مسؤوليتهم وانهم انهالوا قسوة وظلماً على شعب لم يرحمه قادته، لم يمهلوه نفساً حراً، منعوا عنه الحياة وضيقوا عليه الفرص والخناق، سلبوه الكلمة والرأي، جعلوه يتوسل حقوقه في أن يعيش حراً أبياً كريماً، زرعوا الحواجز الدينية والقومية والعشائرية بينه، قسموه ليضعفوه ثم اعادوا تنظيمه من جديد ما يخدم مصالح أحزاب يترأسها أفراد حولوا العراق الى ساحة لتصفية الحسابات وتحقيق المصالح الذاتية والطائفية.

هل وعى أصحاب القرار في العراق، حديث البابا وان العراق سيكون في الآخر للعراقيين وأن وضع مصالح البلاد والشعب في الأولوية وتنقية النفوس والصدق والسلام الداخلي والتسامح هي الأسس الأولية لبناء بلد بقياسات جميع العراقيين، بلد قائم على أساس المواطنة وليس على أساس الانتماءات الدينية والعرقية والطائفية، بلد قائم على ان الدين لله والوطن للجميع، هل وعى قادة العراق حديث البابا حقاً؟

لم يتطرق البابا في حديثه الى المسيحيين فقط، بل تحدث الى جميع العراقيين، بأن يتوحدوا وان يتسامحوا ويتعايشوا على أرض السلام، ارض الأنبياء، مشيراً الى ان طريق الشفاء من التجارب المريرة قد يكون طويلاً، لكنه يجب ان يكون قائماً على التسامح وقبول الآخر، ولأن البابا ليس شخصية دينية فحسب، بل قائد متعمق في النفس البشرية، عارف بنوازعها وخباياها، لذا لم تعوزه الحيلة في معرفة ان توفير السلام والأمن والمواطنة الحقيقية للعراقيين باختلاف أديانهم وطوائفهم هي مسؤولية ملقاة على قادة وصناع القرار العراقيين وليس غيرهم.

كشعب، أثبت العراقيون بشجاعة كعادتهم دائماً وفي مرات عدة أنهم ورغم كل ما مروا به من عواصف ومحن، شعب واحد ومصيرهم واحد على أرض العراق، وأن الرهان كان وما زال منصباً على قادة العراق في فهم هذه الحقيقة.

أمن وسلامة العراقيين هو أمر مرهون بسياسات قادته، فهل سيُمهل القادة أنفسهم الوقت للتفكير في حديث البابا للبدء بفصل جديد من كتاب العراق.

لينا سياوش

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.