المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: قد يكون فهم مدى حساسية أطفالنا مهماً في مساعدتنا على التعامل مع المواقف المختلفة معهم وفيما بينهم.
ضمن التصنيف الاسكندنافي الذي تم اعتماده عالمياً سنة 2005 من قبل موقع Sensitivity Research التابع لجامعة أريزونا قدم الباحثان بويس وأليس مقياساً معتمداً لقياس مستوى حساسية الأطفال ويسمى قياس HSP والذي أدخل من حينها إلى لغة علم النفس التطوري.
أن الأشخاص ذوي الحساسيّة العالية هم أكثر عرضة للمعاناة في ظل الظروف المُرهِقة، وهم أيضاً أكثر من يتقبل التجارب الإيجابية والداعمة. في حين يميل الأشخاص ذوي الحساسية المنخفضة إلى أن يكونوا أكثر مرونة عند مواجهة الشدائد، لكنهم قد لا يستفيدون من التجارب الإيجابية كالأشخاص ذوي الحساسية العالية.
اختبار HSP يعتمد ثلاثة أسئلة يحدد فيها الفرد درجة حساسيته في سلم تدريجي من 1 إلى 12 نقطة تقيمية
والأسئله هي:
- هل ترتبك بسهولة من بعض المؤثرات كالأضواء الساطعة أو الروائح القوية أو الأقمشة الخشنة أو سماع صفارات الإنذار؟
- هل تثير الفنون والموسيقى مشاعرك بشدة؟
- هل تشعر بالتوتر أو الرجفة عندما يتعين عليك أن تنافس أحداً أو أن تُلاحَظ أثناء أداء مهمة ما لدرجة تجعلك أداءك أسوأ مقارنةً بالظروف العادية؟
ومنها تحدد درجة حساسية الطفل التي صنفت عالمياً على تصنيف مجازي للزهور.

1-طفل زهرة الهندباء (ماسكروسبارن): يختزل ذلك قدرة بعض الأطفال -كالذين يملكون أنماطاً ظاهريةً قليلة التفاعل- على البقاء والازدهار مهما كانت الظروف التي يتعرضون لها، مثلما ينمو نبات الهندباء مهما كانت ظروف التربة أو الشمس أو الجفاف أو المطر.
أطفال كهؤلاء يمتلكون مهارات المرونة والقدرة على التكيف الإيجابي رغم التعرض لظروف شديدة.

2-طفل زهرة الأوركيد (اوركيدبارن): وهو طفل شديد الحساسية يرتبط بقاؤه وازدهاره ارتباطاً وثيقاً بطابع الرعاية أو الإهمال في البيئة المحيطة، كزهرة الأوركيد التي تذبل بسرعة في ظروف الإهمال، في حين تنمو وتزدهر في ظروف الدعم والرعاية.

3-طفل زهرة التوليب (توليب بارن): وهو الصنف الثالث من الأطفال ويتميز بمتوسط الحساسية والتأثر بالرعاية والإهمال في البيئة التي يعيش فيها.
الواقع في السويد
فقط في السويد هناك 500 ألف طفل من تصنيف أطفال الهندباء، وهم الأطفال الذين ينشؤون ويكبرون مع أحد الوالدين على الأقل، أحدهما أو كلاهما، يعاني من شكل من أشكال المرض النفسي كاعتلال الصحة أو سوء المعاملة أو ما يعرضهم للعنف. لا يزال هناك نقص في المعرفة حول كيفية تأثير ذلك على الفرد في مرحلة البلوغ. وبالتالي فإن الغرض من هذا المقال هو خلق فهم لكيفية مساهمة ظروف النمو في تكوين هوية طفل الهندباء وكيفية تأثيرها على رفاهية الفرد في مرحلة البلوغ، من منطلق الرفاهية الذاتية.
في دراسة ميدانية في بلدية بورلينغه وبالتعاون مع جامعة دالارنا تم منح 70 فرداً من خلفيات اثنية مختلفة ومن كلا الجنسين الذكور والاناث ،منح هؤلاء الأفراد مساحة لرواية قصصهم بأنفسهم، قصة عما كان عليه الحال عندما نشؤو في أسر مختلة وكيف أثر ذلك على مرحلة البلوغ. ومن خلال المنهج النفسي الاجتماعي، تم دراسةهذه الظاهرة بناءً على نظريات الرفاهية والمرونة والوصم والهوية.
الشعور بالسياق
“الإحساس بالسياق” (KASAM) هو إطار نظري في علم نفس الصحة طوره عالم الاجتماع آرون أنطونوفسكي في الثمانينات. وبحسب أنطونوفسكي، يعتبر KASAM عاملاً حاسماً في قدرة الناس على التعامل مع التوتر والحفاظ على صحتهم حتى في ظل الظروف الصعبة. يتكون KASAM من ثلاثة مكونات رئيسة:
1. الشمولية: يختبر الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الـKASAM حياتهم على أنها مفهومة. وهذا يعني أن لديهم القدرة على فهم وتفسير الأحداث التي تحدث في حياتهم ورؤية الروابط بين المواقف المختلفة.
2. سهولة الإدارة: تعني درجة KASAM العالية أن الناس يشعرون أن لديهم الموارد والقدرة على التعامل مع التحديات والمتطلبات التي تفرضها عليهم الحياة. يتعلق الأمر بالوصول إلى الموارد الداخلية والخارجية لمواجهة التوتر والمشاكل.
3. المعنى: يشعر الأشخاص ذوو الـKASAM العالي بأن حياتهم ذات معنى ولها اتجاه واضح. إنهم يشعرون بإحساس بالسياق والهدف في حياتهم، ما يمنحهم الدافع والطاقة لمواجهة تحديات الحياة. وفقاً لأنطونوفسكي، فإن KASAM ليست خاصية ثابتة بل يمكن أن تتطور وتتغير بمرور الوقت من خلال تجارب الحياة والسياقات الاجتماعية المختلفة. يرتبط KASAM القوي بصحة نفسية وجسدية أفضل، في حين أن KASAM الضعيف يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتوتر واعتلال الصحة.
36 شخص ممن شاركو في الدراسة الميدانية عرفوا أنفسهم كأطفال هندباء. النتيجة تتحدث كيف أن الظروف غير المواتية أثناء التنشئة تؤثر على خلق الهوية والرفاهية. يتم التعبير عن هذا من خلال أن الأفراد يدعون أنهم يمتلكون خصائص مميزة يُنظر إليها على أنها تأثير مباشر لـ”التجارب المؤلمة” خلال مرحلة الطفولة. غالبية هؤلاء الأفراد لديهم أيضاً حاجة واضحة إلى القدرة على التنبؤ في الحياة اليومية من أجل الشعور بالرفاهية.
ومن استنتاجات تلك الدراسة تبين لنا أن إهمال حاجة الفرد للرعاية هو السبب الأكبر، وغالباً يكون الجاني في تسبب إهمال الرعاية هو الوالد أو زوج الأم. وفي جميع البيانات يتم ذكر النفسية و اعتلال الصحة إما كمشكلة أساسية أو كتعايش مع أنواع أخرى من الأمراض و مشاكل مثل إلادمان والعنف الاسري أو التسلط الذكوري في علاقات الأسرة الواحدة. وتوجد علامات تحذيرية في سلوكيات أحد الوالدين.
سلوك الوالدين
يثير تصرف أحد الوالدين أو سلوكه في بعض الأحيان علامات تحذيرية تدل على إيذاء الأطفال. وتأتي هذه العلامات التحذيرية من سلوكيات أحد الوالدين التالية:
1. يبدي اهتماماً قليلاً بالطفل.
2. يبدو غير مُقدِّر للضغط البدني أو العاطفي الواقع على الطفل.
3. يلقي باللوم على الطفل عند حدوث المشكلات.
4. يستخف بالطفل اويوبخه باستمرار، ويصفه بعبارات سلبية مثل “عديم القيمة” أو “فاسد”.
5. استخدام وسائل التأديب البدني القاسية.
6. يطالب الطفل بتقديم مستوى مختلف من الأداء البدني أو الأكاديمي.
7. يقيد تواصل الطفل مع الآخرين بدرجة مبالغ فيها.
وأختم هذاالمقال بكلمة مؤثر للشاعر جبران خليل جبران
إن أطفالكم ما هم بأطفالكم”
فلقد وَلَدهم شوقُ الحياة إلى ذاتها
بِكُمْ يَخرجون إلى الحياة، ولكن ليس مِنكُم
وإنْ عاشوا في كنَفِكُم فما هُم مِلْكَكُم
قد تمنَحونَهُم حُبَّكُم ولكن دونَ أفكارِكم
فلَهُمْ أفكارُهم
ولقد تؤون أجسادَهم لا أرواحهم،
فأرواحُهُم تَسْكُنُ في دار الغد…”.
فاروق الدباغ
استشاري السلوك المعرفي والتنمية البشرية