المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – منبر: انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام صورة لمواطنين دنماركيين يتحلقون حول مسجد لحمايته، لكن بعض النشطاء كتبوا خطأ تحت الصورة، أن هؤلاء المواطنين يهدفون إلى حمايته من قرار يرمي إلى هدمه، صادر عن بلدية المنطقة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن.
بعد التحري عن صحة الخبر، وبعد وصول توضيحات للكومبس من حسين الداوودي نائب رئيس الوقف الاسكندنافي في السويد، تبين أن حقيقية ما تظهره هذه الصورة هو قيام الدنماركيين بحماية رمزية للمسجد بأجسادهم، بعد محاولة اعتداء قام بها عنصريون، تهدف إلى حرقه، المحاولة جرت في 16 آب/ أغسطس، ووقفة التضامن مع المسجد ومشهد حمايته من قبل هؤلاء المواطنين حصلت بعد أسبوع أي في 22 أب/ أغسطس.
المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي والفيسبوك تحديدا، يجد عادة، بمثل هذه الصورة قيمة تداول كبيرة، قيمة هذه الصورة قد تتمثل بالتساؤل التالي: ما الذي يدفع بمواطنين دنماركيين على التحلق حول مسجد في إشارة رمزية لحمايته من أي اعتداء؟ خاصة في ظل الدعاية السيئة التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا؟
لا اعتقد أن سيارات شحن أو باصات خاصة استأجرها النظام الدنماركي، لتجميع الناس وارسالهم راغبين أو مكرهين إلى المكان لمحو صفة العنصرية عن الدنمارك أمام العالم، كما كانت شاحنات وباصات الأنظمة الديكتاتورية تقوم به من مهمة تجميع للناس في مناسبات تخدم تلك الأنظمة.
كما لا يمكن لأحد أن يصدق أن الوقف الإسلامي المشرف على المسجد قدم حوافز معينة للراغبين بالمشاركة في طقوس حماية المسجد الرمزية، كما تشير عادة مؤسسات العلاقات العامة التي يوكل لها تبني مشروع ترويجي أو دعائي في الدول الغربية.
ومن المستبعد أن عقيدة هؤلاء الملتفين حول المسجد بأجسادهم وهم متشابكي الأيدي من مختلف الأعمار لحمايته يمكن أن تتطابق مع العقيدة الإسلامية، خاصة ضمن واجب حماية المساجد، لنيل الثواب ودخول الجنة.
ما هو ثابت وراسخ أن الذي حث هؤلاء على التجمع والتحلق حوله، هو الشعور بواجب حماية المجتمع القائم على التسامح والتعددية وقبول الآخر، ظاهريا ورمزيا الحماية لجدران مسجد التوبة في العاصمة الدنماركية، لكن فعليا وعمليا، هم يحمون وطنهم ومجتمعهم من آفة الكراهية والعنصرية، ومن خطر انهيار الديمقراطية التي يعتزون بها والتي كلفتهم الكثير قبل تشييد أعمدتها.
لا يستطيع الدنماركي او السويدي او الأوروبي اجمالا، نسيان الماضي والتغاضي عن دروس التاريخ، والتاريخ بالنسبة لمن يعتبر ليس مجرد قصص مسلية، أو مواد في مناهج دراسية.
هذه الصورة، يمكن أن تزيد من واجب المسلمين ومن واجب جميع فئات المجتمع، على تحمل المسؤولية، ومساعدة هؤلاء المبادرين إلى مثل هذه النشاطات الرمزية الهامة. واجب تحمل المسؤولية يعني زيادة الشعور بمبدأ المواطنة والشراكة المجتمعية، والمساهمة في حماية البلدان التي تحمينا.
لا أحد يطلب من قادم جديد أو مقيم قديم، أن يشعر بأنه مواطن بدرجة أدنى، هذا الشعور المربك والهدام يوازي الشعور بالاستعلاء والتميز ورفض الاندماج والانقياد وراء أفكار التعصب والتطرف.
الدعوة هنا للمشاركة في حماية مجتمع وبلد ووطن، اختزنا أن نعيش به مخيرين أم مجبرين، ويمكن أن يعيش به أولادنا أيضا. وعلى الرغم من مشاهدات عديدة تبين تفشي أمراض الكراهية بين فئات من أصول مهاجرة، قادمة من الشرق تحديدا، إلا أن هذه المشاهد لا يمكن أن تكون قاعدة أو حتى ظاهرة، لأن الشرق منبع الحضارات، ومنبع الأديان السماوية، ومنبع التسامح، لا يمكن لهذا المنبع أن ينضب بمجرد انتقال جزء منه إلى السويد أو أوروبا.
لذلك يمكن القول وبقوة: حماية جدران مسجد، يمارس به جزء من المواطنين عباداتهم، باعتدال ورفض للتطرف وبقبول قيم المجتمع الذي يعيشون به، هو فعل حماية للمجتمع ككل ولقيم هذا المجتمع السامية.
محمود صالح آغا
رئيس تحرير شبكة الكومبس