المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: جميعنا يشاهد شجرة الميلاد التي توضع هذه الفترة من السنة في المنازل، وحتى في العديد من الساحات العامة بالكثير من الدول، ونرى كيف يجري تزيينها بالأضواء والكرات والعديد من أشكال الزينة المتنوعة والحديثة. لكن قد يتسائل الكثير منا عن سبب استعمال شجرة الميلاد؟ وكيف انتشرت؟ ومن استخدمها أولاً؟
الإنقلاب الشتوي وتعافي الإله الشمس
كان للنباتات والأشجار الدائمة الخضرة، معنى مميز في فصل الشتاء للقدماء. وحتى قبل إنتشار الديانة المسيحية كان يزين الناس منازلهم خلال مواسم الأعياد بأغصان أشجار الصنوبر والتنوب، وكان القدماء يعلقون نباتات دائمة الخضرة، على أبواب منازلهم ونوافذهم. وفي المناطق الإسكندنافية والحضارات الأخرى كان يُعتقد أن الاشجار الدائمة الخضرة، تُبعد السحرة، والأشباح، والأرواح الشريرة، والأمراض.
يقع أقصر يوم وأطول ليلة بالسنة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية في 21 أو 22 كانون الأول (ديسمبر) ويسمى بالإنقلاب الشتوي. وكان القدماء يؤمنون أن الشمس إلهاً، وأن الشتاء يأتي كل عام لأن الإله مريض وضعيف. فاحتفلوا في هذا اليوم لأنهم اعتقدوا أن الإله الشمس سيعود إلى صحته. بينما ذكرتهم الأغصان الدائمة الخضرة بجميع النباتات الخضراء التي ستنمو مجدداً عندما يعود الإله الشمس إلى قوته، ويعود معه فصل الصيف.
كان المصريون القدماء يعبدون الإله “رع” الذي يملك رأس صقر، ويرتدي الشمس كقرصاً براقاً في تاجه. وفي فترة الإنقلاب، عندما يتعافى “رع” مجدداً من المرض، كان المصريون يملؤون منازلهم بسعفات نخيل خضراء التي رمزت إلى إنتصار الحياة على الموت.
بينما احتفل الرومان القدماء بالإنقلاب الشتوي بإقامة وليمة دعيت “ساتورناليا” تكريماً لـ “زحل” إله الزراعة. وعرفوا أن الإنقلاب يعني اقتراب اخضرار وإثمار المزارع والبساتين، وإحتفالاً بالمناسبة كانوا يقومون بتزيين منازلهم ومعابدهم بأغصان دائمة الخضرة.
وفي بريطانيا القديمة قاموا أيضاً بتزيين المعابد بالأغصان رمزاً للحياة الأبدية.
أما الفايكينغ في اسكندنافيا إعتقدوا أن النباتات الدائمة الخضرة كانت علامة مميزة للإله الشمس “بالدر”.
الشجرة الخضراء رمز الحياة الدائمة
أول من استخدم شجرة في الإحتفال بالأعياد هم الألمان وذلك قبل إنتشار المسيحية بفترة طويلة، وكانوا يعتبرون الشجرة الخضراء رمزاً للحياة الدائمة والبقاء، لذلك تُنسب بداية تقليد شجرة الميلاد إلى ألمانيا. وفي القرن السادس عشر أحضر المؤمنون المسيحيون أشجاراً مزينة إلى منازلهم، وبنى آخرون أهرامات مخصصة للعيد من الخشب ومزينة بنباتات دائمة الخضرة، وشموع. وكان المُصلِح البروتستانتي “مارتن لوثر” أول من أضاف الشموع إلى الشجرة. بعدما كان عائداً من قداس في الليل، رأى النجوم تتلألئ بين الأشجار الخضراء، فقام بتثبيت شموع بين الأغصان، ليستعيد المشهد أمام عائلته.
شجرة الميلاد في الديانة المسيحية
لا يرتبط تقليد شجرة الميلاد بنص ديني من الإنجيل، بل كان استخدامها يرتبط بالأعياد الرومانية التي أعطتها المسيحية معانٍ جديدة. فقد استخدم الرومان شجرة “شرابة الراعي” كجزء من زينة عيد ميلاد الشمس التي لا تقهر، لكن مع تحديد عيد ميلاد المسيح يوم 25 كانون الأول أصبحت جزءاً من زينة الميلاد وتمّ اعتبار أوراقها ذات الشوك رمزاً لإكليل المسيح، وثمرها الأحمر رمزاً لدمه.
وارتبط استخدام الشجرة أيضاً بطقوس خاصة بالخصوبة والطبيعة، ما حذا بالسلطات الكنسيّة إلى عدم تشجيع استخدامها ولكن هذا التقليد ما لبث أن انتشر بأشكالٍ مختلفة في أوروبا، خاصّة في القرن الخامس عشر في منطقة الألزاس بفرنسا حين اعتبرت الشجرة تذكيراً بـ “شجرة الحياة” المذكورة في سفر التكوين من العهد القديم، ورمزاً للحياة والنور (ومن هنا عادة وضع الإنارة عليها). وقد تمّ تزيين أول الأشجار بالتفاح الأحمر والورود وأشرطة من القماش. وذكرت أول شجرة في وثيقة محفوظة إلى اليوم في ستراسبورغ سنة 1605.
واستخدمت أول شجرة ضخمة في القصر الملكي بإنكلترا سنة 1840. على عهد الملكة فيكتوريا، بعد أن أدخلها زوجها الأمير الألماني ألبرت، ومن بعدها انتشر بشكلٍ سريع استخدام الشجرة كجزءٍ أساسيّ من زينة الميلاد.
شجرة الميلاد في السويد
عندما بدأت تظهر الشجرة في السويد، كانت على شكل مجموعة من الديكورات المعمولة من الأغصان الحية، لكن مع الوقت سادت الموضة الألمانية. وبدأ وضع الأشجار داخل المنازل في السويد منذ العام 1741، لكنها استغرقت وقتاً قبل أن تنتشر في المزارع والقصور.
كانت أشجار الميلاد في الماضي صغيرة ويمكن وضعها في وعاء أو على طاولة، ويجري تزيينها بالشموع والحلوى والفواكه. وكانوا يعلقون عادة تفاحاً لتثقيل الأغصان، كي تثبّت عليها الشموع بشكل مستقيم.
وفي بداية القرن العشرين بدأ الريفيون السويديون بتزيين الأشجار، وبدأت تباع الزينة المختلفة الأشكال في الأسواق، كالتفاح الأحمر، والقلوب، والكرات الثلجية الورقية، وأصبح تقليداً شائعاً تعليق الأعلام السويدية الورقية الصغيرة المثبتة بدبوس على الأغصان الكبرى في الشجرة، وحتى انتشرت أكاليل من أعلام الدول الإسكندنافية كلها سويّة.
ومن الملاحظ أن الأوروبيين استخدموا أشجاراً صغيرة بطول أربعة أقدام، بينما استخدم الأمريكيون أشجاراً طويلة تصل إلى السقف.
نادر عازر
nader@alkompis.com
المصدر: قناة History