المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: استدعت السعودية أول أمس سفيرها في السويد إلى الرياض في تصعيد لموقف الاحتجاج على تصريح وزيرة الخارجية السويدية (مارغوت فالستروم) عن انتهاكات حقوق الإنسان، والديمقراطية في السعودية، وإيقاف السويد للعمل بالاتفاق العسكري بين البلدين. وبينما لقي الحدث/الأزمة صداه في الصحافة العالمية، حيث كتبت عنه صحف الغارديان، والفايننشال تايمس، مثلاً فان العالم العربي يخيم عليه صمت القبور.
من الطبيعي أن يكون هذا الحدث موضوع الساعة في السويد، وأن يحظى بنقاش واسع في وسائل الإعلام، ولكل حزب وطرف ومحلل رأيه وحساباته وأولوياته والنتائج المتوقعة وتأثيرها على السياسة والاقتصاد السويدي.
شخصياً انظر للحدث من زاوية اهتمامي بحالة حقوق الإنسان والديمقراطية والأحداث في البلاد العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وأعتقد بأن الرسالة التي تضمنها تصريح وزيرة الخارجية السويدية قد وصلت وأصابت الهدف وحققت المراد منه. لقد أعطت مثالا وأكدت بوضوح على مايلي:
1- أهمية الكلمة ودورها وتأثيرها وقدرتها على التغيير، وإن الأنظمة القمعية أكثر إدراكا من ضحاياها لهذا الدور، وإن ما رسخته هذه الأنظمة القمعية لدى المواطن بـ (أن الحكي لا يفيد)، هو كلام يراد به خداع المواطن وتضليله وإسكاته طوعا، وإذا نطق فالقوة له بالمرصاد!
2- الانتهاكات الفظة والمريعة لحقوق الإنسان في السعودية وبقية والبلاد العربية، فهي حينما تقابل تصريح لمسؤول في دولة أجنبية كالسويد، وهو خارج سيطرة هذه الدول، بردود فعل وإجراءات متخلفة، فلنا أن نتصور كيف ستتصرف هذه الدول مع مواطنيها وهم تحت سلطتها وسيطرة أجهزتها القمعية!
3- من خلال صمت القبور المخيم على الساحة إزاء الحدث، فهو تأكيد ودليل جديد على غياب دور المثقف، أو مساهمته في تركيع المواطن وتخديره ليغط في نوم إلهنا، حيث لا يصحو إلاّ على وقع الكوارث، ليملأ الدنيا حينها صراخا وزعقا: أين المدافعون عن حقوق الإنسان؟ فيرد عليه صوت آخر: حقوق الإنسان مفهوم وثقافة غربية ومؤامرة وأكذوبة يراد بها خداعنا. وزيرة الخارجية أعطتكم مثالا ومنحتكم فرصة فأين انتم؟
4- أن المال (الخليجي) يمكن أن يشتري كل شيء في بلاد العرب أوطاني (من الشام لبغدان)، حيث إن دولة فلسطين، التي بادرت السويد قبل عدة شهور واعترفت بها كدولة مستقلة، وكانت أول دولة أوربية غربية تعترف بها، وفتحت الطريق وحفزت دول أخرى للاعتراف، وواجهت الانزعاج والغضب الأميركي والإسرائيلي، قد وقعت على البيان الذي يستنكر تصريح وزيرة الخارجية السويدية، التي استقبلت محمود عباس رئيس دولة فلسطين في ستوكهولم قبل أسابيع ليفتتح سفارتها هناك، وكان بإمكان ممثل دولة فلسطين، لو ابتعد ولو قليلا عن حساب الربح والخسارة المالية – كما فعلت السويد – أن يتحفظ على البيان … أقول لو!
من الواضح أن هذا النهج السياسي للحكومة السويدية، الذي يعتمد مبادئ العدالة وحقوق الإنسان في العلاقات الدولية واجه ويواجه صعوبات جمة على الصعيد الداخلي والخارجي، ولكن للسويد، حكومة وشعباً، خاصة في زمن (اولوف بالمه) – رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والحكومة 1969 – 1976، وأعيد انتخابه سنة 1982، واغتيل في 28 فبراير/شباط 1986 – تقاليد وحضور ومواقف وتجربة لا يستهان بها، تضمن لها الاستمرار وتجاوز الصعوبات.. والأزمات.
محمد ناجي
muhammednaji@yahoo.com
المقالات تعبر عن رأي كُتابها وليس بالضرورة عن رأي الكومبس.