المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
( 1 )
مقالات الرأي: بعد حصولي على الإقامة في السويد تقدمت للحصول على شهادة قيادة سويدية، فكان المطلوب مني أن أجتاز فحص نظري وفحص عملي، لكي يسمح لي بقيادة سيارة في السويد ودول الاتحاد الاوربي.
الفحص النظري كان في كتاب مؤلف من 300 صفحة .. فقلت في نفسي … لدي سفرة بعد كم يوم 13 ساعة بالطيارة ذهاباً، ثم 13 ساعة إياباً، فالنظري أمره بسيط ان شاء الله، أستطيع قراءة الكتاب في الطيارة وتذكرت اني مهندس ميكانيك وكثير من المعلومات في الكتاب من منسياتي، يعني معلومات خاصة بتعريف المحرك وتعريف الاحتراق والفرامل ودارة الزيت و ..أكيد ستكون بسيطة بالنسبة لي!
أقلعت الطائرة ( ذهابا )، فتحت الكتاب وبدأت بالقراءة وعند الهبوط ( بالعودة ) كنت قد أنهيت 80 صفحة من الكتاب فقط ! الكتاب ليس معقداً أبدا وباللغة العربية وممتع. متعة الكتاب كانت تكمن في كيفية تشغيل عقلي لفهم أمور كنت أعتقد أني أفهمها!!
تقدمت للفحص النظري في اليوم الثاني لعودتي من السفر، وكان أسلوب الفحص النظري أبسط من أسلوب الكتاب بكثير، الفحص بنظام ( اختر الاجابة الصحيحة من الأجوبة الثلاثة التالية )، الفحص فيه 65 سؤال -خلال 50 دقيقة – و كان علي ان اجيب على 52 سؤال فقط بشكل صحيح لكي أنجح …. للأسف حصلت على 47 / 65.
الفحص العملي: قلت في نفسي … أنا أقود سيارة منذ اكثر من 28 سنة، وأغلب شغلي سفر، يعني اقود السيارة بمعدل (5000 -7000 كلم / شهريا )، وجميع إشارات المرور “شايفها وهاضمها”، يعني العملي “ما بخوف”.
ذهبت الى الفحص العملي، وكان مقسم الى 5 قطاعات:
- القيادة داخل المدينة.
- القيادة على طريق ريفي.
- القيادة على طريق ( اوتوستراد ).
- طريقة التعامل مع الامورالمتعلقة بالبيئة.
- طريقة التعامل مع الاشارات المرورية والمشاة والدراجات الهوائية والناقلات العامة.
المهم لا يوجد في الفحص العملي – صف سيارة بين سيارتين – حسب نظام الفحص العربي، ولكن كان المطلوب النجاح في الخمس قطاعات جميعا.
نعم سيدي…
رسبت أيضا بالفحص العملي، لقد رسبت في القطاع الثاني والخامس .. في اللاوعي كنت لا أقبل أنني رسبت، وأحاول أقناع نفسي بأسباب الرسوب غير المباشرة !! ولكن كان الوسط العربي المحيط بي يؤكد لي بشكل يومي صعوبة إجتياز الفحص النظري والعملي، وبدأت الإقتراحات العربية لاجتياز الفحص تظهر أمامي:
- شراء شهادة سواقة من اليونان، نظامية 100%، دون ان أذهب لليونان، ثم يتم تحويلها رسميا الى شهادة سويدية، لأن الشهادات في دول الاتحاد الأوربي معترف بها.
- دفع رشوة ( للفاحص ) ولكن يعتبرأمرخطيرجدافيا لسويد، ولكن الموضوع مسألة وقت وسوف يجدالبعض المفتاح!
- أن يقدم الامتحان شخص آخر، مختص بهذه الموضوعات ( شغلته يقدم فحص)!!
طبعا بعض العرب، في اوربا لديهم سمعة مميزة في طريقة قيادة السيارات، يتمتعون بفهمهم العميق للقوانين وبالانضباط التام بها واحترام الاخر.( فالغاية تبرر الوسيلة عند البعض منهم)..!!
لا تسألوني كيف نجحت سأخبركم في ( 2 ) التالي !!؟؟
( 2 )
بالعودة الى المحتوى النظري للكتاب المطلوب دراسته لنيل شهادة قيادة سويدية، يقوم الكتاب على رؤية مستقبلية في مفهوم قيادة السيارات وأخلاقيات القيادة، هذه الرؤية تسمى (( الرؤية الصفرية )).
تعتمد هذه النظرية، التي بني حولها الكتاب على ان يكون عدد الوفيات في السويد بسبب حوادث المرور ما بعد عام 2020 هو ” صفر “!
الكتاب يضع المتعلم الجديد والراغب في قيادة السيارة، أمام مسؤولية فريدة اولا، ومسؤولية مجتمعية ثانيا، ويضع الكتاب أيضا الحكومة السويدية أمام مسؤولية أكبر كونه يشرح بشكل واضح للمتعلم مسؤولية الوزارات المختصة والبلديات عن جودة الطريق وسلامة مستخدميه.
ومن قرأ الكتاب يستطيع ان يدرك عدد الجهات المختصة التي شاركت في وضع الكتاب ويدرك حجم التجارب والاختبارات التي تم دراستها وتحليلها قبل ادراجها في الكتاب، ويستطيع ان يدرك الربط السليم بين الواقع النظري للكتاب والواقع العملي، كل هذه الجهود مجتمعة هي موجهة لضمان تحقيق ” الرؤية الصفرية ” لدى الجيل الجديد من السائقين.
وفي اخر طبعة للكتاب عام 2015 ، يوضح أن عدد الحوادث على مستوى السويد أصبح اقل من 4000 حادث في السنة، ويوضح الكتاب أيضا ان معدل الحوادث في الشهر الاول من السنة الميلادية هو اعلى معدل شهري للوفيات، فقد وصل عدد الوفيات في الشهر الاول من عام 2015 الى 21 شخص في كل السويد وكان 50% من الحوادث بسبب الثلوج وانزلاق السيارات.
ويكفي ان نعلم ان عدد الحوادث المرورية في السعودية على سبيل المثال لا الحصر من نفس العام، قد بلغ 86 الف حادث ( مسجل رسميا)، و قد بلغ معدل الوفيات باليوم الواحد 17 شخص، اي في كل 42 دقيقة هناك ضحية بسبب حادث مروري، في قلب أقوى إقتصاد عربي، يستخدم أحدث السيارات ولديه أفضل شبكة طرق.
بالعربي الفصيح:
” في الدول العربية نحن لا نقود سيارات نحن نقود أدوات جريمة “!
و من الصعب جدا في الوقت الحاضر ان تقنع الانسان العربي والمجتمع العربي والحكومات العربية بانهم بحاجة لاعادة تأهيل كامل وجذري، فالافراد و الحكومات ( مجتمعين ) بحاجة لإعادة تأهيل في فهم ألف باء علم قيادة السيارات وصناعة الطرق، وفي كيفية ممارسة القيادة السليمة، وإعادة تأهيل في فهم المسؤوليات والآداب العامة للطريق!
هل يوجد أمل ؟
نعم، ولكن ساخبركم لاحقا!
مهند مصطفى خضير
نورشوبينغ – السويد
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن رأي الكومبس