صعود اليمين… مسؤولية من؟

: 9/15/22, 6:15 PM
Updated: 9/15/22, 10:55 PM
صعود اليمين… مسؤولية من؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

ثلاثة أحداث رئيسية عاشتها السويد في عام الانتخابات، لا يمكن مطلقا العبور عليها دون ربطها بالنتيجة الحالية التي أوصلت اليمين إلى الحصول على أغلبية في البرلمان، وإلى حصول حزب ديمقراطيو السويد المتطرف المعادي للهجرة والمهاجرين على عدد كبير من الأصوات يجعله الحزب الثاني في البرلمان. فإثارة قانون الرعاية الاجتماعية، وشن حملات ممنهجة يقودها رموز إسلامية من خارج السويد، لإثارة قضية محلية، وإقامة برنامج شبه أسبوعي ممنهج لإحراق نسخ من المصحف الكريم في أحياء المهاجرين، واستثارة بعض الطائشين للقيام بردود فعل غير محسوبة العواقب للتخريب. وأخيرا إنشاء حزب جديد يلعب على نفس هذه النقاط؛ ليؤدي دروا مزدوجا في خدمة اليمين. لا يمكنني غض النظر عن كل هذه الأحداث مجتمعة، وربطها بما أفرزته انتخابات 11 سبتمبر 2022.

مع بداية عام الانتخابات 2022، أثير ما عرف إعلاميا في وسط المهاجرين بقضية (سحب الأطفال)، حيث أشيع أن خدمات الرعاية الاجتماعية (تخطف أطفال المسلمين)، وقد تم إثارة هذه الحملة بشكل ممنهج من وسائل إعلام عربية خارج السويد، وبحشد كبير من رجال الدين، وتوقيع أكثر من 200 شخصية إسلامية بعضهم تحوم حولهم شبه التطرف أو الانحياز إلى الإسلام السياسي. هذه الحملة استغلت وجود الأخطاء في تطبيق قانون الرعاية الاجتماعية للأطفال، وجعلت منها قضية مركزية تصور السويد بأنها تستهدف أبناء المسلمين، الأمر الذي حرك مؤسسات محلية سويدية، لتقوم برد فعل عكسي، مواجها لهذا الخطاب، وفي الوقت نفسه استغل اليمين المتطرف هذه الفرصة ليؤكد -في كل وسائل إعلامه- أن السويد وقيمه وقوانينه مستهدفة من قبل المهاجرين المسلمين، الذين يحرضون على السويد ومؤسساته، ويريدون تغيير قوانينه لتتكيف مع ثقافتهم.

وفي موقف مواز أيضا برزت تحركات ممنهجة للمتطرف الدنماركي السويدي راسموس بالودان، الذي نظم عمليات إحراق مجدولة لنسخ من القرآن في أحياء مختلفة من السويد، مستهدفا بشكل خاص تلك الأماكن التي يكثر فيها المهاجرون المسلمون. وهو الأمر الذي حرك بعض العناصر الذين انطلقوا للتخريب ومهاجمة الشرطة، وبعض الممتلكات العامة والخاصة. كانت الفكرة المعلنة بالنسبة لراسموس هي أنه يثبت للسويديين أن المسلمين لا يقبلون التعبير عن الرأي، وأنهم يريدون فرض ثقافتهم بالقوة. وهذا الأمر أيضا تلقفته وسائل إعلام اليمين لتؤكد حججها أن المهاجرين -وخاصة المسلمين- يشكلون تهديدا وجوديا للسويد، وأنهم سوف يحولون السويد إلى بلد شرق أوسطي فاشل.

وبعد أشهر قليلة قبل انتخابات سبتمبر ظهر حزب يدعى نيانس، يتبنى نفس القضايا المذكورة أعلاه، إذ يقول إنه سيعمل على منع إحراق القرآن في السويد، وأنه سوف يعمل على وقف إساءة العمل بقانون حماية الأطفال، وفي جلساتهم الخاصة يقولون إنهم سيغيرون القانون ويعملون على تغيير القوانين التي تتعارض مع ثقافة المسلمين. كما يقولون إنهم سوف يمنعون أي تحرك لمنع الحجاب، أو الختان، بالإضافة إلى شعاراتهم ضد إسرائيل وأنهم سيعملون على معاقبتها. كسب الحزب عبر شعاراته العاطفية المتأثرة بالحملتين السابقتين، وكسب آلاف الأصوات في تلك المناطق التي كان يمر عبرها راسموس، الأمر الذي أدى إلى خسارة أحزاب اليسار التي تكسب غالبا في تلك المناطق؛ وهو الأمر الذي يرى فيه البعض أن نيانس شتت أصوات الناخبين في تلك المناطق. ولكني أرى أن الهدف وصل أبعد من ذلك، فهو لم يشتت الأصوات فحسب بل إنه عمل على تجسيد الصورة النمطية التي روجها اليمين عن المهاجرين المسلمين، وبأنهم يريدون تغيير قوانين البلد وأنهم كيان منعزل يريد فرض ثقافته الشرق أوسطية بالقوة على مجتمع السويد، وهو الأمر الذي أثر باتجاهين: الأول ارتفاع رصيد اليمين، والثاني خسارة أحزاب اليسار لأصوات ذهبت دون فائدة.

من خلال مراجعة تلك الأحداث مجتمعة، قد يكون التحليل مبالغا في رؤية مؤامرة واضحة، ولكن على أقل تقدير لا يمكن أبدا إنكار التأثير السلبي الواضح لكل تلك الأحداث في سنة الانتخابات، سواء كانت مقصودة أو بالمصادفة، ولكن ينبغي أن نسأل: هل هناك مبرر لتورط ثلاث قضايا متتابعة مرتبة بشكل متقن: إثارة قضية نزع الأطفال، حرق المصحف، ثم إنشاء حزب إسلامي يتبنى القضايا نفسها؟ باعتقادي أن هناك جهات داخل السويد تريد تصعيد اليمين، وأيضا هناك جهات خارج السويد، من مصلحتها أن يصعد اليمين في، ولا يمكن في هذا السياق استبعاد الدور التركي والروسي. فالجهود واضحة في التأثير على نتيجة الانتخابات. الأمر نفسه الذي عملته روسيا في إسقاط هيلاري كلينتون لتصعيد ترامب من خلال تسريب إيميلاتها قبل الانتخابات في 2016. وسواء كان كل ذلك مقصودا أو غير مقصود فقد تواطأ الجميع في تصعيد اليمين.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.