المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الدكتورة بتول الموسوي*
الكومبس – بقلم د. بتول الموسوي: في إطار سعي ” الكومبس ” فتح باب الحوار والنقاش، حول مختلف القضايا الاجتماعية التي تهم المهاجرين، ينشر اليوم، المقال التالي، الذي كتبته الدكتورة بتول الموسوي، خصيصاً لـ ” الكومبس “، نأمل مناقشته، عبر خدمة الردود، أسفل المقال. ننوه هنا، أن المقالات المنشورة في الموقع، تُعبر عن رأي كاتبيها، وليس ” الكومبس “.
بين الفينة والأخرى، نسمعُ عن قصة جريمة قتل تهز الأوساط الاجتماعية والاعلامية في اوروبا … ورغم الغموض الذي يشوب تلك القصص باديء الامر، إلا ان الغبار سرعان ماينجلي وتتكشف الحقيقة.. فالضحية هي غالبا فتاة في عمر الزهور تم الابلاغ عن اختفائها ثم وجدت مقتولة ومدفونة في حديقة او مقطعة الجسد وملقاة في مكب النفايات، أو امتلأ جسدها بطعنات افضت لقتلها او هشم رأسها بالضرب المتكرر بواسطة عصا او ساطور… جرائم ومشاهد مرعبة اباح مرتكبيها لانفسهم بكل وحشية ودون ادنى قدر من الرحمة حق ازهاق روح حرم الله قتلها بحجة مايسمى ((غسل العار)) … وأي عار هذا الذي يغسله الدم؟؟ الامر يتطلب وقفة تأمل ويطرح العديد من التساؤلات عن معنى غسل العار وجذوره الاجتماعية واسبابه وانتشاره بين المهاجرين في اوروبا ومن المسؤول عن استمرار هذا العار المسمى بغسل العار؟؟
يقصد بغسل العار اعطاء المحارم الذكور والزوج وابناء العمومة الحق لانفسهم بقتل اناث العائلة في حال منحت الفتاة جسدها طوعا او كرها لاحد الرجال خارج اطار العلاقة الزوجية.. ويتم هذا لفعل غالبا باساليب وحشية قد يصل احيانا الى عملية التمثيل بجثة الفتاة او قطع اجزاء من جسدها (يدها غالبا) وتعليقه في احد اركان المنزل تفاخرا بأن العار قد تم غسله … ورغم ان البعض يعيد هذه الممارسة لتفسيرات دينية اسلامية الا ان هذه النظرية مدحوضة من الاساس، خصوصا وانها موجودة حتى لدى ابناء الديانات المسيحية والصابئية والايزدية، وبنسب اقل بين الهندوس واليهود والبوذيين، وتوجد كذلك بين الاخرين الذين لا يؤمنون بعقيدة معينة ومن غير المتدينين.
وبعبارة اخرى يمكن اعتبار ذلك من التقاليد، وليس نتيجة ايمان الفرد بدين معين وليس متضمنا في الديانات نفسها, كما انها لاتنحصر على المجتمعات العربية فقد نجدها ايضا بنسب قليلة لدى المجتمعات الغربية عند قيام الزوج بقتل زوجته في حال خيانته لها، وهنا تكون بدافع الغضب وليس غسلا للعار… وكذلك القتل بسبب المهر في الهند و جرائم الأنفعالات العاطفية في أمريكا اللاتينية، كما وتعد مقبولة في بعض المجتمعات مثل مولتان – باكستان .
وتنبع جذور المشكلة في كون المجتمعات الاقل تقدما تقرن الشرف العائلي بجزء بسيط من تكوين جسد المراة فتعاقب الضحية وتترك الجاني غالبا حرا…وهي غالبا مجتمعات ذكورية تحرم المرأة من أغلب حقوقها وتعطي كل الحقوق للرجال.
السبب الاساس في تفشي الظاهرة في مجتمعاتنا الشرقية هو النظرة الدونية للمرأة، واعتبارها عورة وتواطؤ المجتمع على قبول هذه الظاهرة، ونبذهم لمن يتهاون فيها، وسواد قيم القبيلة وامتدادها الى المناطق الحضرية وغلبتها على قيم المدينة، فضلا عن تهاون القانون الوضعي مع مرتكبي هذه الجريمة من خلال العقوبة المخففة.
السبب الاساس في تفشي الظاهرة في مجتمعاتنا الشرقية هو النظرة الدونية للمرأة، واعتبارها عورة وتواطؤ المجتمع على قبول هذه الظاهرة…
فالمادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969 تنص بان “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته، أو أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا، او وجودها في فراش واحد مع شريكها، فقتلهما في الحال، او قتل احدهما، او اعتدى عليهما، او على احدهما، اعتداء افضى الى الموت، او الى عاهة مستديمة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر، ولا تطبق ضده أحكام الظروف المشددة”.
ووصفت المادة المذكورة بانها تعارض نصوص الشريعة الإسلامية، والمبادئ الدولية المتعلقة بحقوق المرأة الإنسانية، المتمثلة في حقها في الحياة والمساواة مع الرجل، امام القانون، كما نص على ذلك الدستور العراقي فضلا عن وجود مواد قانونية في تشريعات الكثير من الدول العربية تشجع الظاهرة خصوصا تلك التي تكافيء المغتصب بتزويجه من الفتاة التي اغتصبها واسقاط التهمة عنه بمجرد زواجه منها .اساس القضية هو الجهل والنكوص الى قيم القبيلة وسواد ثقافة العيب وغلبتها على ثقافة الحرام. وغياب الوعي الديني الحقيقي الذي يحرم ازهاق الروح وهو المبدأ الذي تتضمنه كل الشرائع السماوية.
المشكلة التي تطرح نفسها اليوم هي اشكالية زحف هذه القيم البدائية البالية الى اوروبا بواسطة جحافل المهاجرين الهاربين من بلدان طحنتها الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية، وان كانوا قد غادروا مجتمعاتهم بسبب احوال اجتماعية واقتصادية لا يرغبون العيش تحت وطأتها، فلماذا ينقلون تلك القيم الى الارض الجديدة؟؟
ويحدث هذا النوع من الجرائم عادة، عندما تتمرد الفتاة على تقاليد الأسرة الموروثة، التي تمنعها من الاختلاط بالشبان، وإقامة العلاقة مع أحد خارج اطار العلاقة الزوجية ومن دون علم وموافقة الأسرة، ورفض الفتاة الزواج بالشخص الذي تختاره العائلة لها، وما إلى ذلك من أسباب تندرج في منظومة قيم يجلبها المهاجرون معهم، سرعان ما تصطدم بقوة في المجتمع الجديد، الذي نالت فيه المرأة حقها في العيش مستقلة اقتصادياً واجتماعياً.
وتتفشى هذه الظاهرة بين اوساط المهاجرين في دول مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والسويد وهولندا والولايات المتحدة ، ويشكل ضعف الاندماج في المجتمعات الجديدة العامل الاساس وراءها، الامر الذي دفع بالباحثين الاجتماعيين الى دراسة الظاهرة والبحث في اسبابها.
اساس القضية هو الجهل والنكوص الى قيم القبيلة وسواد ثقافة العيب وغلبتها على ثقافة الحرام. وغياب الوعي الديني الحقيقي الذي يحرم ازهاق الروح وهو المبدأ الذي تتضمنه كل الشرائع السماوية.
الكاتبة والصحفية رناته فان درسي في كتابها ( جرائم غسل العار في هولندا ) تستشهد بقول وليام تيمر المتخصص في جرائم الشرف بهولندا الذي يقول ” إن أغلبية جرائم الشرف تقع في الجاليتين التركية والكردية وهما جاليتان كبيرتان في هولندا وهي موجودة أيضا بين جاليات كالسورينام والانتيل والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان.
اما في المانيا فتتصدر القائمة كل من الجاليات التركية الكردية والافغانية فما بين عامي 1996 – 2004 سجلت الاحصائيات ما يزيد عن الـ 40 جريمة قتل او شروع بالقتل في المانيا بين صفوف العائلات المنحدرة من اصول عربية وتركية. وفي السويد كانت الشابة الإيزيدية الكردية ماريا بارو(اسم مستعار)، وعمرها 19 عاماً فقط، آخر ضحايا هذا النوع من الجرائم بعد ان لحقت بكل من بيلا وفاطمة الناشطة النسائية في حقوق المرأة.
إلاّ أنّ تنامي هذه الظاهرة أصبح مثيرًا للقلق لا سيّما بعد صدور تقرير عن منظمة الأمم المتحدة يشير إلى أنّ نحو5000 امرأة يلقين حتفهنّ سنويًّا باسم غسل العار الذي ألحقته الفتيات بعائلاتهنّ. ويحذر الباحثون الاجتماعيون من تزايد هذه الجرائم، ويعتقدون أن حلها يجب أن يكون جذريًا، يبدأ من رياض الأطفال والمدارس، ويعزون سبب تزايدها إلى ضعف الاندماج الاجتماعي للمهاجرين الجدد في البيئات لاجتماعية الجديدة. فضلا عن تساهل المحاكم الجنائيّة الاوربية فيما مضى مع مرتكبي هذه الجرائم احترامًا لثقافتهم المتوارثة. الامر الذي عزز القيم المحافظة الوافدة مع المهاجرين من خلال حياة العزلة واللانتماء التي يعيشها أولئك المهاجرون. وسمحت هذه الحالة للمهاجرات إليها أو لطالبات حقّ اللجوء بالعيش معزولات ومهملات، في ظل عدم توفر المؤسسات الخاصة لرعايتهن ومساعدتهن على التعرف على حقوقهن أو الاستفادة من الحماية القانونية، كل هذا تزامن مع عدم التنبه إلى أنّ عجزهنّ عن التكلّم بلغة البلد المضيف يمنعهنّ من التقدّم بطلب المساعدة من دوائر الهجرة.
ويلعب القائمون على بعض الأندية والجمعيات دورا في إنتشار ظاهرة العنف ضد النساء وتشجيعها من خلال محاربة الإندماج في المجتمع الجديد، وعدم حث النساء الشابات على المخالطة والإنخراط في نشاطات الأندية والمؤسسات الإجتماعية والرياضية والثقافية للبلدان المستقبلة.
وكمحاولة لتلافي المزيد من جرائم الشرف استضافت السويد مؤتمرًا دوليًّا شارك فيه ممثلون عن مختلف الدول الأوروبيّة والعربية والإفريقية للتداول في السبل الآيلة إلى دمج المهاجرين في المجتمعات الغربية المختلفة الثقافات من دون المساس بثقافتهم الأصلية، وانتهى المؤتمرون إلى المطالبة بتطبيق تعاليم الشريعة الإسلاميّة التي ترفض هذه الجرائم بشدّة وتستنكرها ولا توصي بها لأن لا أساسًا دينيًّا لها، بل اعتبارها انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، ومعاقبة الجاني انطلاقًا من أنّ العقاب لا يعتبر مساسًا بالحريّات الدينيّة.
كما طالبت الجمعيّة الأوروبيّة لحقوق الإنسان جميع الدول الأعضاء بضرورة تأمين المأوى للفتيات اللائي يطلبن حقّ اللجوء إلى المؤسّسات الخاصّة وحمايتهنّ وتقديم المساعدات القضائيّة والنفسيّة لهنّ، وتوفير الظروف الملائمة لهنّ للإفصاح عن التهديد الذي يتعرّضن له. وطالبت تلك المنظمة بدعم جهود المنظمات النسائيّة المناهضة لجرائم الشرف وكلّ أشكال العنف ضدّ المرأة.
وعلى هامش المؤتمر أشار جيرد جونسون لاتان المتخصّص في مسألة العنف ضدّ النساء في وزارة الخارجيّة السويديّة في حديث إلى صحيفة لا ليبراسيون الفرنسيّة إلى أنّ أوروبّا التي بقيت زمنًا طويلاً متردّدة أمام اتّخاذ التدابير لمكافحة ظاهرة جرائم الشرف خوفًا من اتّهامها بالتدخّل في ثقافة الآخرين، باتت اليوم مجبرة على حماية مواطنيها وتوفير الظروف الآمنة لطالبات الحماية، وأنّ السويد ستتخذ جملة إجراءات مشدّدة للدفاع عن فتيات الأسر المهاجرة من أهمّها وضع مراكز استقبال لحمايتهنّ وتوفير المساعدة القضائيّة لللائي يتعرّضن للتهديد بالقتل، والتشدّد في تطبيق القانون المعدل المتعلق بمنع الزواج على من هم دون الـ 18 من العمر، والعمل الدؤوب على دمج المهاجرين في المجتمع، والمباشرة بحملات توعية للنساء في مجتمعات المهاجرين تتضمّن برامج تربويّة متخصّصة في حقوق المرأة والإنسان، واعتبار جريمة الشرف جرمًا من دون الأخذ بالاعتبار الدوافع التي تولّدها. تخصيص الحكومة السويدية 180 مليون كرون (ما يعادل حوالي 23 مليون و800 الف دولار أميركي)، لمحاربة العنف ضد النساء هو دليل على استشعار الحكومة السويدية لخطر بات يهدد بالانتشار بين اوساط المجتمعات المهاجرة نتيجة ضعف وسائل مواجهته.
من كل ماتقدم يمكننا الاستتاج ان مسؤولية استفحال الظاهرة يتحملها الجانبان الجانب الاول وهو المجتمعات المهاجرة التي باتت عصية على الاندماج في المجتمعات الجديدة من خلال تمسكها بقيمها الموروثة الخاطيء منها والصائب ونقلها الى المجتمعات المضيفة.. والجانب الثاني هو البلدان المستقبلة للمهاجرين من خلال ضعف آليات الادماج المستخدمة مع الوافدين مما ادى الى عزلهم او انعزالهم في تجمعات في الضواحي مما ادى الى تكوينهم مجتمعات مصغرة عن مجتمعاتهم التي غادروها وتقوقعوا على انفسهم لدرجة لا تسمح لهم بالتكيف مع المجتمعات الجديدة يقابل هذا الجيل الثاني والثالث من المهاجرين الذين احتكوا بالمجتمعات المضيفة من خلال الدراسة في مدارسهم ومعايشة تجارب اجتماعية جديدة تؤدي الى التاقض بين قيم اجتماعية تربوا عليها ويعيشونها منزليا وبين قيم جديدة تتناقض تماما مع ماسبق.
*المستشارة الثقافية العراقية في السويد
للتعليق على الموضوع، يرجى النقر على ” تعليق جديد ” في الاسفل، والانتظار حتى يتم النشر.