هذا مقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يمثل موقف مؤسسة الكومبس الإعلامية. هل تريد نشر آراءك في الكومبس؟ أرسل مقالك إلى info@alkompis.com
الكومبس – مقالات الرأي: عالمنا هذا صغير، رغم ترامي أطرافه، وإمتداد رقعته الجغرافية على مدار الكرة الأرضية. عالم صغير، وجد متسعا كبيرا من الإهتمام على وقع مشاكله وتحديات بقاء وجوده الإنساني.
لم تعد الصين بعيدة عن بغداد كما تصف الأغاني مسافات فراق الأحبة، ولم تعد الشام كذلك عن اليابان، العالم من أقصاه الى أقصاه، هزّته وقّربّت أقطابه مآسي المهاجرين وهم صيد لأمواج المحيطات والبحار، هاربين من نزاعات لم تتخذ من غير الإنسان وقوداً لها.
رائحة “قوارب الموت” وتسميتها المخيفة، فاحت في عالم اليوم، الشاحنة التي عُثر فيها على جثة ما يزيد عن سبعين مهاجراً في النمسا، أمتدت أخبارها لتعبر المحيطات والبحار والأراضي الشاسعة ووصلت الى الأقاصي دون أن تحجز تذكرة في مقاعد الـ VIP.
لم يعد الشمالي والجنوبي قطبا العالم، بل أصبح التقسيم الجديد للتحديات الراهنة التي يواجهها الإنسان، قطبان جديدان له، لا علاقة لهما بالتقسيمات الجغرافية، قطب لدول منكوبة شعوبها بالحروب والنزاعات والإقتتال الداخلي وقطب تنعم شعوبه بالحريات والرفاهية الإجتماعية.
أما لماذا يولد بعضنا في بلدان النعيم والهناء، فيما يولد آخرون في بلدان، يُنسيهم بؤسها بأنهم بشر لهم في الحياة حق الملك والحاكم، فذاك سؤال نبقى نسأله لأنفسنا عند كل عثرة نقابلها وما أكثرها من تحديات وعثرات.
إمتدت رقعة المشاكل الإنسانية، حتى باتت قوانين لجوء دول الإتحاد الأوربي التي يلوذ بها الفارون من أتون الصراعات تضيق بهم ولم تعد صالحة بعد الآن، فحجم المعاناة أكبر بكثير من أن تخفف منها قوانين هجرة ولجوء، لم تعد إتفاقية جنيف حول اللاجئين والمواثيق الدولية حول الهجرة، كافية أمام هذا الحشد الكبير من جموع بشرية شردتها سياسات حكوماتها وسياسات دول متمدنة لا تتردد في تسليح الأنظمة الدكتاتورية رغم كثرة حديثها عن الديمقراطية والحرية.
تهز فضائع الموت المجاني للمهاجرين اليوم، ضمائر الناس في أرجاء المعمورة بغض النظر عن الدين والعرق والعقيدة، فضائع دفعت بكاتبة إيسلندية بإطلاق مبادرة شعبية في بلادها لدعوة الحكومة الى إستقبال المزيد من اللاجئين السوريين، فإستقطبت عشرات الآف دعما لها. تُرى ما الذي يربط كاتبة إيسلندية تعيش بعيدا جدا من السوريين غير رابط الإنسانية؟
وما الذي يدفع بصحيفة ألمانية الى البحث في أرشيف وثائق سفارة بلدها قبل 25 عاماً، للتأكد من شخص سوري تبرع براتبه الشهري من أجل مساعدة لاجئي ألمانيا الشرقية في مخيمات DDR؟ أليس لان الإنسانية هي الجامع؟
العالم صغير بالفعل، ومشاهد المآسي تتكرر فيه قرن بعد قرن، لا مجال لتفاديها سوى الحفاظ على مبدأ الإنسانية وشراكة العيش بكرامة، فهذا المبدأ الضمان الوحيد لحياة إنسانية خالية من العنف والتشرد والحروب.
لينا سياوش