عذر إيبا بوش أقبح من ذنب.. فهل تجهل معنى دولة القانون؟

: 8/18/22, 4:58 PM
Updated: 8/18/22, 4:58 PM
عذر إيبا بوش أقبح من ذنب.. فهل تجهل معنى دولة القانون؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: في يونيو العام الماضي تمت إدانة إيبا بوش – رئيسة حزب المسيحيين الديمقراطيين – بجريمة التشهير بحق محامي كان خصمها في قضية شراء المنزل. وبعد اعترافها بالجريمة وتحملها العقوبة المنصوص عليها في القانون، خرجت بوش للإعلام بتصريح تقول فيه ” لقد اعترفت بجريمة أنا موقنة في قلبي وعقلي أنني بريئة منها” وفي مقابلة أخرى قبل يومين قالت في هذا الخصوص “إن قوانين عقوبة التشهير تختلف من بلد إلى آخر، وكل ما ذكرته عن المحامي كان صحيحاً”.

جريمة التشهير، وفقاً للقانون السويدي، لا علاقة لها بكون المعلومات التي يتم نشرها صحيحة أم لا، وبالتالي فإصرارها على ترديد أن ما نشرته عن المحامي كان صحيحاً هو معلومة عديمة القيمة أولاً وخارجة عن السياق ثانياً ومضللة ثالثاً. فبدلاً من الاعتراف بمسئوليتها الأخلاقية نتيجة خرق القانون والتعبير عن ندمها على ذلك، تكرر إيبا بوش في أكثر من سياق نقدها للقانون، وكأنها تقول الخطأ في القانون وليس فيما فعلته.

القانون ضرورة اجتماعية، وهو آلية حماية وليس آلية نكاية أو انتقام من أحد. فجوهر القانون تحقيق أعلى قدر ممكن من المساواة والعدل، ووظيفته تنظيم حياة المجتمعات وإدارة التباينات والاختلافات. ومهما اختلفت آراؤنا في بعض مواد القانون فلا يعني ذلك أن تهدر سيادته أو يسقط من الاعتبار نُبل الغاية التي وضع من أجلها. سنجد أن القانون بنفسه يكفل حق النقد ويحدد كيفية الاعتراض عليه أو آلية تعديل أو تغيير بعض مواده إذا ما تغيّر الواقع المادي الذي وضعت فيه أو تغيرت قناعات الناس.

فببساطة يحق لإيبا بوش أن تنتقد القانون لكن لا يحق لها اختراقه. وإذا تم اختراق القانون يصبح الإنسان بالتعريف القانوني ” مجرم أو مخالف للقانون”. فعند القيام بأي فعل تم تجريمه قانونياً فلا أهمية اطلاقاً لمعرفة رأي مرتكب الجريمة الشخصي في القانون الذي اخترقه. فلا شك أنك عزيزي القارئ لك آراء كثيرة حول العديد من القوانين السويدية، أنا أيضاً لي تحفظات كثيرة على كثيرٍ منها، لكننا بلا شك لن نخترق هذه القوانين ومن ثم لن نصرح أن الخطأ في القانون.

تخيل أن كل مواطن يخترق كل القوانين التي لا يتفق مع أهميتها أو قيمتها الأخلاقية؟ ما قيمة القوانين إذن؟ فحين تتم إدانة مواطن بجريمة الاتجار بالمخدرات مثلاً؛ فلا أهمية هنا للرأي المجرم الشخصي بقضية المخدرات أو القوانين الخاصة بها. فمن حق أي إنسان حتى أن يعترض على قوانين تجريم الاتجار بالمخدرات لكن لا يحق لأي انسان أن يتاجر بالمخدرات. وهذا الشيء يخص كل القوانين بلا استثناء. هذا هو معنى القانون، القانون كعقد اجتماعي ملزم دائماً بكل تفاصيله.

قد تعتقد إيبا – وقد يعتقد كثيرون معها- بأن انتقاد القانون وتوضيح عدم أهميته الأخلاقية أو لا عقلانيته يعفيها من المسؤولية الأخلاقية المترتبة على كسر هذا القانون. وكأنها تقول إنها لم تخترق قانوناً ذا أهمية كبيرة، وأنها بنشرها معلومات صحيحة لم ترتكب جريمة أخلاقية. فالمنطق البسيط يقول إن الافتراء ونشر معلومات كاذبة هو الجريمة الأخلاقية والقانونية الأكبر. وهذا منطق خاطئ جداً ومليء بالمغالطات. فإيبا بوش ارتكبت جريمة قانونية هي تلك التي تم عقابها عليها، وجريمة أخلاقية أكبر باستهتارها بالعقد الاجتماعي الذي يهمنا جميعاً، كيف يكون ذلك؟

في سياق محاولة تبرئة نفسها من الجريمة التي أدينت بها قالت بوش “إن قوانين عقوبة التشهير تختلف من بلد إلى آخر”، وكأن ذلك مبرراً لخرق القانون. نعم فقوانين عقوبة التشهير تختلف من بلد إلى آخر وكذلك الكثير من القوانين. فتجارة بعض أنواع المخدرات، شراء الجنس، ضرب الأطفال، القتل باسم الشرف وحتى بعض أنواع الاغتصاب قد لا تكون مجرمة قانوناً في بلدان أخرى؟ هل يعني هذا أن أي مواطن يحق له الاتجار بالمخدرات، أو شراء الجنس أو ضرب أطفاله، أو القتل باسم الشرف أو ممارسة الاغتصاب لأن ذلك مسموح به في بلدان أخرى؟! هل يعفي هذا أي إنسان من المسؤولية الأخلاقية كما تحاول بوش أن تفعل؟

هناك مسؤولية وقيمة أخلاقية بالالتزام بالقوانين حتى تلك التي نختلف معها أو مع بعض بنودها. يكمن ذلك في أن القوانين هي الأداة الوحيدة والأفضل لتنظيم حياة المواطنين وضبط سلوكياتهم بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع. وهو ما يجعل من احترام القانون سلوكاً متحضراً، ويجعل الوعي به مدخلاً لمعرفة ما للذات وما عليها. الالتزام بالقوانين – كل القوانين – هي الضمان الوحيد لقدرتنا على العيش معاً والتعدي عليها هو تعدي على حقنا المشترك بالعيش والأمن. ومادام القانون سارياً فهو ملزم لنا جميعاً وعلينا أن ننفذه سواء اقتنعنا به أو اختلفنا عليه؛ فالالتزام به دليل شعورنا بالمسؤولية كما هو دليل امتثالنا للإنصاف واحترامنا للاتفاق الجمعي الذي حدد لنا جميعاً طريقة وآلية تشريع وتغيير القوانين.

أما سياسة انتقاد القوانين بعد اختراقها والتعدي عليها فهذا عذر أقبح من الذنب. فبوش لم تحترم حقنا المشترك بالعيش في دولة قانون، وعليها أن تعتذر لنا جميعاً مرتين، مرة لأنها اخترقت القانون الذي اتفقنا على الالتزام به، ومرة لأنها بررت ذلك باستهتارها بفكرة القانون. وربما مرة ثالثة للمحامي الذي مازالت تسيء إليه بعد مرور عام من إدانتها.

أنور العقاب

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.