عرض ممسرح في السويد: سمكة ميتة تطفو على ظهرها

: 1/16/13, 2:51 PM
Updated: 1/16/13, 2:51 PM
عرض ممسرح في السويد: سمكة ميتة تطفو على ظهرها

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – ثلاثة ممثلين وكادر عمل صغير اجتمعوا في صالة مسرح قديم غادره جمهور اليوم وأصبح كمقهى للمتأملين الجدد, تساعده في ذلك تلك الغرف القديمة والألوان الداكنة وماكينة القهوة الستينية ورفوف تعليق الملابس التي خيمت على المكان, ليلة تشرينية باردة تدعوك لارتداء معطفك الشتوي الثقيل وتلف أذنيك من لفحات البرد القارص, المكان يدعى الفور آت والساعة قاربت السابعة حين فتح باب القاعة المسرحية المخرج نيكلاس ليدعونا إلى الدخول ومشاهدة العرض.

الكومبس – ثلاثة ممثلين وكادر عمل صغير اجتمعوا في صالة مسرح قديم غادره جمهور اليوم وأصبح كمقهى للمتأملين الجدد, تساعده في ذلك تلك الغرف القديمة والألوان الداكنة وماكينة القهوة الستينية ورفوف تعليق الملابس التي خيمت على المكان, ليلة تشرينية باردة تدعوك لارتداء معطفك الشتوي الثقيل وتلف أذنيك من لفحات البرد القارص, المكان يدعى الفور آت والساعة قاربت السابعة حين فتح باب القاعة المسرحية المخرج نيكلاس ليدعونا إلى الدخول ومشاهدة العرض.

الدقائق الأربعون مرت وخرج الممثلون إلى الصالة وامتزجت أفعالهم بمقاطع فيلمية يتداخل فيها الواقع المكاني بالواقع الحسي البصري وثمة وقفات مقصودة للممثلين الثلاثة كل على حدة يتحدثون عن تجربتهم في هذا العرض.. انتهت الدقائق ولم تظهر المسرحية!! فلا يمكن أن يصنف العرض ضمن حقل المسرح أو مجاوراته بل يمكن أن نطلق عليه حوارا مفتوحا يؤديه ممثلون .. مجموعة من المواقف التي تعتمد على أسئلة تكمن أجوبتها في ردود فعل الناس عليها. ولا أريد هنا أن ادخل في تحقيل هذا العرض ضمن تصنيفات فنية ما ولكني ارغب كثيرا في مناقشة الأفكار التي تداعى هؤلاء إلى تقديمها ومناقشتها مع الجمهور بعد انتهاء العرض.

العمل يتناول مفهوم الشجاعة المدنية في الواقع السويدي المعاش, هذا الواقع المغلق – المفتوح وفقا لمجموعة من الشروط التي تحددها العوامل السيسوثقافية لديه جعلت منه مجتمعا إنسانيا مشروطا ضمن مفاهيم في غاية الضيق تتعلق بالانسياق التام للقانون حتى لو كان على حساب انتهاك الذات الإنسانية أو التقليل من شأنها ضمن خطاب سياسي سويدي صحيح!! وهذا ما عبر عنه الكاتب السويدي ( اوللا غودمونسون) بالقول: "كان يمكن بسهولة أن أكون مثل سمكة ميتة، تطفو على ظهرها وتنحدر مع التيار الرئيسي للخطاب السويدي الصحيح سياسيا" وهنا تكمن لب المشكلة التي تعاني منها السويد اليوم كما يعاني من يهاجر إليها وهي: ( الفشل التام في موضوع الاندماج ) رغم حرص الحكومة السويدية على إنفاق مبالغ كبيرة لمعالجة المشكلة دون جدوى, فالمجتمع هنا مقسم إلى سويديين ومهاجرين بغض النظر عن مدة هجرتهم وما يقدمونه من أعمال حتى لو وصلت إلى مرتبة ملك!!

علي ريسان 1.jpg

علي ريسان

فغالبا ما تشير الصحف المحلية وكتب التعليم إلى وصف ملك السويد غوستاف بالقادم من ألمانيا, وربما هذا ما يفسر الاحتفالات المبالغ فيها بولادة الأميرة استل من ولية العهد الأميرة فيكتوريا باعتبارها أول أميرة سويدية من أب سويدي غير مهاجر!!!! الممثلون الثلاثة اختاروا مجموعة من المواقف التي تواجه المهاجرين في السويد عبر تقمص ادوار مختلفة( الرجل الأفغاني, الغجري, الموسيقي, المرأة العاملة, المهاجر السكير, المجنونة, الغجرية) ويقومون بأداء هذه المواقف أمام جمهور مفتوح في أماكن عامة تختلط فيها الجدية باللعب وتقترب كثيرا إلى لعبة " الكاميرا الخفية" التلفزيونية حيث تقوم كاميرا جانبية بتسجيل ردود أفعال الجمهور على المواقف الذي يؤديها الممثلون في القاعة المسرحية التي شهدت حضورنا إليها بعد إعادة تلك المواقف أمام جمهور الصالة مصحوبا بعرض الأفلام المسجلة. أن المشكلة التي وقع فيها العرض هي قيادته السويدية أيضا والتي نأت بنفسها عن تناول المشكلات الحقيقية التي تواجه المهاجرين في السويد واختيارها لعدد من المشكلات الأقل أهمية .. مثل فكرة الجنون أو الضياع وصعوبة الحصول على عمل.. رغم إن تلك المشكلات تشير بحياء إلى تفشي العنصرية لدى أرباب العمل بتعاملهم مع المهاجرين على حساب أسمائهم وألوانهم ومنحدراتهم ودياناتهم وبعد أن ظهر في سماء السياسة السويدية أحزاب عنصرية تدعوا إلى طرد المهاجرين المسلمين وعدم منحهم الجنسية وما إلى ذلك من ترهات!!

هذه الدعوة المتحجرة لهذه الأحزاب هي دعوة للسكون الذي يصاحب حالات البرودة الشديدة التي تعاني منها البلاد ولا تتناغم مع الحركة والتطلع إلى الحرية الحقيقية غير المسلفنة بالقوانين الجاهزة الأمر الذي استدعى الكاتبة السويدية الأشهر استريد ليندغرين، أن تقول "ثمة أشياء يجب عليك القيام بها، حتى لو كانت خطرة، لأنك إن لم تفعل لا يمكن أن تكون إنسانا حقيقياً، إنما مجرد شخص تافه وبلا قيمة" وهذا ما يفسره الأغلب الأعم هنا بالخروج عن القوانين حتى لو كانت دون قصد ممن يقومون بذلك الخروج, وإذا تعدينا ذلك إلى النظرة لمفهوم الشجاعة المدنية باعتباره موقفا حازما ضد الطغاة والدكتاتوريات والمطالبة بحقوق الإنسان في مجتمعات أخرى , فكيف ينظر السويديون أو الغربيون عموما إلى من يدافع عن عاداته وقيمه وتقالديه!! وهو ما عبر عنه اوللا بالقول"عندما نتحدث نحن في الغرب عن الشجاعة المدنية، نشير عادة إلى الناشطين الذين يدافعون عن القيم التي نعترف بها ضد الدكتاتوريات في أجزاء أخرى من العالم. ولكن هل يمكن أن نقدر أيضا الشجاعة المدنية لدى أناس يعتنقون، ويعبرون عن ويدافعون عن قيم مختلفة جدا عن عاداتنا وتقاليدنا" وهو يشير بذلك إلى مخالفة المحجبات المسلمات القوانين الفرنسية بعدم ارتداء الحجاب التزاما منهن بالقيم التي يحملنها.

هذا العمل بالرغم مما حمله من ملاحظات إلا انه حمل بصمات ممثليه الجادين ( علي ريسان وريام الجزائري ولويسا) وأكد حضورهم الملفت للنظر في أداء ادوار شجاعة أمام جمهور مفتوح في مجتمع مغلق.

د. حسن السوداني

ريام 3.jpg

ريام الجزائري

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.