المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – منبر: من المفارقات المذهلة والصادمة التي تستحق التوقف عندها والتحدث عنها طويلا، مساهمة ضحايا العنصرية من الأجانب، خاصة القادمين الجدد، في تقوية ودعم سياط الأحزاب والمجموعات النازية والعنصرية المسلطة على ظهورهم.
أمس خرج عشرات الألاف من السويديين الغاضبين في مظاهرة مناهضة للعنصرية، احتجاجا على مظاهرة أخرى نظمها حزب نازي عنصري يدعى “حزب السويديين” في ستوكهولم.
مظاهرة ضد مظاهرة، وبسبب طبيعة التغطية الصحفية كنت أتنقل بين المظاهرتين على جانبين متقابلين، تنقلات قد تضعك أمام شعور بأنك في جبهة معركة، ولكن معركة راقية رغم استخدام العنف واحتدام الصدامات بين الشرطة والمحتجين.
معركة أمس الديمقراطية على الطريقة الغربية، وسط العاصمة السويدية، كانت تجري بين أقلية لا تتجاوز أعدادها 200 شخص تنادوا من مختلف المناطق السويدية خاصة من سكونة، وبين جموع غاضبة تمثل معظم فئات المجتمع السويدي ويقدر عددها حسب بعض المصادر بحوالي 10 آلاف متظاهر.
لكن هذه الأقلية كانت محمية بقوات مدججة من الشرطة، الخيول، الكلاب البوليسية، الهراوات، الغازات، عربات مصفحة، وطائرات عامودية، هذا عدا عناصر الشرطة السرية.
الشرطة أمنت حماية مطلقة لهؤلاء المنتمين إلى الحزب النازي، ليس لأنها متعاطفة معهم، لكن من خلال القيام بواجب حماية الديمقراطية، وتنفيذ القانون. هذه القوات المدججة أغلقت جميع المنافذ في منطقة حيوية في قلب ستوكهولم، لتأمين عدم الاحتكاك أو حتى الدخول إلى ساحة الأوبرا، حيث تجمع عناصر “حزب السويديين” فأغلقت المنافذ على شكل طوق حماية، حتى من أسطح المباني فاستقدمت الرافعات الطويلة، للسيطرة على سماء المنطقة المحمية بمساعدة الطائرات. فيما شوهدت أيضا زوارق صغيرة تابعة للشرطة لمنع الوصول الى مكان مظاهرة النازيين سباحة.
لقد نجحت الشرطة بمنع الاحتكاك بين مجموعة ظهرت وكأنها منبوذة وملاحقة وسط بحر من الناس الغاضبين، لكنها اصطدمت مع مجموعات غاضبة، وأطلقت الخيالة والكلاب والغازات في مواجهة مفتوحة مع شبان غاضبين من وجود نازيين في شوارع مدينتهم.
وفي العودة إلى المفارقات الفاجعة، نجد أن هذه المعركة “الديمقراطية” مع النازيين يقوم بها المجتمع السويدي نيابة عن نفسه ونفس الأجانب والقادمين الجدد، فيما تجد أن جزء من هؤلاء الضحايا يتعاطف مع الفكر العنصري بطريقة سخيفة.
لا يكفي أن معظم هؤلاء ضحايا العنصرية وهدفها على المدى القريب والبعيد، تختار عادة عدم المشاركة في مثل هذه النشاطات التي يمنحها القانون لهم، ويفضل العديد منهم الجلوس بالمنزل والاستمتاع بالعطلة على طريقته، بل نجد أن هناك من يتفهم الأفكار النازية التي ستتطبق عليه عاجلا أم آجلا، إذا ما استمر بسلبيته وسذاجته.
هناك من الأجانب والقادمين الجدد تحديدا من يقول لك: هذا بلدهم وهم أحرار به، أو برافو هم يحبون بلادهم ولا يريدون المزيد من اللاجئين. وهناك من يجد نفسه قريب من المجموعات النازية لأنها توجه كراهيتها لمجموعة دينية معينة، ويعتقد خاطئا أن عدو عدوي هو صديق لي، دون أن يدري أن كراهية هذه الأحزاب تشمله وتشمل كل من ليس سويديا بالعرق والأصل.
من المفارقات التي تستحق التناول أيضا ما تظهره التعليقات التي على منوال جلد الذات، كما كتب أحد المتابعين يقول: من هم العنصريون؟ أليس نحن العنصريون عندما نؤلف العصابات ونشتغل بالأسود ونسرق البيوت ونبيع المخدرات ونحرق السيارات ونبيع الجوازات ونصبح زبائن عند “كرونافوندن” ونجلس على السوسيال ونعمل طلاق سويدي…
المفارقة الأخرى أن هذا التعليق الملتبس والمضلل أحرز حوالي 40 إعجابا، وهذا يعني أن هناك جزء لا بأس به يوافق صاحب التعليق على أننا نحن العنصريون كأجانب أو كضحايا لفكر الأحزاب النازية الناشئة.
عشرات الآلاف تخرج إلى الشوارع غاضبة لتدافع عن صاحب هذا التعليق وأمثاله وعن المعجبين به، فيما يحمل هو المسؤولية للضحية، عدا ذلك يستخدم صاحب التعليق نفس الذرائع التي يعتمد عليها النازيون لزيادة انتشارهم وتقوية نفوذهم وشعبيتهم في المجتمع، أي تضخيم وتهويل ظواهر شاذة وتصرفات غير لائقة يقوم بها بعض الأجانب بسبب جهلهم أو ضيق حالهم أو بسبب خلفيات إجرامية، ينتمون إليها.
هل راجع صاحب هذا التعليق والمعجبين الأربعين به قسم قصص وتجارب نجاح في موقع الكومبس مثلا، لكي يجد وجها آخر للأجانب والعرب والناطقين بالعربية غير الذي يتحدث عنه؟
الإجرام والتصرفات والسلوك السيء لا يتوقف على جنسية أو دين أو على أي انتماء آخر، الشرطة والأمن والقانون هم الجهات الكفيلة بمعالجة مثل هذه الظواهر، ولكن الخطورة في أن نسمح بانتشار الأفكار العنصرية بأنفسنا لأن هناك من يسرق أو يحتال من خلفيات أجنبية، وتصل بنا الأمور إلى وصف انفسنا بالعنصريين.
الآن ونحن على أبواب انتخابات جديدة يجب أن نعرف أننا نملك مفاتيح هامة للتأثير أو المساهمة في التأثير على قرارات تتعلق بحياتنا اليومية ومستقبل أطفالنا، المهم فقط أن نستخدم هذه المفاتيح وننتخب من ينادي بحماية المجتمع السويدي من آفة الكراهية والتعصب والعنف.
د. محمود صالح آغا
رئيس تحرير شبكة الكومبس