عندما لم يعد شبان الضواحي يقتلون فقط بعضهم البعض

: 10/25/21, 12:46 PM
Updated: 10/25/21, 1:20 PM
عندما لم يعد شبان الضواحي يقتلون فقط بعضهم البعض

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

بدأت جرائم إطلاق النار في السويد، تأخذ أبعاداً جديدة، خاصة أنها أخذت تنتشر خارج المناطق التي يُطلق عليها “المناطق الضعيفة” أو ضواحي المدن التي يعيش فيها عادة نسبة كبيرة من محدودي الدخل وهم في الغالب عائلات وأشخاص من أصول مهاجرة.
مع الوقت أصبح خبر مقتل شخص ما في الضواحي، وكأنه من الأخبار الروتينية، التي كاد الناس في السويد الاعتياد على سماعها، فمنذ العام 2018، قُتل حوالي 170 شخصا بجرائم إطلاق الرصاص في السويد، أغلب هذه الجرائم كانت تصفية حسابات بين العصابات، وفي ضواحي منطقة “يارفا” فقط، التابعة للعاصمة ستوكهولم، أصبح إطلاق النار أمراً شائعاً، فقد قتل 17 شابا وصبياً في أتون حرب العصابات.

جريمة مقتل مغني الراب السويدي الشهير إينار، ربما دقت ناقوس خطر من نوع جديد، خطر ينذر بانتشار لا يعرف الحدود، لتمادي العصابات وقوتها..

ولكن جريمة مقتل مغني الراب السويدي الشهير إينار، ربما دقت ناقوس خطر من نوع جديد، خطر يُنذر بانتشار لا يعرف الحدود، لتمادي العصابات وقوتها وعدم توقفها عند حد معين

وكان نيلس كورت إريك إينار غرونبيري (19 عاماً)، المعروف باسم إينار، قُتل رمياً بالرصاص مساء الخميس 21 أكتوبر/ تشرين الأول في منطقةHammarby sjöstad السكنية جنوب ستوكهولم. وأثار مقتله ردود أفعال عدد كبير من الفنانين والسياسيين السويديين، بينهم رئيس الوزراء ستيفان لوفين الذي قال تعليقاً على الجريمة إن إينار “كان يعني الكثير للشباب، ومن المأسوي أن شمعة حياة أخرى قد انطفأت”.

أصداء الجريمة وصلت إلى خارج السويد، التي باتت جرائم القتل، تؤثر على سمعتها الأمنية. فقد نشرت كبريات الصحف ووسائل الإعلام الأوروبية والعالمية الخبر مشيرة إلى ظاهرة إطلاق الرصاص المتزايدة في السويد.
بغض النظر عن أسباب مقتل المغني الشاب، إلا أن الدلائل تشير إلى ارتباط اسمه بالعصابات، وإلى أنه كان من المفترض أن يكون شاهدا أمام محكمة في الأسبوع المقبل قبل مقتله، ضد عصابة معروفة في ستوكهولم. وهذا ما يؤكد أن الجريمة ليس لها هوية معينة، بل وكما يبدو هناك انتشار للشبكات الإجرامية بين عدة شخصيات ومناطق وقطاعات.
تطور آخر جديد أخرج أخبار القتل بالرصاص من نمطها الروتيني، بعد أن انتبهت الصحافة وكتاب أعمدة الرأي إلى وقوع عدد من الأبرياء ضحايا بطريق الخطأ أثناء معارك العصابات فيما بينها. آخر هذه الحوادث ما وقع في منطقة “ناكا”، جنوب شرق ستوكهولم، قبل عدة أيام.

صفة البطء بالإجراءات وتنفيذها، هي صفة صحيحة وواقعية، فالسويد الحالية بقوانينها وأعرافها، لم تكن تتوقع أن تواجه مثل هذه الأزمات المرتبطة بتراكم أخطاء وعثرات …

عندها أخذت الصحافة السويدية تكتب عبارات مثل: “عندما تنتشر حرب العصابات إلى مناطق سكن الطبقة الوسطى، فإنها تخاطر بأن يكون لها عواقب سياسية واجتماعية” أو “تُظهر الحكومة في معالجة جرائم العصابات أن المسؤولين سياسياً يفتقرون إلى البصيرة الثاقبة للمشاكل والقدرة على اتخاذ الإجراءات”.
للأسف أن الصحافة وبعض السياسيين انتبهوا إلى خطورة العصابات المسلحة، فقط عندما خرجت من الضواحي وعندما لم يعد الضحايا فقط هم الشبان والصبية أنفسهم المنخرطين في الجريمة.

المشكلة أن أغلب المهتمين بمكافحة هذه الجرائم من سياسيين وغيرهم، وعند تناولهم للحلول الممكنة في وضع حد لهذه الظاهرة، ينطلقون من منصة الاستعراض الانتخابي، وبات البعض منهم يستخدم الخطاب الشعبوي للتأثير على عاطفة الناخبين، دون تقديم برامج وحلول عقلانية، تذهب إلى جذر المشكلة ومصادرها الأساسية.
المعارضة اليمينية التي تتهم الحكومة بالبطء والتقاعس، تريد المزيد من إجراءات التشديد، خاصة فيما يتعلق بإلغاء تخفيف العقوبة على من هم تحت السن القانونية، وبمنح إمكانية إخفاء شخصية الشهود، وبتسهيل قرارات طرد مواطني الدول الأجنبية المتهمين بالجرائم حتى قبل تثبت التهم عليهم، فيما ذهبت بعض اقتراحات من حزب المحافظين الموديرات إلى فرض قانون الإرهاب في التعامل مع جرائم العصابات.

الحكومة والمجتمع السويدي إجمالا مطالبين، بوضع حلول مستدامة وليس فقط أمنية وبوليسية، والخوض في جذور المشكلة، كما قلنا، وأهم جذر من هذه الجذور هو تجارة المخدرات وترويجها

الحكومة من جهتها، وكما تقول فعلت الكثير، ضمن زيادة أعداد الشرطة ومواردها، وضمن تشديد قوانين العقوبات خاصة على من هم تحت السن.
ولكن وكما يبدو أن صفة البطء بالإجراءات وتنفيذها، هي صفة صحيحة، فهي ليست تهمة لكنها واقع، فالسويد الحالية بقوانينها وأعرافها، لم تكن تتوقع أن تواجه مثل هذه الأزمات المرتبطة بتراكم أخطاء وعثرات في الاندماج وبتقليل الفجوات الطبقية في المجتمع الناتجة عن البطالة والفقر وعزلة الضواحي، الحكومة الحالية وأي حكومة مستقبلية ستجد نفسها متأخرة على صعيد وضع القوانين وتطبيقها في مواكبة التطور المتلاحق لتداعيات حالة ظهرت ووضعت السويد أمام أزمة مفاجئة.

صحيح أن أبناء الضواحي يقتلون الآن بعضهم البعض، ولكن أسواق استهلاك المخدرات موجودة في مراكز المدن وضواحيها الغنية، هم يستهلكون ما يقتتل عليه شبان الضواحي الفقيرة.

بالإضافة إلى الثقل القانوني والقضائي، الذي يقيد أي تغييرات في القانون يمكنها أن تؤثر على قضايا أخرى، هناك أثقال سياسية عديدة تمنع تحرك الحكومة بسهولة، لأنها حكومة قائمة على تحالفات مع أحزاب غير متجانسة تماماً، خاصة أن هناك القليل الذي يجمع بين حزب اليسار وبين حزب الوسط على سبيل المثال، وكلاهما مهمان لتمرير أي قرار في البرلمان الريكسداغ.
لكن هذه الحكومة والمجتمع السويدي إجمالا مطالبين، بوضع حلول مستدامة وليس فقط حلولاً أمنية وبوليسية، والخوض في جذور المشكلة، كما قلنا، وأهم جذر من هذه الجذور هو تجارة المخدرات وترويجها.

صحيح أن أبناء الضواحي يقتلون الآن بعضهم البعض، ولكن أسواق استهلاك المخدرات موجودة في مراكز المدن وضواحيها الغنية، هم يستهلكون ما يقتتل عليه شبان الضواحي الفقيرة.

د. محمود أغا

رئيس تحرير مؤسسة الكومبس الإعلامية

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.