المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: من المفارقات التي لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، ولا بد من التوقف عندها والإشارة إليها على الأقل، أن يبذل المجتمع السويدي، قصارى جهده في مكافحة الخطاب والتوجهات العنصرية، وأن تخصص الحكومات السويدية موارد كبيرة للتنبيه من خطر آفة الكراهية البغيضة، فيما يقوم بعض الأجانب والمهاجرين بالتعاطف تارة مع تصريحات عنصرية، وتبرير توجهات الأحزاب الموصومة بالعنصرية، تارة أخرى.
التعليقات المؤسفة على ما نشرته ” الكومبس ” قبل يومين، حول الكشف عن وثيقة سرية لحزب “سفيريا ديمكراترنا” أو ديمقراطيو السويد، تبين جانباً من هذا السلوك في التفكير، والذي يعكس واقع الدفاع عن الجلاد، من قبل الضحية.
لعل أغلب مواقف المشجعين أو المبررين للخطاب العنصري لحزب “سفيريا ديمكراترنا”، مبنية على أساس إما عدم معرفة كاملة بخطر العنصرية على المجتمع إجمالا، أو على مواقف طائفية وأحقاد سابقة حملتها بعض الجماعات والأفراد معها من موطنها السابق ولم تستطع إلى الآن التخلي عنها في السويد. وهذا ما يظهر بعض المواقف العنصرية بين مجموعات من المهاجرين تزيد أضعافا على ما تتبناه الأحزاب اليمينة المتطرفة تجاه الأجانب.
ذهاب البعض في تحليلاته إلى مقارنة، السعودية بالسويد، مثلا، لتبرير طروحات مصنفة بكل المعايير بأنها عنصرية، يبين مدى قصر النظر الذي يتمتع به أصحاب هذه التحليلات.
“ لماذا السعودية تمنع بناء الكنائس؟ إذن على السويد منع بناء المساجد”! .. ” لماذا السعودية تمنع تناول المشروبات الروحية والخنزير؟ إذن على السويد منع الحجاب والنقاب”!!… إلى ما هنالك من مقارنات عجيبة وغريبة، ولا أساس لها من الصحة، لأن عناصر المقارنة هنا غير متوافقة، وكأن أصحاب هذه المقارنات العبثية يهيئون للعنصريين الأسباب والمبررات للتمادي والذهاب بعيدا في تطرفهم.
السكوت والصمت عن مجرد بوادر ظهور رائحة للكراهية، في المجتمع السويدي، يعتبر مشاركة في التغاضي عن انتشار هذه الكراهية، التي تهدد السويد والمبادئ التي اقيمت على أساسها، فما بالك عندما يتم تشجيع هذه البوادر وتبريرها، بحجج مختلفة، منها: أن هؤلاء “العنصريين” حريصون على بلادهم، ولأنهم يخافون عليها، يريدون حمايتهم، من الأجانب ومن “قرفهم” ومن ثقافتهم “الهمجية”!!
من يبرر ويعلل التصرفات والتصريحات العنصرية، خاصة ممن ينتمي إلى خلفيات أجنبية بغض النظر، عن القومية أو الدين أو العرق الذي ينتمي له، قد يساهم بإرادته في تقوية من سينقلب عليه وعلى أولاده في يوم من الأيام.
نقول لمن يعتقد أن تمتعه بدرجة اندماج عالية في المجتمع، قد يحميه من آفة العنصرية، ويحسب نفسه وكأنه في الجهة الآمنة، وفي صف واحد مع هؤلاء المغرقين في “سويديتهم” المفتعلة بشكل مبالغ فيه، نقول لهم إنهم مخطؤون جداً، لأن اثبات الولاء للسويد كوطن وكمجتمع لا يحتاج إلى الإعجاب أو الانخراط في تيارات التطرف وتبرير أفعالها، ولأن التطرف هو عنوان للجهل، وللكراهية. وإذا كنت تحب السويد، وتحترمها يجب عليك أن تساهم في مكافحة التيارات المتطرفة والعنصرية، وتمارس مواطنتك ضمن ثنائية الحقوق والواجبات.
من المسلم به أن تيارات التطرف العنصري في السويد، تتغذى على مشاهدات وظواهر مسيئة يقوم بها بعض المهاجرين الأجانب، خاصة عندما يتم وضع هذه المشاهدات وتوظيفها إعلاميا ودعائيا، في خدمة أهداف سياسية، من قبل أحزاب نشأت أصلا وترعرعت على التخويف من تزايد عدد الأجانب وتأثيرهم الثقافي، خاصة المسلمين منهم في المجتمعات الأوروبية.
هذه الدعايات السخيفة، تنسى، مثلا، أن الكتلة الكبيرة من المسلمين في أوروبا هم من المندمجين والمساهمين في بناء المجتمعات الاوروبية، منذ عدة عقود، ووجود شواذ وحالات تطرف، هي حالات محدودة، يتم أحيانا تضخيمها إعلاميا.
ومع أن الحكومة والمجتمع في دولة مثل السويد، تتعامل مع كل تجاوز، أو جريمة، أو حتى جنحة بشكل ذاتي، ولا تعمم الذنب على المجموعة التي ينتمي لها المذنب، إلا أن تأثير إرسال إشارات إعلامية وسياسية، ضد مجموعات عرقية أو دينية، لا يزال يشكل خطرا كبيرا، لم تتعافى البشرية بعد من آثاره الهدامة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وهنا تحضرنا مفارقة أخرى، حيث أنشأت بعض الجماعات العنصرية، مواقع إعلامية لرصد اي جريمة أو جنحة أو مخالفة يقوم بها شخص أسمه مثلا: أحمد أو فادي أو محمد .. أو أي أسم عربي أو شرقي، ومع أن هذه المواقع لم تجد من يروج لها، نجد أن هناك بعض المواقع العربية التي تقوم بهذه المهمة، مجانا، لتنقل وتنشر عن هذه المواقع هذا النفس العنصري وتتباهى بأنها نشرت خبرا مقترنا بإسم شرق أوسطي أو عربي.
موجة انتشار شعبية الأحزاب اليمينة المتطرفة في الآونة الأخيرة، في أوروبا عموما، استفادت أيضا من ارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الركود وتفاقم الوضع الاقتصادي، والربط الخبيث وغير الواقعي بين البطالة وتدفق المهاجرين وجد آذان صاغية، لدى فئات من الطبقة الوسطى السويدية أو الأوروبية، الخائفة على نفاذ فرص العمل. وهنا ينسى، مرة اخرى أصحاب هذا الربط المساهمات الكبيرة التي يقدمها المهاجرون في تحريك الاقتصاد والاستهلاك، وفي أخذ وظائف وأعمال، لا يرغب أو لا يجيد دائما القيام بها الآوروبيون.
وبالعودة إلى وثيقة حزب “سفيريا ديمكراترنا” السرية التي نشرت قبل يومين، وتضمنت 33 بندا تحدد برنامج الحزب من قضايا اللجوء والهجرة، نذكر أن عدة خبراء في القانون، تحدثت معهم الصحيفة السويدية إكسبرسن، اعتبروا هذه الوثيقة مخالفة للقانون السويدي، وللاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأكدوا أيضا على أن الوثيقة تثبت ميول هذا الحزب المبنية على الكراهية للأجانب عموماً، على أسس عنصرية.
وعلى الرغم من أن أدبيات الحزب لا تتضمن تعبير “العرق” لتمييز وتصنيف البشر، كما فعل الحزب النازي في ألمانيا في فترة مابين الحربيين العالميتين، إلا أن لغة وسلوك حزب “سفيريا ديمكراترنا” تثبت بشكل قاطع عنصريته (رسميا يرفض هذا الحزب وصفه بالعنصرية) المبنية على الدعوة للاقصاء والشحن الطائفي والفصل العنصري.
هذا الاستنتاج خرجت به الباحثة أولا إكستروم فون في جامعة سودرتون، والتي كرست سنتين او اكثر لدراسة هذا الحزب وميوله.
ورغم كل ذلك نجد من يدافع عن هذا الحزب من بين الأجانب أنفسهم، مع أن المجتمع السويدي ومنظماته المدنية والحقوقية تحذر من خطره، على الأجانب عموما. ورغم ذلك نجد ايضا أن هناك اجانب ينتمون لهذا الحزب، الذي شهد انسحابات من أصول أجنبية خارج صفوفه. ونجد ايضا ان هناك من ينوي انتخابه، فهل هذا مؤشر جهل أم دليل على وجود رواسب أحقاد قديمة تجاه بعضنا؟
لماذا إذن لا نقف مع المجتمع والحكومة السويدية في وقف خطر هذه الاحزاب المتطرفة؟ لماذا إذن لا نقف مع أنفسنا لحماية أنفسنا؟
رئيس تحرير الكومبس
د. محمود الآغا