عندما نصدق الإدعاءات بحق جوليان آسانج ونشكك بالقضاء الإماراتي

: 7/21/13, 7:34 PM
Updated: 7/21/13, 7:34 PM
عندما نصدق الإدعاءات بحق جوليان آسانج ونشكك بالقضاء الإماراتي

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

منبر الكومبس: أثار قرار محكمة إماراتية بسجن فتاة نرويجية 16 شهرا بتهمة الزنا وشهادة الزور، اهتمام الصحف ووسائل الإعلام العالمية ومنها الصحافة السويدية، وكتبت المسائية السويدية أفتوبلادت مقالا، في 19 يوليو الجاري، تضمن مقابلة مع الفتاة تحت عنوان: نرويجية اغتصبت في دبي وعوقبت بالسجن، مرفقة مع صورة كبيرة لبطلة القصة مارثا ديبورا داليلف، البالغة من العمر 24 عاما.

منبر الكومبس: أثار قرار محكمة إماراتية بسجن فتاة نرويجية 16 شهرا بتهمة الزنا وشهادة الزور، اهتمام الصحف ووسائل الإعلام العالمية ومنها الصحافة السويدية، وكتبت المسائية السويدية أفتوبلادت مقالا، في 19 يوليو الجاري، تضمن مقابلة مع الفتاة تحت عنوان: نرويجية اغتصبت في دبي وعوقبت بالسجن، مرفقة مع صورة كبيرة لبطلة القصة مارثا ديبورا داليلف، البالغة 24 عاما.

المقال حاول إظهار الفتاة النرويجية على أنها أصبحت ضحية مرتين، المرة الأولى عندما اغتصبت والمرة الثانية عندما دفعت ثمن جريمة اغتصابها حكما جائرا عليها بالسجن. المقال تضمن أيضا شرحا لنظام الحكم السياسي والقضائي في إمارة دبي ودولة الإمارات عموما، إضافة إلى تقديم نبذة عن حكم الشريعة الإسلامية فيما يخص جرائم الزنى، مركزا على ضرورة إثبات واقعة ممارسة الجنس، في كل قضية من هذا النوع

.

وفي سياق عرض قصة مارثا، وكيف اكتشفت، في صباح اليوم التالي أن زميلا لها في العمل، قام باغتصابها وهي نائمة، بإحدى غرف فنادق دبي في مارس من العام الحالي، تطرق المقال إلى قيام شرطة دبي بالتحقيق، وجمع الدلائل، بما فيها تقارير الطب الشرعي.

وبين المقال أن الفتاة فشلت باقناع القضاء الإماراتي بحدوث اغتصاب، وأن المحكمة استندت عند إصدار الحكم بحق الفتاة على عدة دلائل، منها ماجاء على لسان المدعية نفسها

.

تعيد الجوانب القضائية المتعلقة بقضية اغتصاب الفتاة النرويجية في دبي، إلى الأذهان قضية اتهام جوليان أسانج، بتهم الإغتصاب والتحرش الجنسي، القضية التي لا يزال القضاء السويدي على أساسها يطالب صاحب موقع ويكيليكس، بالمثول أمام محكمة سويدية.

القضاء السويدي هنا يسعى للقيام بما قام به القضاء الإماراتي، وهو البحث و التحقق من شكوى رفعت إلى الشرطة، من قبل مدعيين عليه بالإغتصاب، وجمع الأدلة والقرائن، والاستماع إلى طرفي القضية، واستدعاء شهود في حال توفرهم

.

ولأن جرائم الإغتصاب هي من أفظع وأبشع الجرائم الجنائية، التي يعاقب عليها القانون والأديان والأعراف، فلا بد أولا وقبل كل شيء التأكد والتحقق، قبل إصدار الأحكام.

لا شك أن مهمة القضاء السويدي في مثل هذه الدعاوي لا تشبيه مثيلاتها في دول عديدة، لأن ما يعتبر جماعا بالتراضي لا يدخل ضمن جرم الزنى، الذي تعاقب علية دول ومجتمعات عديدة. لهذا السبب تضطر الأجهرة القضائية في بلد مثل السويد، إلى الخوص أكثر بكل تفاصيل قضية اغتصاب معروضة أمامها، لكي تتحقق من أن فعل الجماع، ولآخر لحظة، حصل بدون اعتراض أحد الطرفين.

يقول أحد المحلفين السابقين في القضاء السويدي، إن التحقيق في هذا النوع من القضايا، يحتاج إلى أدق التفاصيل، وهناك قضايا عديدة سحبت قبل أن يبت بها، مع أن القضاء السويدي يتعامل معها بكل جدية.

وربما لهذا السبب، لا يرغب جوليان آسانج خوض معركة تبادل تفاصيل حجج قضائية في بلد، لديه مفهوما قد يكون مغايرا عن مفاهيم الاغتصاب في أغلب دول العالم، خاصة أن هناك من يعتقد بوجود نظرية مؤامرة، في قضية أسانج نظرا للبعد السياسي لشخصيته وقيامه بإزعاج الولايات المتحدة أكبر قوة دولية

لقد وجد القضاء الإماراتي نفسه أمامه قضية تعاقب عليها قوانين البلاد، قضية مكتملة العناصر، لتصبح جرما أو جنحة، وكل هذا بفضل اعترافات، أدلت بها الفتاة "الضحية" بنفسها. تقول الفتاة: إنها عندما استيقضت من نومها، في الصباح، أدركت أنها تعرضت للاغتصاب في الليل، وهي تتذكر أنها حاولت منع "الجاني" وقالت له "لا" عدة مرات، إلا أنه استمر بالضغط على جسدها، وهي مستلقية على بطنها.

والجاني هنا، هو أحد زملائها في العمل، وكان معها ضمن رحلة مشتركة قامت بها الشركة التي تعمل بها، الفتاة منذ العام 2011 وهي شركة بيع ملابس، مقرها العاصمة القطرية الدوحة

ولعل المحقيقن في الإمارات لم يجدوا صعوبة، برسم سيناريو، لما حدث مع الفتاة، تلك الليلة. استنادا إلى اعترافات قدمتها الفتاة بكل حرية وصراحة، حيث اعترفت أنها كانت تحت تأثير الكحول، وبأن الرجل، المدعى عليه، اصطحبها إلى أحد البارات قبل الصعود إلى الغرفة، وهناك من يقول إنه ساعدها لأنها كانت في حالة سكر شديدة، وبأن عامل استخدام العنف ضدها من قبل الرجل لم يكن مثبتا

وما لم تحسب الفتاة له حساب، كما يبدو، أن الدخول في تفاصيل عملية الجماع، ورصد النوايا وقياس الرغبات، ليس من اختصاص القضاء والشرطة الإماراتية، وأن الاعترافات والتحقيقيات المتوفرة، كافية لإدانة الفتاة، بثلاثة بنود يعاقب عليها القانون في البلاد: وهي الزنى وشرب الخمر، والإدعاء الكاذب.

قضية مارثا النرويجية، أخذت الآن بعدا سياسيا، ليس بحجم قضية جوليان آسانج، بطبيعة الحال، لكنها أصبحت ضمن القضايا الدبلوماسية بين الإمارات والنرويج، كما لاقت ردود فعل عنيفة من قبل الرأي العام النرويجي، حيث أعلنت عدة مدارس مقاطعتها لشركة التوظيف التي وظفت الفتاة، وتخلت عنها فيما بعد، وقامت بفصلها.

وزير الخارجية النرويجي ايسبان بارك أطلق تصريحا، استغرب فيه أن تتم محاكمة من تقدم بشكوى لتعرضه لاغتصاب ويدان باعمال لا تعتبر حتى جنحة في بلاده،

فيما قالت المستشارة السياسية لوزارة الخارجية النرويجية كاثرين راديم إنها تأمل بان يعطي الحوار السياسي ثماره

“لكن في الوقت، الراهن هناك استئناف وسوف نرى ماذا سيحدث في المستقبل

لا شك أن التعاطف مع هذه الفتاة هو أمر واجب من ناحية إنسانية أولا، لأنها كما يبدو ذهبت ضحية عدم إدراك وعلم، بقوانين وثقافات الدول التي تعمل بها أو تزورها. فمن المستبعد أن يكون تصرفها ناجم عن تفكير بعملية ابتزاز، للحصول على تعويضات، كما يجري أحيانا في قضايا يكتشفها القضاء السويدي، مبكرا. وقد لا يعلن عنها كثيرا، لكي لا تشكل عامل تردد أمام من يتعرضون للإغتصاب فعلا، قد تمنعهم من تقديم شكوى للشرطة

.

اللافت في قضية الفتاة النرويجية، هو ليس فقط الإنحياز التام في إدانة القضاء الإماراتي، من قبل الإعلام الغربي، بل في طريقة سرد القصة المقرونة دائما بتذكير القارئ، بمفردات لها علاقة بالإسلام المتشدد وبالثقافة العربية المتأخرة، والغمز واللمز من اضطهاد المرأة ووقوع الظلم عليها من قبل الرجل والمجتمع

وكما فشلت الفتاة في إثبات وقوع اعتداء عليها واغتصاب، بسبب عدم تعرفها على ثقافة الآخر، يفشل الإعلام الغربي ، ولنفس السبب، مرة أخرى في لصق تهم نمطية بثقافات وعادات شرقية، بسبب قصوره في التعرف على الآخر وثقافته

د. محمود الآغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.