عندما نكون ملكيين أكثر من الملك

: 3/29/18, 9:46 AM
Updated: 3/29/18, 9:46 AM
رئيس تحرير شبكة الكومبس محمود آغا
رئيس تحرير شبكة الكومبس محمود آغا

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

منبر الكومبس: في بلد مثل السويد، نرى أن هناك فرصاً للجميع، بما فيهم أصحاب الأصول الأجنبية، ليصبحوا وزراء ونواب ومسؤولين. دخول هؤلاء إلى عالم السياسة وصعودهم إلى سلم الوظائف والشهرة، ليس بسبب فقط لعبة شرط التمثيل لكل فئات المجتمع، بل لأنهم بالأصل يحملون الكفاءة والمهارة التي تخولوهم تمثيل انتماءاتهم الاثنية والدينية بالطرق الديمقراطية المتاحة.

ومع أن النظام السياسي السويدي غير قائم على نظام (الكوتا) المحاصصة، إلا أن هناك حرصا على أن تفرز العملية الديمقراطية تمثيلا واقعيا يتواجد في قيادات المجتمع والدولة.

هذا الحرص ضَمَنَ لمن لهم أصول أجنبية، مقاعد في البرلمان، وفي مجلس الوزراء وفي مجالس البلدية والمحافظات وحتى في مجالس إدارة بعض الشركات العامة.
يتوهم البعض بأن من يحمل اسم “محمد” أو “إيلي” أو غيره من الأسماء الشرقية أو العربية سيقوم على خدمة بني جلدته، وقضاياهم الداخلية والخارجية، عندما يحصل على مرتبة سياسية تخوله القيام بذلك، مع استثناءات قليلة.

التجربة اثبتت أن معظم السياسيين من أصول أجنبية يطبقون شعار “أنا ملكي أكثر من الملك” أي أنهم يتبنون سياسات متشددة من قضايا إشكالية تتعلق بالاندماج والفروقات الثقافية والدينية. القليل منهم فقط يتولون الحديث مع اللاجئين والمهاجرين، ويحاولون تفهم قضاياهم والدفاع عنها، مثل مواضيع لم الشمل وتأمين السكن للقادمين الجدد ومساعدتهم على الترسيخ في المجتمع. فيما يحاول بعض هؤلاء السياسيين التعاطف مع قضايا خارجية ينتمون لها أكثر من تعاطفهم مع جالياتهم في السويد نفسها.
وتتزايد المفارقات عندما يلعب السياسيون من أصول مهاجرة، أدوارا متشددة تجاه الأقليات التي ينتمون لها، خاصة عندما تدفع بهم أحزابهم أو المسؤولون عنهم إلى واجهة التصدي لقضايا تخص الأديان أو الحريات أو الإشكالات الثقافية اجمالا.

والأمثلة واضحة وعديدة، وهي ليست فقط سلبية، بل منها ما هو إيجابي، حيث يتطلب من السياسي ان يكون متشددا وواضحا في قضايا لا تتطلب المهادنة، ومنها مواقف سلبية تصل إلى حد الدعوات العنصرية، أي أن من ينتمي إلى ضحايا العنصرية يتحول إلى جلاد أو سوط بيد الجلاد.
من الأمثلة التي تعتبر سلبية، القيادي في حزب المحافظين الموديرات وعضو البرلمان حنيف بالي، وهو من أصول شرقية ومسلمة، لكنه وفي كل مناسبة يظهر عداء وكراهية واضحة ضد اللاجئين خاصة المسلمين منهم، هذا ما دعا حزبه إلى فصله من قيادة الحزب.
كلنا يتذكر الدعوات المتكررة لوزيرة التعليم الثانوي السابقة الشابة عايدا هاتسياليج، لإغلاق المدارس الدينية الحرة، الوزيرة التي استقالت في أغسطس العام 2016 بعد اكتشاف الشرطة أنها احتست كمية ضئيلة من الخمر، وهي وراء مقود السيارة هي أيضا من أصول بوسنية مسلمة، وللمفارقة أيضا فقد تبنت هذه السياسية، إلى جانب إغلاق المدارس الدينية، قضية الشبان السويديين المهمشين في المناطق النائية في السويد، مع أنها هي من أصول لاجئة، مقابل “موضة” تبني معظم السياسيين للشبان المهاجرين المهمشين في الضواحي، فهي أول من أطلق دعوة لدعم “إيريك” واسم “إيريك” هو رمز للشبان السويديين في القرى والبلدات السويدية النائية.

الآن وزير آخر يتبنى موضوع المدارس الدينية الحرة، التي لا تنتمي إلى المناهج السويدية، ويحاول الترويج لإغلاقها، وبغض النظر عن صحة أو خطأ هذا التبني، فهذا الوزير هو أيضا من أصول مهاجرة ومسلمة. الوزير أردالان شيكارابي، الذي ولد في إيران، وجاء إلى السويد مع والدته وهو في عمر العشر سنوات تقريبا، يحمل حاليا حقيبة الشؤون المدنية في الحكومة، يقول في مقال له نشرته المسائية السويدية الأفتونبلادت، قبل أيام: عندي تجربة خاصة فقد رأيت بعيني كيف تم تشييد سور في المدرسة الابتدائية بين قسم الذكور وقسم الإناث عندما كنت أدرس في إحدى المدارس التمهيدية في إيران. وهنا في السويد، نرى أن المدارس الدينية أدت إلى زيادة الفوارق والفجوات على نطاق واسع بين أبناء المجتمع، وأن هذه المشاكل قد زادت في السنوات الأخيرة.
وأكد الوزير أنه لا يجوز تلقين الطالب الدين، بل جعله على علم به، مشددا على أن المدرسة يجب أن تمثل القيم والمبادئ الواردة في الدستور.

فيما ذهبت الوزيرة الليبرالية السابقة نيامكو سابوني، إلى اقتراح ضرورة إجراء كشف طبي إلزامي على كل فتيات المدارس، للكشف عن حالات ختان البنات، عند دخولهم المرحلة المتوسطة (من السابع إلى التاسع) وهذه الوزيرة والتي هي من أصول مسلمة وإفريقية تصدت لحالات تمييز ضد المرأة بشكل إيجابي ولكن أصولها كانت تسمح لها بطرح المواضيع بشكل أكثر حدية، فيما إذا كانت من أصول سويدية.
من حق السياسيين من أصول أجنبية أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، ولكن من واجبهم أيضا الانفتاح أكثر على الفئات التي هم أنفسهم أو أهاليهم كانوا ينتمون لها، والتعرف على مشاكلهم، وتطلعاتهم وعدم الاكتفاء بحمل أسمائهم وملامحهم ومورثاتهم.

د. محمود صالح آغا

رئيس تحرير شبكة الكومبس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon