المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
تغيرت مواقف جماعة الاخوان المسلمين، ليس تجاه العلويين فقط بل تجاه المجتمع السوري ككل، و «وثيقة العهد» التي قدموها للشعب السوري مؤخراً خير دليل على ذلك. لكنني أقول بكل مرارة إن الاخوان العلويين قد تغيروا في الاتجاه المعاكس: الاتجاه السلبي وطنياً، وسأدلل على صحة قولي بما يحدث في قريتي بشراغي في ريف جبلة
في 1981 كنت موقوفاً بتهمة الانتماء الى «رابطة العمل الشيوعي» داخــــل قاووش فـــي سجن كفــــــر سوسة مع سجناء آخريـــن جلّهم من أبناء الحركة الاسلامية، وكان أحدهم من مدينة حماة يفاخر بانتمائه إلى جماعة الاخوان المسلمين. وقد خاطبني أمام الجميع قائلاً: «اذا وصلنا الى الحكم سنقتلك مرتين، مرة لأنك علــــوي، ومرة لأنك شيوعي». تغيرت مواقف جماعة الاخوان المسلمين، ليس تجاه العلويين فقط بل تجاه المجتمع السوري ككل، و «وثيقة العهد» التي قدموها للشعب السوري مؤخراً خير دليل على ذلك.
لكنني أقول بكل مرارة إن الاخوان العلويين قد تغيروا في الاتجاه المعاكس: الاتجاه السلبي وطنياً، وسأدلل على صحة قولي بما يحدث في قريتي الآن: قريتي بشراغي في ريف جبلة احتضنت ثورة الشيخ صالح العلي، وجرت فيها معركة عين فتوح الشهيرة التي انتصر فيها الثوار، ولم يكن لديهم سوى ثلاث بنادق إحداها للشيخ صالح والثانية لمختار القرية والثالثة لمختار قرية خرايب سالم. اما بقية الثوار فكان سلاحهم الحجارة. بعد تلك المعركة توسعت رقعة الثورة لتشمل القرى المجاورة مثل جيبول ودرميني وبسنديانا والدالية وبشيلي وبيت عانا… ولقد روت لي والدتي بعضاً من معاناتهم وكان أشدها عندما تم قصفهم بطائرات شاهدوها لأول مرة في حياتهم. ولكنها لم تزدهم إلا إصراراً على مناصرة الثوار بقيادة الشيخ صالح العلي.
ترى ما الذي جرى لقريتي وجعل حفيدة الشيخ صالح العلي فيها تقول متحسرة: «يوجد في ضيعتنا أكثر من مئة عرعور»!، والأمر ليس أحسن حالاً في القرى العلوية المجاورة.
حقـــاً انه لشيء محيــــر أن يشــــارك ابنـــاء تلك القرى بقوة في صنع استقلال سورية الأول ودحر احتلالها الخارجي، وحين تحين لحظة الاستقلال الثاني من اجل دحر الاحتلال الداخلي المتمثل بالاستبداد، والذي بينت الأحداث انه اخطر وأسوأ من الاحتلال الخارجي، نجدهم يتقاعسون عن مشاركة أبناء الشعب السوري آلامهم وآمالهم.
عوامل عديدة أدت الى محنة الطائفة الحالية، من بينها ما يمكن ان نطلق عليه «مكر التاريخ» الذي حول الطائفة من فئة فقيرة مهمشة مظلومة الى فئة متجبرة متغطرسة ظالمة. لقد تم هذا بعد ان نجح حافظ الاسد في استدراجها الى لعب دور عصا النظام عبر وضع عدد كبير من ابنائها في مواقع صنع القرار واغراقهم بـ «خيرات» المنصب والنفوذ، والسماح لهم باستثمار مواقعهم لتحقيق منافع مادية، بطرق مشروعة وغير مشروعة، الى الحد الاقصى، والصعود في سلم القوة الاجتماعية، كي يكونوا جاهزين للدفاع عن النظام عند الحاجة، وذلك على قاعدة «اللي يأكل من صحن السلطان يضرب بسيفه».
لقد غدت فئة تعاني من عقدة اضطهاد قديمة، عبر سياسة تمييز نفذها نظام مستبد، في موقع القوة المقررة في الحياة الوطنية، فتحولت الى قوة متسلطة على الشعب ومصالحه وحقوقه وحرياته. وهذا دفع قطاعات كثيرة من ابنائها لتكون ليس ضد الثورة الشعبية التي انفجرت في وجه الاستبداد وحسب، بل رأس حربة النظام لمواجهة قوى الثورة وممارسة عمليات قتل وحشية ضد شركاء الوطن تجسيداً لمخاوف وأوهام عقدة الاضطهاد. وهو ما انفجر عنفه الى اقصاه تعبيراً عن الخوف من العودة الى الموقع القديم في المعادلة الاجتماعية والوطنية.
ان اكثر ما يخيــــف ويقلــــق في حالة الطائفــــة هــــــو قبولها للموقــــع الــــذي استدرجها اليه نظام مستبد وفاسد، وقبولها التعاطي من اخوة الوطن على اساس التمييز، واستمراؤها تحقيق مكاسب على حساب ظلمهم وقهرهم، واسباغ الشرعية والاخلاقية على سلوك غير اخلاقي وبلا مستقبل، سلوكٍ مصيره السقوط مهما طال الزمن.
كان المنتظر من ابناء الطائفة، وبخاصة الفئات المتعلمة والعاقلة، ان تعيد النظر في المعادلة التي كرسها الاستبداد، والنظر الى المستقبل بدلالة المشترك الوطني الثابت، والعيش في ظل العدالة والمساواة والمواطنة في نظام ديموقراطي، بخاصة ان هدف الثورة السورية قيام نظام ديموقراطي ودولة مدنية تساوي بين كل المواطنين بغض النظر عن الدين والمذهب والجنس، والنظر الى جميع المواطنين بعين واحدة، ومعاملتهم بمقياس واحد، حافظةً حقوق العلويين أشاركوا في الثورة او لم يشاركوا.
في كل الأحوال تحتاج الطائفة وأبناؤها الى تعاط متفهم لمحنتها الحالية والى يد تمتد لتتلقى يدها عندما تعود الى طبيعتها وتشارك في بناء سورية المستقبل.
ذلك هو الطريق السليم لدفع الطائفة الى العودة، كما كانت في السابق، قوة تحررية تأخذ موقعها الصحيح ضمن النسيج الوطني السوري.
كامل عباس
الحياة اللندنية
٢٣ يوليو ٢٠١٢