المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: تبقى مسألة الشعور بالانتماء إلى البلد الجديد من أهم عوامل الاندماج، شعور نابع من الحاجة إلى الاستقرار أولا، بالإضافة إلى واجب الوفاء للمجتمع، الذي وفر فرص حياة جديدة للاجئين، فما هي معيقات التمتع بهذا الشعور المهم.
استقبلت أوروبا في الأعوام الماضية مئات الآلاف (وصل العدد إلى مليون وأكثر) من اللاجئين عبروا البحار ومختلف الطرق الأخرى هرباً من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف ببلادهم، لا سيما بسبب ما يجري في منطقة الشرق الأوسط الجار القريب البعيد للقارة العجوز.
وفرت أوروبا لهؤلاء المأوى والمسكن والملبس، بصورة أعم الأمن والأمان، وهو مجهود تستحق عليه الشكر شعوباً وحكومات، كانت الجهود الأوروبية ثمرة اتفاقيات مكتوبة مثل دبلن وجنيف، واتفاقيات أدبية تعهد بها المواطن الأوروبي وحكوماته ألا يتكرر ما حدث إبان الحرب العالمية الثانية التي حصدت أرواح الملايين وعانى كثيرون من امتهان لحقوقهم جرى تحت عناوين قومية وعرقية بغيضة.
وهكذا كان، تدفق اللاجئون بأعداد كبيرة قاصدين دول أوروبا الغنية بشكل خاص وكانت الحصة الأكبر من نصيب ألمانيا تليها السويد، تعالت أصوات المواطنين الأوروبيين بين مرحبين بالفعل الإنساني لحكوماتهم، وبين آخرين وجدوا في هذا التدفق البشري تهديداً للهوية الأوروبية، فالقادمون الجدد سيحملون معهم قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وسيؤثرون في المجتمع المضيف بصورة ما كما سيتأثرون به.
يطالب الأوروبيون القادمين الجدد بالاندماج في مجتمعاتهم، وتساعد الحكومات هذا القادم وتضعه في بداية الطريق فتقدم له احتياجاته ليتمكن من العيش والانخراط بالمجتمع، والخطوة الأهم أنها توفر له مدارس مجانية لتعلم لغة البلد والاطلاع على ثقافتها.
بالمقابل يصبح مطلوبا من اللاجئ أن يخطو بدوره على درب الاندماج، فيبذل جهداً في تعلم اللغة وفهم ثقافة الشعب المضيف، وهو ما يحال أن يقوم به الأكثرية من اللاجئين عموماً.
تبقى مسألة الشعور بالانتماء إلى البلد الجديد من أهم عوامل الاندماج، شعور نابع من الحاجة إلى الاستقرار أولا ومن واجب الوفاء للمجتمع الذي وفر فرص حياة جديدة للاجئين، وهناك من يفهم الشعور بالانتماء للبلد الجديد كبديل للتخلي عن الشعور بالوطنية والانتماء للهوية الأصلية، وهذا طبعا غير صحيح، فمن الممكن دائما ان يحتفظ الإنسان المهاجر بالانتماء لهويته الأولى إلى جانب الولاء للبلد الجديد.
ولا شك أن المهاجر يمر بمراحل صعبة جدا حتى يشعر بالاستقرار، ومن ثم يشعر بالانتماء للبلد الجديد كمقدمة للاندماج به، فعدا القهر والحاجة التي اجبرته على الانفصال عن وطنه، بالإضافة إلى أهوال ومشاق السفر واللجوء يمكن للاجئ أن يتفاجأ بنوع جديد من المأساة والإحباط، إنه الشعور ببيروقراطية مكاتب الهجرة و طريقة عملها البطيئة، التي تحول حياة الهارب من جحيم المعارك والدمار إلى جحيم الانتظار والقلق.
مصلحة الهجرة تتحجج بنقص الموظفين أو بسبب توخي الدقة في دراسة القضايا، ففي بلد مثل السويد حيث يسود نظام يمكن أن يكون قريبا من النظام الاشتراكي، قد لا يصبح المرء عضواً فعالاً في المجتمع ما لم يحصل على كرت الإقامة و الرقم الرباعي، خارج هذا الإطار هو كائن مؤقت في وضعية الانتظار، وقد تطول هذه الحالة لأشهر وربما سنوات، هذه الفترة قد لا تبدو طويلة بالنسبة لدائرة حكومية، خاصة عندما تعتقد أن سنة أو سنتين رقماً غير هام في تاريخ البشرية، لكنه حتما رقما مهما في حياة كل فرد بحد ذاته، و بقاء أي شخص هذه المدة على وضعية الانتظار عامل سلبي في عملية اندماجه، و بناء ما تبقى من مستقبله الذي كاد يفقده في بلده الأصلي التي تعاني من حروب أو فقر أو مجاعات. ولكي لا تبقى أعداد المهاجرين عالة أو عبء على المجتمعات التي تستقبلهم، المفروض منحهم الشعور بالانتماء، هذا الشعور قد لا يقل أهمية عن تأمين الاحتياجات الإنسانية من طعام ومسكن، لأنه بداية الطريق نحو اندماج حقيقي.
رنا أبو شنب
مالمو
المقالات تعبر عن رأي أصحابها وليس بالضرورة عن الكومبس