المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي يكشف عن اسرار الحزب الشيوعي السوفيتي في حوار مع كتاب عراقيين قبل ثلاثة عقود.
لم أكن مشدودا في مقابلة مثل مقابلتي لروجيه غارودي قبل37 عاما لعدة أسباب: أولها لمكانته الفكرية. وثانيها لمكانته القيادية السابقة ليس في الحزب الشيوعي الفرنسي فحسب انما في عموم الحركة الشيوعية الدولية، وثالثها تمثيلي لمجلة فلسطين الثورة الصادرة عن الاعلام الفلسطيني الموحد على الرغم من كوني عراقيا ولكني أكتب بأسم غسان عكاوي.
المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي يكشف عن اسرار الحزب الشيوعي السوفيتي في حوار مع كتاب عراقيين قبل ثلاثة عقود.
لم أكن مشدودا في مقابلة مثل مقابلتي لروجيه غارودي قبل37 عاما لعدة أسباب: أولها لمكانته الفكرية. وثانيها لمكانته القيادية السابقة ليس في الحزب الشيوعي الفرنسي فحسب انما في عموم الحركة الشيوعية الدولية، وثالثها تمثيلي لمجلة فلسطين الثورة الصادرة عن الاعلام الفلسطيني الموحد على الرغم من كوني عراقيا ولكني أكتب بأسم غسان عكاوي.
كان ذلك سنة 1976 اي بعد اكثر من ست سنوات من انتفاضته الفكرية والسياسية ضد المنهج السوفيتي في جيكوسلوفاكيا بعد ربيع براغ حيث اراد المكتب السياسية للحزب الشيوعي فيها بقيادة سكرتيره العام دوبتشك ان يخط مسيرته السياسية والأقتصادية في بلاده بروح وطنية بعيداً عن الهيمنة السوفيتية وطبيعة علاقاتها الدولية، وإثر خلافات استمرت منذ تسنم الأخير مسؤولياته وانتهت باحتلال براغ التي يناصر سكانها زعيم حزبهم البارز وتوجهاته التنموية والسياسية حيث نزلوا الى الشوارع بوجه الدبابات السوفيتية وذلك في ربيع سنة 1969.
جاء روجيه غارودي الى العراق بمعية فريق آثاري ثقافي فرنسي غير حكومي وسكن فندق بغداد أرقى فنادق العاصمة آنذاك والمطل على نهر دجلة. ولم تنتبه له وسائل الأعلام الرسمية على حد علمي فيما تابعه الاعلام الفلسطيني الموّحد الذي يمتلك علاقات مهمة مع منظمات وشخصيات عالمية من مختلف الأتجاهات يجمعها مناصرتها للقضية الفلسطينية في اوروبا وفرنسا منها بشكل خاص إذ يقف غارودي في المقدمة.
وفي مجلة "فلسطين الثورة" اعلمني رئيس تحريرها السيد وصفي بوجود غارودي واقترح أن استثمر ذلك. واعتبرت وجوده مناسبة لا تتوفر دائماً لاجراء حوار حول السياسة الدولية وتحولاتها والتصورات الداخلية في دول المنظومة الأشتراكية وكذلك في الأحزاب الشيوعية والأشتراكية في اوروبا الغربية.
وبعد ترتيب الموعد معه قررت أن اضع خطة لمقابلته اذ لا بد من وجود مترجم من اللغة الفرنسية الى العربية وبالعكس على ان يكون بمستوى لغوي وثقافي وسياسي ممتاز. وتحدثت بهذا الأمر الى الدكتور مصطفى الإمام التدريسي في الجامعة المستنصرية وخريج جامعة مونبيليه في فرنسا الذي زودني بمعلومات اضافية عن غارودي ورشح لي كل من الدكتور همام الشماع والدكتور طالب البغدادي كونهما مثقفان وخريجا الجامعات الفرنسية فضلاً عن اهتمامهما شخصياً بأنشطة من هذا النوع.
وقبلهما تداولت بمجموعة من الأفكار الحوارية والأسئلة التي تتناسب مع المستوى الفكري والسياسي للفيلسوف غارودي مع رفيقي وصديقي الذي لا يعوَّض المرحوم نور الدين كاظم حسين الحكيم كونه ناشطاً ثقافياً اذ اتفقنا ان يحضر المقابلة بخاصة وانه يعمل معي في المجلة وبأسم مستعار ايضاً.
وبعد ترحاب الدكتور الشماع والدكتور البغدادي بالفكرة ابلغتهم بالموعد حيث توجهنا نحن الأربعة الى فندق بغداد لنشكل فريقاً لمقابلة غارودي ولو جرت المقابلة في هذه الأيام لأسميتها 4+1 على غرار محادثات دول مجلس الأمن + المانيا امام ايران بخصوص المفاعل النووي الأيراني.
فوجيء غارودي بوجود أربعة اشخاص في غرفة صغيرة بفندق بغداد وتداركت الامر اذ قمت بالتعريف وشعر بالأرتياح لوجود الشماع والبغدادي خريجا الجامعات الفرنسية وهنا دخل بموضوع يبدو أنه قد استعد له وهو وضع القضية الفلسطينية في ضوء الحرب الباردة ونظام العلاقات الدولية كوننا نمثل مجلة تنطق بأسم الثورة الفلسطينية حيث استدرك وسأل من تمثلون من الفلسطينيين قلت نمثل الإعلام الفلسطيني الموّحد اي جميع الفصائل تقريباً وهي تجربة جديدة نحاول انجاحها واستمرارها.
واستمر روجيه غارودي بالحديث عن الوضع الدولي وأثره على القضية الفلسطينية على الرغم من رغبتي في اثارة موضوع انتفاضته على الأتحاد السوفيتي في سياسته ضد جيكوسلوفاكيا مما ادى الى فصله من عضوية المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي ومن الحزب كله في وقت كان يشغل مسؤولية الفكر فيه، إلا انه عد تأثير التطورات في طبيعة العلاقات الدولية على القضية الفلسطينية المسالة الأولى.
وبهذا الصدد اكد ضرورة الوحدة الفلسطينية والتلاقي على الخيارات الوطنية وترك الخلافات واساليب تنظيرها اي عدم اعطاء الخلافات الأدارية في ادارة الكفاح الفلسطيني السياسي والميداني لبوساً نظريا فكرياً لأن اسرائيل يهمها تماماً ان تضعف القضية الفلسطينية ولا تضعف الا بالتفرقة والخلاف وكثرة الفصائل التي لا يعرف بعضها واين تكون امتداداتها سيما وأن الحكومات في الدول العربيه قد انشأت فصائل تعمل بما تمليه مصلحة هذه الحكومة أو تلك. فحذر كثيراً من هذا المرض معتبراً اياه طريقاً للضعف والأنهيار وتبذير لتاريخ وحاضر كفاح الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات فضلا عن تدمير المقاومة.
وقال بأن طبيعة العلاقات الدولية الحالية قد تكون مساعدة في حالة استثمارها بشكل صحيح فالأتحاد السوفيتي من الناحية السياسية والنظرية بحاجة لأن يدعم حركات تحرر وطني لأعتبارت كثيرة اهمها طبيعة صراعه مع قوى رأس المال الغربي بقيادة الولايات المتحدة وتلبية للتراث الثقافي للحزب الشيوعي فيما يتعلق بقضية الشرق وهنا لا بد لي من التأكيد على حركة التحرر الفلسطيني أن لا تعتمد كلياً على الأتحاد السوفيتي الذي لا يمكن له ان يقاتل عنهم.
من جانب آخر فموسكو بحاجة الى تعويض خسارتها في أوربا الشرقية بعد ربيع براغ والأنتفاضات الشيوعية ضد سياستها وهكذا بالنسبة الى الأحزاب الشيوعية والأشتراكية في اوروبا الغربية التي ابدت معارضتها واحتجاجاتها ضد الهيمنة السوفيتية عليها.
كان هذا خلاصة حوار نتج عن مجموعة اسئلة، ولما سألته عن سبب خلافه مع موسكو ومع حزبه الذي قرر فصله، قال اعذرني فأني لا أريد أن يظهر كلامي عن هذا الموضوع في آلة التسجيل ولم ينتظر أن اقوم باغلاق آلة التسجيل بل بادر ومد يده وأوقفها عن العمل، مؤكداً بأن كلامه هذا خاص جداً راجياً عدم نشره في حينه. وتحدث غارودي عن فهمه للمشكلة الأنسانية وأن الحزب الشيوعي الفرنسي وموسكو يفهمان الصراع العالمي ضمن اطار حزبي لم يتجاوز هذا الاطار مع الأسف لوجود الحراس القدامى الذين يفهمون مصلحة الأتحاد السوفيتي هكذا مثلما كانوا هم.
فمن الأمور المهمة ان موسكو تنظر الى الأحزاب الشيوعية نظرة تابع بشكل أو بآخر لذا لا يعتبر أهمية للتطورات الحاصلة في المجتمعات الغربية والشرقية وانعكاسها على الأحزاب أكانت تحكم في اوروبا الشرقية أو ما اصطلح عليه بالمنظومة الشرقية أو الاحزاب في المعارضة الديمقراطية في بلدان أوروبا الغربية وبالتأكيد لها واقع مؤثر بخاصة الحزب الشيوعي الأيطالي والحزب الشيوعي الفرنسي.
قلت لقد طفا خلاف الحزب الشيوعي الأيطالي مع موسكو ووصل الى وسائل الأعلام. قال صحيح ولكني اريد ان أنقل كلاماً سرياً جرى بين دوبشتك زعيم الحزب الشيوعي الجيكوسلوفاكي وبين ليونيد بريجنيف زعيم الحزب الشيوعي السوفيتي وأضعه امامكم وهذا نقلاً عن دوبتشك نفسه.
وتحدث من انه في احد اللقاءات الأخيرة لهما قال دوبتشك لبريجيف بأن الحزب الشيوعي الجيكوسلوفاكي له نظرة منسجمة ونابعة من واقع شعبنا وظروف بلدنا تتعلق بقضية التطوير وهي على مايبدو لا تتلاءم مع منعكسات الصراع الدولي وتأثيراته على السياسة السوفيتية تجاه المعسكر الغربي ونحن غير معنيين بهذا الأمر اي ليس من الصحيح تعطيل فرص نمونا لكي نقول نحن متضامنون مع الأتحاد السوفيتي.. نعم نحن متضامنون سياسياً واعلامياً وليس على حساب بلدنا واعتقد بان الضرورة تتطلب تحرير الأحزاب الشيوعية من متطلبات الفهم السري السوفيتي للعلاقات الدولية.
ولما سمع بريجنيف هذا الكلام من دوبشتك، ومازال الحديث منقولاً عن روجيه غارودي، كان رد فعل الزعيم السوفيتي بأن غرق في ضحكة هستيرية وسط ذهول دوبشتك وما ان انتهى بريجنيف من ضحكته حتى قال"ألا تعرف بأنه لولا الأتحاد السوفيتي لما كان هناك شيء اسمه الحزب الشيوعي الحاكم في جيكوسلوفاكيا، وهكذا بالنسبة للأحزاب الشيوعية الأخرى في اوروبا الغربية التي ما ان ترفع موسكو يدها عنهم يصبحون في واقع لا يتيح لهم التأثير حتى في الشارع الذي توجد فيها مقراتهم".
وانتهى اللقاء بحل المكتب السياسي للشيوعيين التشيك ووضع زعيمهم دوبتشك في الأقامة الجبرية لمدة معينة وتعيين اعضاء جدد في المكتب السياسي الذي وافق على احتلال براغ.
وبهذه المناسبة اُحيي الدكتور همام الشماع والدكتور طالب البغدادي اينما يكونا وبعد طول غياب.
أكرم طاهر حسان: كاتب عراقي مقيم في دمشق
ميدل إيست أونلاين