المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: انخرط في صفوف أحد الأحزاب العربية اليسارية فترة طويلة، ودرس في إحدى دول المعسكر الاشتراكي، قبل أن يأتي إلى السويد ويستقر بها.
في مناسبة حديث معه عن معنى العمل في المجتمع السويدي وكيف يعطي هذا المجتمع الفرص للشباب وهم في عمر مبكر لكي يتدربوا ويشعروا بطعم جني الأموال بنفسهم، قص عليّ قصة ابنته عندما تقاضت أول راتب لها وهي في عمر16 عاما، بعد عدة أيام عمل في مطعم الوجبات السريع “«ماكدونالدز”.
- أتت ابنتي إلى المنزل غاضبة وهي تقول لنا: تخيلوا لقد أخذوا من 800 كرون ضرائب من راتبي؟ كيف ذلك؟ هذا مبلغ كبير بالنسبة لي، أنا جدا غاضبة، تباً لنظام الضرائب القاسي في السويد، لقد تعبت كل هذه الأيام لكي يخصمون مني هذا المبلغ!
وتابع صديقي: نظرنا أنا وزوجتي إلى بعضنا البعض ولم نستطع أن نكتم ابتسامة تحولت تدريجياً إلى ضحكات عالية، وحاولنا أن نشرح للفتاة أن هذا المبلغ سيذهب إلى خزينة الدولة المسؤولة عن تأمين المدارس والجامعات والرعاية الصحية والشيخوخة والدفاع والأمن والشرطة والنظافة والبيئة …الخ.
صديقي المخضرم وبعد أن أنهى قصته قال لي : هل تعلم أنني هنا فقط في هذه البلد، عرفت المعنى الحقيقي للمقولة الشيوعية أو الاشتراكية المعروفة، « كلٌ حسب طاقته ولكلٍ حسب حاجته» مع كل ما خبرته وتعلمته نظرياً أثناء حياتي التي سبقت استقراري في السويد. عندما رأيت النظام الضريبي وتناسبه مع الخدمات التي يغطيها للأفراد وللمجتمع.
صديق آخر حدثني عن جارته التي تبلغ حوالي التسعين من عمرها، قائلاً، في كل يوم يتناوب على خدمة هذه السيدة الهرمة والمريضة فريق كامل من الموظفين، لغسل ثيابها وتحضير الطعام لها وتنظيف منزلها إلى ما هنالك من خدمات، وأردف متسائلاُ، كم يا ترى كلفة هذه الخدمات؟
لا شك أن الدولة أو الحكومات أو المجتمع لا يحسب ولا يضع فواتير على مصاريف خدمات أي شخص، طالما هذا الشخص بحاجة إلى هذه الخدمات وهو على قيد الحياة، ولأن الإنسان وكرامته غالية فلا بد أن يكون هناك موارد لكي تأمن عدم المساومة عليها وامتهانها. لذلك كان هناك نظام ضريبي عادل أو على الأقل يسعى لأن يكون غير ظالم، يأخذ من المواطن حسب دخله وقدراته، ويعطي لمواطن آخر حسب حاجاته ومتطلباته التي تضمن له العيش كإنسان حر.
ليس ذلك فقط، الدول التي تملك نظاما ضريبياً يتمتع بالعدل والصرامة تستطيع أن تؤمن الموارد الضرورية لحماية نفسها وللمحافظة على الديمقراطية كمبدأ أساسي في حكم المجتمع، فعندما نعلم أن إعادة إجراء محاكمة كلفت الدولة مئات الملايين من الكرونات، بسبب الشك بعدم أهلية المحكمة السابقة، نعلم أن المال هو وسيلة لإقامة العدل وعدم خسارة الثقة بالنظام القضائي.
لهذا السبب كانت السويد توصف بالدولة الاشتراكية مع أن نظامها رأسمالي، ونسب قول لأحد المسلمين عندما زارها: لقد وجدت الإسلام في هذا البلد مع أني لم أجد مسلمين «
رئيس تحرير شبكة الكومبس الإعلامية
د. محمود صالح آغا