المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات : منذ مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي في يوتوبوري عام ٢٠١٣ الذي وضع الأسس الفكرية والسياسية لما نفذته الحكومة بعد الانتخابات العامة خريف عام ٢٠١٤ من إعتراف السويد بدولة فلسطين، منذ ذلك التاريخ تتبلور داخل اروقة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ارهاصات لبلورة موقف تضامني وسياسي اكثر وضوحا بخصوص قضية الشعب الكوردي وحقه في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
لقد دأبت الحكومات القومية في الشرق الأوسط التي نشأت في أعقاب الحرب العالمية الاولى ودخول معاهدات سيفر ولوزان حيّز التطبيق على خنق التطلعات القومية المشروعة للشعب الكوردي، ولم تكتفي حكومات العراق،وتركيا،وإيران وسوريا بتقسيم الدول العظمى لأراضي المنطقة حسب مصالحها الى مناطق نفوذ الدول المنتصرة في الحرب، وإنما عمدت هذه الحكومات التي قامت على أسس قومية الى قمع تطلعات شعب آخر هو الشعب الكوردي. وما سياسات عثمنة، تفريس وتعريب الشعب الكوردي الا وجها واحدا لتناقض المشروع القومي لهذه الحكومات الذي انطبق عليها ما كتبه لينين في بدايات القرن العشرين من انه ( لا يمكن لامةٍ تستعمر أُمَّةً اخرى، ان تكون هي ذاتها حرة ).
وبينما ركز المشروع القومي العربي منذ بدايات الهجرة اليهودية الى فلسطين على فرضية ان وعد بلفور إنما هو مخطط للهيمنة عبر تقسيم وتشتيت الجهود العربية ومنعها من التنمية، لم تدرك هذه القوى القومية ان تقسيم المنطقة ووضع الكورد تحت هيمنة اربع دول سيكون اسفينا بعيد المدى يعرقل نمو وتطور هذه الدول ذاتها وزجها في صراعات دموية مع ممثلي الشعب الكوردي وحرف الصراع الحقيقي عن جادته في الصراع مع الاستعمار المباشر وغير المباشر المتمثل في الأمية والمرض والفقر.
ولقد إنسحبت النظرة القومية الضيقة على كافة القوميات والاعراق وكذلك الديانات والمذاهب الغير ممثلة في سلطات وادارات الدول الوطنية بعد انحسار الاحتلال الاجنبي منذ بدايات القرن العشرين، فضيّق الخناق بالاضافة الى الشعب الكوردي، على الشعوب والأقوام القاطنة بين ظهرانينا. وكما حرم الكورد من ممارسة حياتهم الثقافية بلغتهم القومية ، وفي بعض المناطق حرموا من حق المواطنة، حُرمٓ الآشوريون والكلدان والأرمن من هذه الحقوق الاساسية.
كما تباينت حدة الانقسام الاجتماعي هذه بين دولة قومية واخرى بناءاً على مستوى تطور البنى السياسية والنخب اليسارية سواء كانت من داخل بنية النظام او على اطرافه وحتى لو كانت النخب اليسارية قابعة في سجون الأنظمة القومية. لقد كان اليسار في منطقة الشرق الأوسط اكثر وضوحا وإنسجاما مع مباديء القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة في الإقرار بحق الشعوب بتقرير مصيرها وبناء الدولة المستقلة وكونت بذلك وعيا سياسيا متقدما في أوساط الشعب تجاه قضايا الشعوب العادلة.
لقد دأبت الدول القومية في الشرق الأوسط بعد الاستقلال الوطني على اقتداء النموذج القومي الاوربي في تأسيس الدول بقيادة الأقوام السائدة في هذه الدول، إصطفافا مجتمعيا على أساس قومي بعد ان تم لهذه النخب السائدة إستبعاد نمط الإستقطاب على أساس ديني جانبا. ولكن دولنا القومية الشرق اوسطية جنحت بعيدا في تهميشها للأقوام الغير عربية او غير المسلمة مما نسف الأسس التي تقوم عليها الدول القومية الأوربية في تعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة الخطر الخارجي، وبقيت جبهات الدول القومية في منطقة الشرق الأوسط اسيرة النظرة الفوقية، الاستعلائية للقومية الأكبر مما قاد في احيان كثيرة الى مواجهات دموية لجأت فيها بعض الأطراف المتصارعة الى الاستعانة بأطراف اجنبية لتعزيز موقفها.
هذه الصراعات الداخلية استنزفت على مدى عقود الكثير من الموارد البشرية والمادية وعطلت وأجّلت مشاريع التنمية وابقت في المحصلة العامة شعوب المنطقة اسيرة لكل ما ينتج خارج اراضيها واضاعت فرصة الاستقلال الاقتصادي الذي هو العمود الفقري للاستقلال السياسي الحقيقي.
هذا الانقسام في المشهد السياسي على مستوى الدول القومية إنتقل لاحقا الى أطراف الحركات الوطنية، العربية والكردية على سبيل المثال وأخذ طابعا يعزز الخيبة لدى قطاعات الشعب المختلفة ويزيد من هوة التخلف والارتهان للإرادات الخارجية .
ومن الأمثلة البارزة على طبيعة الانقسام بين كيانات المنطقة السياسية وما تؤل اليه من تشتت وضبابية، ما هو حاصل من خلاف بين حركتي فتح وحماس في فلسطين والرابح الوحيد منه هو الاحتلال الاسرائيلي وكذلك الصراع الطبيعي بين الحكومة في سوريا وبين أطراف المعارضة السورية ، الوطنية منها والمقادة من الأطراف الدولية وكذا الحال في العراق بين المكونين الشيعي والسني الذين وضعا في مواجهة بعضهما منذ ٢٠٠٣ بدل ان يكوّنا معا مشروعاً وطنيا يقوم على إعلاء شأن الوطن وليس الطائفة.
وبالرغم من كل المآسي التي نتجت عن عقود الاحتراب الوطني، الا ان قطار الفوضى الخلاقة الذي يواصل مروره المدمّر في ساحات منطقتنا لإعادة ترتيب اوراقها بما يتناسب مع إحتياجات الإرادات الدولية المتغيرة يمكن ان يؤدي مرور هذا القطار المدمّر الى إزالة الغشاوة عن عيون النخب الوطنية المتصارعة ويحولوا دون إستمرار النزيف في الموارد البشرية والمادية ويدركوا ان الصراع الداخلي يزيدهم ضعفا، وإن تعاونا واضحا بين أطراف المشهد السياسي من شأنه ان يُقوِّي الجميع ويقرّب الامال والاهداف البعيدة على اساس مشروع وطني لا يستثني أيا من المكونات.
عباس الجنابي – أوبسالا
المقالات تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن الكومبس