المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: ليس من السهل أن يغير أي شخص مكان إقامته، خاصة إذا أجبر على ذلك، حتى بعض النباتات والأشجار، لا تطيق تغيير تربتها وبيئتها ويمكن أن تذبل وتموت، بمجرد نقلها أو تحريك مكانها. عندما اضطرت عشرات بل مئات آلاف العائلات على ترك أوطانها بحثاً عن مأوى أكثر أمانا وكرامة، رافق ذلك ما يشبه حالات اقتلاع من الجذور، وهذا ما أحدث شبه زلزال في حياة هؤلاء البشر.
بالنسبة للبعض لم تكن السويد هي النهاية السعيدة المنتظرة لرحلة اللجوء الطويلة، بكل لحظات ومحطات صعوبة مراحل هذه الرحلة. مواجهة صعوبات أخرى جديدة كانت في انتظار العديد ممن تأملوا بدأ حياة جديدة ومستقرة، بعد صدمة الزلزال.
يحدث أن تدب الخلافات الزوجية وينفصل الأزواج وتتفكك عائلات بعد أول مراحل الاستقرار بالغربة، ويحدث ألا تنتهي المشاكل العائلية، بالطلاق بل تتطور وتتفاقم، وقد تؤدي إلى نهايات سيئة، يدفع ثمنها كل الأطراف خاصةً الأطفال.
أغلب الأسباب التي تقف وراء تفجر الخلافات داخل العائلة المهاجرة، هي أسباب اقتصادية على الأغلب، أو يمكن أن يكون الخلاف على ترتيب شؤون الأسرة الاقتصادية هو السبب المباشر للكشف على تراكمات أخرى من الخلافات القديمة التي كانت مستترة ويمنع انكشافها العادات والتقاليد، خاصة تحكم الزوج أو الأب بإدارة العائلة بشكل فردي وأحيانا بشكل ديكتاتوري.
عندما يشعر رب الأسرة أن سلطاته الاقتصادية قد سحبت منه، وأنه هو وزوجته أصبحا على مرتبة متساوية من المسؤولية في إدارة شؤون الاسرة، يعتقد البعض منهم أن رجولته قد فقدت وأن هيبته قد تأثرت أمام زوجته وأطفاله. يزداد هذا الشعور بـ “فقدان الرجولة”، عندما لا يستطيع الأب أن يجد مكانا مناسبا له في المجتمع مع الوقت، بسبب صعوبة تعلم اللغة، وصعوبة الحصول على عمل، وصعوبة إيجاد شبكة اجتماعية، تساعده على الانخراط في المجتمع.
ما اثار هذا الموضوع، رسالة وصلت لـ الكومبس من أحد المتابعين، يقول فيها، إن السويد لم تعوضه عن شيء، فحتى أطفاله لا يحترمونه، وهو يأخذ مصروفه من زوجته لأن “السوسيال” يدفع لها الإعانات المادية، لذلك أشعر أنني “في السويد فقدت رجولتي” !
الرجل لا يبحث عن حل، من خلالنا، فهو يعرف أننا بالنهاية وسيلة إعلامية ولسنا أطباء نفسانيين أو مؤسسة اجتماعية، ولكن إثارة مثل هذه الحالات عبر الإعلام، يمكن أن يوجد منصة حوار صريحة حول هذه القضايا الاجتماعية التي تواجه القادمين الجدد والقدامى على حد سواء، نتيجة تغييرهم لتربتهم، فحتى القادمين القدامى بدأ البعض منهم يتحسس وقوع مشاكل مع أبنائه عندما كبروا.
ما يمكن أن نقوله لصاحب الرسالة، إن الرجولة ليست بمسك إدارة الأسرة على الطريقة الشرقية، وليست بالشعور بأنك تملك المال، لذلك أن تملك السلطة، وعليه أنت رجل. فالرجولة هي في أن يكون الشخص نزيها وصادقا ومكافحا، الكفاح حتى تغيير الواقع، والكفاح في شرف المحاولة.
ما ينطبق على الرجال ينطبق أيضا على النساء فهناك للأسف عدد منهن فهموا الحرية والمساوة بطريقة خاطئة ومنقوصة، وبقيت لديهن عقدة الانتقام من الرجل، عن تصرفات سابقة في البلد الأم، قائمة لحين ان تسمح الظروف وتأتي الفرصة.
أن تعطي من حولك العطف وتنشر الحب والحنان، وتحاول أن تكون إيجابيا، وعندها تشعر بإنسانيتك وبرجولتك أيضا. لا يوجد تغييرات بدون عوارض وتبعات ومضاعفات، والانتقال من بلد ومجتمع كانت جذورنا به إلى بلد ومجتمع آخر ليس مجرد حادث عابر بحياتنا، بل حدث ينتج عنه معطيات جديدة يجب علينا أن نكون مستعدين لها ونحاول التأقلم بها، ومن أهم هذه المتغيرات، تغيير معنى ومفهوم الرجولة الذي قد ينحصر لدى البعض بامتلاك السلطة والمال.
رئيس التحرير
د. محمود صالح آغا