في عيد الأب من ينصف دور الآباء المهاجرين في المجتمع السويدي؟

: 11/13/22, 12:28 PM
Updated: 11/13/22, 12:28 PM
في عيد الأب من ينصف دور الآباء المهاجرين في المجتمع السويدي؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات رأي: نشرت مؤسسة الكومبس الإعلامية، تغطية لندوة حول الأبوة والأمومة في السويد بتاريخ 11 نوفمبر 2022 بعنوان هل الآباء المولدون خارج السويد أقل مشاركة في حياة أطفالهم؟ ومن خلال قراءتي للتغطية استوقفتني عبارات حول عدم مشاركة الآباء في تربية الأطفال وما السبب في ذلك؟

ويبدو أن المشاركين هم من شريحة ممن يعمل في الميدان وليسوا من الباحثين ليضيفوا بعض التحليلات العلمية عن سبب المشاركة الضئيلة للآباء في أمور أطفالهم.

السؤال المطروح عن أي مشاركة يتحدث هؤلاء! هل عن المشاركة في مشاريعهم؟ هل المشاركة أو عدم المشاركة في الدورات التي تقدم للآباء والأمهات؟ وهل هي معيار للحكم على آداءهم التربوي مع أطفالهم؟ فالمشاركون يتحدثون عن عدم مشاركة الآباء في مشاريعهم ودوراتهم التعلمية المقدمة، ولكن لا يستطيعوا أن يجزموا لنا أن الآباء لا يشاركون في تربية أطفالهم، فعدم مشاركة الآباء في الدورات المقدمة لا يعني استقالتهم من أداء واجباتهم التربوية تجاه أبناءهم! مع أن أغلبية الأبحاث العلمية تدل على أن الآباء يشاركون في تربية أبنائهم لكن بعيدا عن أضواء المشاريع والدورات المقدمة من طرف الدوائر الحكومية الرسمية أو منظمات المجتمع المدني.

المتعارف عليه عالميا وفي كل الأبحاث العلمية، أن مشاركة الأمهات هي الأعلى وهذه نتيجة لا يكاد يختلف عليها اثنان في الأوساط العلمية التي تبحث في شؤون الأسرة والعائلة مهما كان الانتساب العرقي للعائلة.

ما نعبر عنه في علم الاجتماع بظاهرة “استقالة بعض الآباء” في تأدية أدوارهم في أوساط العائلات المهاجرة يعود إلى أسباب عديد ولا يستوجب التعميم على أن الآباء لا يقومون بأدوارهم في تربية أبنائهم لأن التعميم الذي جاء في التغطية تعميم جائر وظالم وغير عادل في حق الآباء ذوي الأصول المهاجرة. فإن كان هناك تقصير من طرف الآباء فيعود عادة إلى أسباب ذات موروث ثقافي وأخري ذات طابع اجتماعي. فثقافة الأب المعيل للعائلة ومصدر الرزق والاهتمام بالشؤون الخارجية في البيت تجعل الكثير من الآباء والأمهات يتقاسمون المهمات وسط العائلة وهذا ليس تقصيرا من الآباء، ولكن هي عملية تقسيم المهام داخل العائلة وهذا متواجد حتى داخل الأسر السويدية، ولكن لا ينتقدها أحد.

بصفتي باحث في شؤون العائلة والمدارس وأستاذ ومدير سابق لمدرسة سويدية، كانت الأمهات تمثل العدد الأكبر مشاركة في الاجتماعات الدورية وغيرها من الاجتماعات والندوات. ويبقى السؤال المطروح لماذا يطالب هؤلاء بمشاركات أكثر من طرف الآباء ذوي الخلفية الأجنبية إذا كانت الأمهات يقمن بدورهن والأمور تمشي على ما يرام؟ لماذا لا يطالب الأب السويدي ذو البشرة البيضاء بالمشاركة بنفس المقدار الذي يريدونه من الأب ذوو الأصول الأجنبية؟

وإذا أردنا الحديث بشكل مفصل عن مشاركة الآباء في عمليه تربية أبناءهم، علينا ذكر الأسباب الاجتماعية والاقتصادية وأيضا الخلافات العائلية وحالات الطلاق داخل الأسر المهاجرة والتي تزايدت بحسب الإحصائيات، والتي في كثير من الأحيان تتحصل فيها الأم على الحضانة وحتى وإن كان الاتفاق على الحضانة المشتركة يكون عادة مكان سكن الأطفال عند الأم، وهنا تصبح الأم بشكل منطقي وطبيعي الأكثر مشاركة في شؤون تربية الأطفال.

وقد ورد في التغطية عن منسق أعمال منع الجريمة، أنه في حواره مع شباب في السجن تبين أنهم غالبا ما يتحدثون بحرارة عن أمهاتهم وليس عن آباءهم والجواب هو، أن هؤلاء هم ضحايا مشاريع اندماج فاشلة ومنظومة القوانين التي عملت وتعمل على تفكيك الأسر وهمشت الآباء وقللت من دورهم في تربية أبناءهم من خلال قوانين تمنع الآباء من التواصل مع أبناءهم بحجة العنف عادة في حالات الطلاق وتكون فيها الأم الراعي الوحيد وغالبا ما تفقد السيطرة على الأبناء تزامنا مع تقدم عمرهم.

وسبب آخر وربما يكون الأعمق والأخطر والذي لا يريدون التحدث عنه أو حتى الإشارة إليه وهو أن أغلبية المشاريع تدعم المرأة وتقلل من دور الأب وخاصة إذا كانت العائلة من أصول مشرقية فهم ينظرون إلى أن المرأة مضطهدة ويجب دعمها وتحريرها من سلطة الرجل بينما الرجل فهو بمجرد كونه من أصول شرق أوسطية فهذه تهمة! فهو إذا متسلط ومتعجرف ويجب تأديبه وكسر شوكته ورجولته وهذا ما يجعل الكثير من الآباء يستقيلون عن أداء ادوارهم كآباء خوفا من توجيه أي تهمة لهم من خلال تصرف ما أو حتى بإبداء آرائهم بطريقة لا تتوافق مع القيم والعادات المتفق عليها في البلد.

انظر حولك كم من جميعة تدعم المرأة وتعمل من أجل تحريرها من سلطة الرجل” وكم من جمعية تدعم الرجل وتمكنه من أداء دوره كأب مسؤول هذا إن وجدت؟ لأن مصطلح العائلة النواة kärnfamilj”” أصبح ينظر له بمنظور التخلف وأنه من مفاهيم الزمن القديم. دون أن ننسى ذكر أن أغلبية المشاريع والدورات المخصصة للأسر تقودها منظمات لها أفكار مسبقة عن الرجل المشرقي والبعض منها تحمل في طياتها طابع انتقامي عنصري ضد الرجل “كرجل وليس فقط كأب” حتى وإن كان على رأس هذه المشاريع من يحمل نفس الجذور والهوية الدينية أو الثقافية واللغوية.

العمل من أجل تفعيل دور الآباء ضروري، ولكن من خلال مشاريع تمكن الآباء من استرجاع كرامة الأبوة وتجعل منهم قدوة يحترمهم أبناءهم وليس من خلال إدخال منظومة قوانين تنقص من قيمة احترام الأب وتجعل منه عالة وعبئا على عائلته وأبناءه. فعدم مشاركة الآباء في هذه الدورات لا يعني استقالتهم من تأدية دورهم في تربية ابناءهم، فأغلبية الآباء أصبحوا يعلمون أن حضورهم أو عدم حضورهم لن يغير شيء من النظرة المسبقة التي يحملها البعضُ من القائمين على هذه المشاريع حول الرجل “الأب”. فإن كان هدف هذه المشاريع ودورات التوعية زيادة مشاركة الآباء فهذا لن يغير شيئا في سلوك ابناءهم الذين أصبحوا يستمدون مصدر قوتهم من قوانين ساءوا فهمها واستغلوا ضعف منظومة العائلة النواة في القانون وأصبحوا يهددون آباءهم باللجوء إلى المدرسة أو إلى الشؤون الاجتماعية “السوسيال” مما زاد من خوف الآباء والأمهات سحب رعاية أبناءهم منهم.

وأصبح الآباء لا يتجرؤون حتى بإبداء رأيهم أو بنصح أبنائهم فنصيحة الأب لأبنائه قد تعتبر تدخل في حياة الطفل والتأثير على قرارته وبالتالي جريمة. فعن أي غياب للآباء تتحدثون وقد حُجم دوره لا لشيء سوى أنه من أصول مهاجرة !؟

د. العيد بوعكاز

أستاذ وباحث بجامعة مالمو

مختص في شؤون العائلة والمدارس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.