في مطار كوبنهاغن

: 12/28/15, 10:11 AM
Updated: 12/28/15, 10:11 AM
في مطار كوبنهاغن

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات: تلك العجوز التي تجرجر أحفادها وشيخوختها في مطار كوبنهاغن، يعتقد انها حبيبتي التي قالت لي قبل ثلاثين عاما في مقهى معلق فوق قاسيون انها ستموت لو انا سافرت وتركتها ، لم يكن يومها لدموعها نظارات طبيبة مثل تلك النظارات التي يلمع زجاجها تحت أضواء ممر المطار الاسكندنافي الوثير، ولم تكن تلك الانحناءة التي تجعل منها اكثر قصرا حين كان طولها يتمختر في شوارع دمشق بكعبها العالي بمشية طير اللقلق ، لم يكن لتلك الشيوعية حجاب يحجب شعرها الذي كانت تبعثر سواده الرياح القادمة من لبنان في الزبداني وهي تحفر على شجرة تفاح قلبا يخترقه سهم لئيم بحرف اسمها واسمي ، كان لشعرها الأسود الفاحم من الفوضى قبل عصر الفوضى الخلاقة التي جعلتها تهرب بريشها من مخيم اليرموك الى هذا المطار الاسكندنافي في اخر الدنيا !

انا تركتها وسافرت، وهي لم تمت كما قالت لي وانا اودعها في مقهى على كتف قاسيون، يوم كانت دموعها تنساب على ورد خديها، وكفي لا تكف عن كفكفة فضة دموعها المراهقة فوق دمشق، ولم يكن لقلبي مثل هذه الحيادية التي تراقبها عن بعد وانا انتظرها بنهاية ممر المطار وهي تقترب مني مدججة بالأحفاد وبثلاثين عاما من الغياب، وانا أحدق في كفي عما تبقى من دموعها بعد كل هذه السنوات الطويلة!

قبل ان أسلم عليها في مطار كوبنهاغن حين ارتجفت كفي في كفها لأسباب طبية وليست عاطفية، هي شيخوخة أعصاب اليد وليس تراقص القلب مثل ما كنا زمان يوم كانت الاعصاب بخير والشرايين لم تزدحم بالكولسترول والنوكتين وطريقها الى القلب ما يزال سالكا!

ضحكنا بما يشبه الضحك الهستيري انا لم اعد انا وهي لم تعد هي، وحبة ” البامبون ” التي كنا “نمصمص ” سكرها صارت حبة دواء الضغط او حبة خفض السكر، وحولنا يتحلق الأحفاد جوائز ترضية لعمر يذوي مثل شمعة طاولة العشاء زمان في مطعم في باب توما!

حبيبتي القديمة لم تمت كما هددتني ان سافرت وتركتها، وانا الان في مطار كوبنهاغن امارس رجفة كفي في كفها، ولا نكف عن الضحك الهستيري وسط دهشة احفادها!

من هذا الاحمق الذي قال: في النفس نفس لا تشيب، والله العظيم تشيب، والحب كائن مثل كل المخلوقات يشيب ويحتاج الى معجزة ما تنقذه من العجز الذي يجرجر قلبه على عكاز، وينظم دقات قلبه دواء الضغط او خفض الانسولين وليس كما كان زمان ابتسامة خجولة من حبيبة مراهقة ترفع ضغط دمه وتخفضه على هواها!

في مطار كوبنهاغن اتفرج على شيخوخة الحب، وهو يمارس ضحكه الهستيري في حبيبة لم تمت، وحبيب على ابواب الموت ينتظر في قاعة ترانزيت بين الموت والحياة ويضحك ويضحك ويضحك !

خالد عيسى/ هيلسنبوري

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.