قراءة نقدية في مسرحية يلا الى روزنكورد: سقوط النص في فخ التودد وصورة المهاجر البشعة
المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: غريبة تلك الملامح التي يقدمها العرض المسرحي الذي حمل عنوانا دالاً ( يلا الى روزنكورد) يرسخ لصورة نمطية عن المهاجرين الذي جاؤوا من اكثر من مئة دولة وفق إحصاءات مكتب السكان في منطقة روزنكورد, ليختزلها العمل بمجموعة شباب عرب يحملون اسماء عربية صريحة ( ناصر, علي, ادم.. الخ) ثم يرسخ الصورة اكثر بالمهاجر العراقي( ناصر) الذي يقود تجارة المخدرات ويلقب نفسه بالملك!!
واذا كانت هناك الكثير من الإشكاليات الابستمولوجية على دلالات الترميز الصريح التي تعمد إلى إسقاط قصدي للجهة المستهدفة تخفي تبيت واضح من جهة الاستهداف ( عنصرية, عرقية, سياسية) فما هو المبرر لدى مجموعة العمل(المكونة من المخرج والمعد والتقني) المنحدرة من أصول عراقية!!! ثمة تساؤلات عديدة تبرز في مناقشة هذا العرض الغريب من حيث مضمونه تؤشر لحالات لا يمكن فهمها خارج سياقات ال" تودد" الذي يقدمه بعض المهاجرين للجهات السويدية بغية الحصول على دعم مادي او ابتسامات صفراء لبعض العنصريين الذي لايحلمون بهكذا هدايا مجانية!! فمشكلة العمل( يلا الى روزنكورد) كلها تكمن بالمهاجرين الذي تركوا الدراسة والعمل وعمدوا إلى تجارة المخدرات وتدمير الحياة الهانئة لأبناء البلد الذي ابتلى بهم فتبرز الفتاة السويدية( ربيكا) لتنقذ الموقف وتضع الحد لهذه الشلة المجرمة!! بعد إن سقطت أختها الصغيرة في فخ العرب!!
النص:-
تبدأ حكاية النص الذي كتبة لميس كاظم باستعدادات مجموعة شباب ( بنات, اولاد) للاحتفال بعيد ميلاد الفتى ادم الذي تخرج من المدرسة الثانوية لتبرز ملامح الشخصيات المتصارعة , مجموعة ناصر تاجر المخدرات ومجموعة ربيكا (مدربة الرقص)الفتاة التي تريد الثأر من ناصر الذي اسقط أختها الصغيرة في فخ المخدرات, ولكون الحكاية تدخل في نمط (الحدوتة) البوليسية فإنها تتطلب نوعا من التشويق افتقده النص بسبب قصدية الكتابة المسبقة دفعت المخرج فيما بعد لابتكار فكرة المقابل التعبيري الجسدي من خلال الرقص الإيحائي, ولكون عناصر النص غير مكتملة البناء الفني وخاصة الحبكة التي يصفها اريك بنتلي بـ(الكيفية التي توجد بها الاصطدامات الضرورية) فأن النص وقع في متاهات متعددة للوصول إلى غاياته النهائية وإذا كانت خاصية الدراما على حد وصف احد الباحثين " تعتمد على لملمة الحدث وضغطه ودفعه الى ابعد نقطة عن الوضعية التي انطلق منها مما يزيد من توتر الموقف , فشد الحدث يساهم بزيادة الترقب واللهفة لبلوغ الحل النهائي الذي يصعب التكهن به إن كان النص مبنياً بناء فذاً والشخصيات فيه متمركزة بقوة، لان الحدث يدفع الشخصيات إلى حالات جديدة ومواقف صعبة ويحملها على اتخاذ قرارات تستفز بها الشخصيات الأخرى أو تستفز ذاتها، وبالتالي ستقف إزاءها الأفكار والعواطف عند مفترق الطرق" (1) وهو ما لم يحدث تماما مما افقد النص فرصة مناقشة حقيقية لمشكلات المهاجرين قبل إصدار الأحكام عليهم بهذه الطريقة البشعة!!! فإذا كان الواقع الذي يعيشه المهاجر يمكن تحقيله وفق مفهوم الواقع المغلق – المفتوح تبعاً لمجموعة من الشروط التي تحددها العوامل السيسوثقافية لديه جعلت منه مجتمعا إنسانيا مشروطا ضمن مفاهيم في غاية الضيق تتعلق بالانسياق التام للقانون حتى لو كان على حساب انتهاك الذات الإنسانية أو التقليل من شأنها ضمن خطاب سياسي سويدي صحيح!! وهذا ما عبر عنه الكاتب السويدي ( اوللا غودمونسون) بالقول: "كان يمكن بسهولة أن أكون مثل سمكة ميتة، تطفو على ظهرها وتنحدر مع التيار الرئيسي للخطاب السويدي الصحيح سياسيا" وهنا تكمن لب المشكلة التي تعاني منها السويد اليوم كما يعاني من يهاجر إليها وهي: ( الفشل الكبير في موضوع الاندماج ) رغم حرص الحكومة السويدية على إنفاق مبالغ كبيرة لمعالجة المشكلة دون جدوى, فالمجتمع هنا مقسم إلى سويديين ومهاجرين بغض النظر عن مدة هجرتهم وما يقدمونه من أعمال حتى لو وصلت إلى مرتبة ملك حقيقي وليس الملك المزيف الذي قدمه النص( يلا الى روزنكورد)!! فغالبا ما تشير الصحف المحلية وكتب التعليم إلى وصف ملك السويد غوستاف بالقادم من ألمانيا, وربما هذا ما يفسر الاحتفالات المبالغ فيها بولادة الأميرة استل من ولية العهد الأميرة فيكتوريا باعتبارها أول أميرة سويدية من أب سويدي غير مهاجر!!!! أن المشكلة التي وقع فيها العرض هي توجهات النص التي نأت بنفسها عن تناول المشكلات الحقيقية التي تواجه المهاجرين في السويد واختيارها لعدد من المشكلات الأقل أهمية او لنقل الذهاب الى النتائج دون المرور بالأسباب!! وربما شعر فريق العمل بفداحة الصورة المقدمة عن أبناء جلدتهم فهرعوا إلى تقديم نهاية توحي بمزحة سمجة عبر اتصال يجريه (ناصر) تاجر المخدرات بعد افتضاح أمره على يد ربيكا مع شخص مجهول يدعى( اريك) يخبره فيه بانتقال نشاطه الإجرامي إلى منطقة أخرى هي (بنكفلو) !! والمفارقة هنا ان فريق العمل يريد ان يرسل لنا رسالة تفيد بان قائد العمليات الحقيقي هو شخصية أخرى تدعى ( اريك) وما ناصر إلا ضحية هو الآخر أو لعبة ماريونيت بيد اريك!! أي بمعنى ثان ان فريق العمل أراد أن يكحل العين فعماها, فبالإضافة لكون الصورة المقدمة عن هؤلاء هي سلبية وداكنة وإجرامية فهم أيضا مسخ ولعبة بيد الآخر الذي لم يجرؤ فريق العمل على تقديم جنسيته الصريحة( سويدي, صربي. يوناني…الخ) كما فعل بتقديم أسماء المجرمين الصريحة طوال العرض ( ناصر , علي, ادم…الخ) فاستحق النص أن ينال جائزة ذهبية من قبل الأحزاب العنصرية التي بح صوتها في اتهام المهاجرين العرب بأقل مما اتهمهم به النص!!!!!
الاخراج:-
يكرر المخرج حسن هادي خطأه الدائم في هذا العمل أيضا وهو تعمده فصال ثوب لإعماله اقصر كثيرا من طاقاته الإخراجية الحقيقية فهو غالبا ما يختار نصوصا لا تستوعب مخيلته الإخراجية الخصبة فيذهب لمعالجة فجوات تلك النصوص أكثر مما ينشغل بإطلاق مخيلته إلى أقصى مدياتها, فهو يعمد في هذا العرض لابتكار خط إيمائي حركي للتعبير من خلال الجسد عبر مجموعة عروض راقصة يدفع بها عن رتابة الموضوع وليتناغم مع مخيلته الهادرة, فمقابل حوار متذبذب بين الشخصيات يقدم موازي تعبيري راقص بأجساد فتيات ذوات مرونة حركية عالية, رقصات يمكن ان اسميها( رقصة الأقنعة, رقصة البدائيين, رقصة القطط, رقصة الشرنقة… الخ) ثم يذهب لمعالجة أخرى لا تقل أهمية عن استخدامه الرقص التعبيري وهي خلق أيهام صوري بين الواقع( خشبة المسرح) وبين العالم الافتراضي( الفيلم) عبر تزامن تقني جميل كان يمكن ان يكون أفضل لو توفر مكان عرض مخصص للعروض المسرحية وليس قاعة للمناسبات الثقافية!!
بهذا الاستخدام التقني حاول المخرج ان يزيح النص او يخرجه من الوقائع السردية إلى المستعمل اليومي عبر مخاطبة العقل وفق سرديات بصرية( فليم, رقص, ضوء) ومن هنا يمكن فهم مشكلة العرض عبر تلك السرديات ضمن أفق دلالي واحد, هي محاولة استنطاق النص لفهم الحدث أكثر من التعرف على المجرم على اعتبار أن أسباب الجرم هي التي قادت للنهاية المفزعة.. نمط من التعليل يقلب المشهد الرتيب ويدفعه إلى التأمل أكثر من التقبل السطحي لمعنى جاهز.. من هنا فأن العرض المسرحي لدى حسن هادي نمط حقيقي من الوهم الوجودي لكتل بشرية تشترك في فهم الجاهز على اختلاف تعدداتها المهنية والسسيولجية والعرقية دون أن ترفع رأسها لمشاهدة غطاء رأسها الملوث بغبار الأفكار العنصرية التي وقع العرض فيها دون ان يدري, ربما استحضر حسن هادي مقولة الكاتبة السويدية الأشهر استريد ليندغرين، "ثمة أشياء يجب عليك القيام بها، حتى لو كانت خطرة، لأنك إن لم تفعل لا يمكن أن تكون إنسانا حقيقياً، إنما مجرد شخص تافه وبلا قيمة" ولعل الخطورة التي قام بها هنا هي اختياره لمنطقة عرض قدم فيها مقتنياته الأثيرة تحت وابل من المطر والريح!! ورغم ذلك كان تعامله مع الممثلين ينم عن دراية واضحة ودربة متقدمة للعين والاذن فما قدمه علاء رشيد من أداء واثق يعيد لك صورة الممثل العراقي السبعيني بجسده ورخامة صوته وعشقه لخشبة المسرح كما كان اداء الممثلة ياني سترندلوف لايوحي بانها ممثلة حديثة العهد بالمهنة بل العكس تماما, فيما يبشر اداء بقية الكادر التمثيلي( بنجامين لارسن, ابو القاسم هادي, فاضل البياتي, تيلدا هانسون, جيسكا, ازابيل كرونفيلدت, ماري هنركسون) بطاقات فنية واعدة يمكن ان تصل الى النجومية مستقبلا.
د. حسن السوداني
…………………………………………………………………………….
د. منصور نعمان, الحبكة في النص الدرامي , جريدة الصوت الاخر الالكترونية.
عند الإقتباس يجب الإشارة الى المصدر، بخلاف ذلك يحق لنا كمؤسسة إعلامية مسجلة رسميّاً في السويد إتخاذ إجراءات قانونية بحق من يسرق جهدنا، سواء كان داخل السويد أو خارجها.