المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – قصة قصيرة: صبيحة امتحان الجغرافيا، وقف شباب وشابات حارتنا أمام حائط بيتنا، وأنا أرسم لهم بطبشورة حمراء خريطة المغرب العربي، وحين وزعوا علينا ورقة الإمتحان ، كانت هي خريطة المغرب العربي، فرحت بفراستي التي أدهشت أولاد حارتنا..حتى أن رمزي طرق كفه بكفي فقد رسم الخريطة من وحي الطبشورة الحمراء،.
أما الشاب الذي كان يحبني فقد وقف على السطح، يراقب صخبي من بعيد دون سؤال ولا جواب .. ويكره كل ما أقوم به بحياتي فأنا ممنوعة من الصرف من الحركة من الضحك من التنفس من ثيابي المغضوب عليها، لكنه يلتزم الصمت والتحسر.
يوم فحص التاريخ تنبأت بدرس “اليقظة العربية” الكل حفظها بصم ، سهرنا ليلة الإمتحان نسمعها لبعض ونعيد ونزيد، لكن لم تأت اليقظة العربية أبدا..وأصاب الجميع خيبة أمل وفقدت التباهي بتوقعاتي القادمة..
رمزي صديق طفولتي، كان وزير اقتصاد حاراتنا، دائما عنده مشاريعه الكثيرة..اما انا وأخي عبود لم نستطع جني فرنك واحد، حتى اليوم الذي بعنا به صينية البلوظة الحمراء. بح صوتنا ولم يشتري منا أحد قطعة واحدة ، وضعنا الصينية على حافة البئر وعزمنا عليها أولاد حارتنا فالتهموها بثانية .وخسرنا 12فرنك كل رأس مالنا..
لكن رمزي كيف ما مد يده يجني أرباحه العظيمة دائما جيوبه تخشخش بالفراطة.
يوم العيد نصب رمزي خيمة وسط حارتنا ..وكان أخوه الصغير حمودة يدق له على الدربكة ورمزي يرقص أمام الخيمة وقد وضع أغطية كازوز على خصره والأولاد يصفقون له، ووضع ريشة ديك حبش على رأسه ، وكان يرقص بجدية ويهز صحون الكازوز وبخبط قدميه بالأرض برقصة أفريقية رغم أنه لايعرف أن هناك قارة اسمها أفريقيا، فجاة، أسكت دربكة أخيه ووقف على البئر وقال
سماااع في هذه الخيمة ثلاثة حيوانات …تلت حيوانات يا حيوانات.. قرب فرنك فرنك.. قرب وشوف عالمكشوف..
.أولاد الحارة يعطونه الفرنكات العزيزة وينظرون داخل الخيمة ويرجعون للوراء مندهشين، وهو يدفعهم للخلف كي لا يطيلوا النظر .
اقتربت منه ناولته الفرنك، ونظرت داخل الخيمة لأرى قرد نسناس صغير مربوط بالخشبة وقط مصبوغ باللون الأخضر يرتعش من البرد، وديك “ممعوط” ترك له ريش ذيلة وعرفه ينظر حوله بعينين مجنونتين..لم يمهلني كي أنظر واتأكد من ذلك القرد الغريب ..أغلق رمزي باب الخيمة في وجهي..
وبسرعة.أمسكته من قميصه..
وقلت له هات الفرنك يا غشاش ..لم ار شيء..
.دفعني رمزي للوراء وأوقعني على الوحل، والأولاد الذين تجمهروا ليتفرجوا على الحيوانات الأسطورية، ابتعدوا عني، وأنا نهضت وخلعت الريشة عن رأس رمزي..وفرطت له زنار اغطية قناني الكازوز، ورفست كرسي أخيه حمودة فوقع هو والدربكة، دخلت الخيمة، وخلعت الخشبة، فخرج الديك المجنون تائها يجر الحبل وراءه، وبقي القط مكانه يلحس الصبغة عن ظهره، حضنت القرد ودخلت بيتنا وأغلقت الباب.. أصبب رمزي بنوبة من الهستريا، حمل حجر وصار يخبط على بابنا، وأنا دخلت إلى الغرفة الوسطانية. كانت عندنا امراة تأتينا كل يوم جمعة تبيعنا الخبيزة وقفت تصلي قرب المدفأة وتكبر..،أفلت القرد الصغير من يدي، وقفز على كتف بياعة الخبيزة ونظر في وجهها ضاحكا ، فصرخت المرأة واغمى عليها ..أتت أمي من المطبخ ورأت القرد فوق الفترينا ينتف القمحات في المزهرية..
فتح أبي الباب غاضبا بعد أن ايقظه الطرق على بوابة الحديد كان يغط بنوم عميق، فقد امضى ليله يقود شاحنته قادما من آبار النفط في أقصى الشرق.
. قال له أبي:
شو في؟! ليش هيك عم تدق على الباب؟!
قال رمزي وهو يرتجف من الغضب
“بنتك سرقت قردي”
لم يفهم أبي الجملة..
قال له نعم؟!
أسألها…
بنتك مي سرقت قردي..
.دخل أبي يبحث عني. اختبأت وراء بياعة الخبيزة “المغشي”عليها، عيونها تلاحق القرد وتسأل امي يا لطيف شو هالقط،
وأمي تقصف عمري، فقد قضيت على عقل الحجة ..
قفز القرد على حضن ابي..وفجأة تغيرت ملامح الرجل المتجهم، وصار يلاعب القرد ويضحك ويسأل رمزي المهستر
منين لك هذا القرد يا ولد؟!
رد رمزي وهو يعض طرف قميصة..
اشتريتو..وبنتك خربت الخيمة عمي ابو العبد.
بينما اخيه يهز رأسه وينشق أنفه ويوافق على شكوى أخيه، يحمل القط المرتعش بيد والديك الممسوس بيده الآخرى
.أعطاه أبي نص ليرة ، وناوله قرده وناداني وقال لي بعينيه الحنونتين :
يابا شو بدك فيو؟! خليه يترزق…
وأمي تنظر إلي بغضب…وتناول بياعة الخبيزة طاسة الرعبة..تشربها وتبسمل..
رأيت رمزي يحتضن حفيده على أحد شواطئ أزمير قبالة جزر اليونان ، لم يعرفني ولم أعرفه على حالي كنا بخيبة كبيرة سحقت الذاكرة ومما أتى بعد ذلك ..نقفز كالقرود على القوارب المنفوخة…
مي جليلي