قصتي مع وعد بلفور
المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: في السويد كان لي فرصة نادرة بأن أحدد بنفسي تاريخ عيد ميلادي، وإليكم القصة: في اليوم العاشر من أيار من عام 1948 تم تهجير أهالي مدينة صفد التي تقع على إرتفاع حوالي تسعمائة متر عن سطح البحر وتتربع على جبلي صفد وكنعان في الجليل الأعلى. كان يومها لدي من العمر حوالي سنتين، حسب أقوال أمي وأبي. وبهذا لايوجد يوما أو شهراً محددا ليوم ميلادي لاستخدمه في السجلات الرسمية عند وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” التي أسستها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949، أو السجلات الرسمية في الدولة المضيفة لبعض اللاجئين مثل سوريا، لذلك أصبحت بلا يوما محددا لتاريخ ميلادي لكي أحتفل به شخصيا مع أهلي وأحبابي على سبيل المثال.
كان على والدي أن يقوم بتسجيل أفراد عائلته في سجلات الأونروا حتى يتمكن من الحصول على المساعدات مثل المواد الغذائية والحصول على الخدمات الطبية والدراسة للإطفال. عند التسجيل لم يكن لدى والدي، رحمه الله، أية مستندات تدل على تواريخ الميلاد لأفراد العائلة فذكر أرقاما تقريبية وكان نصيبي أن أصبح من مواليد عام 1944 – لم تكن التسجيلات تعتنى يومئذ بذكر الشهر واليوم وإنما كان يكتفى بذكر السنة – وبذلك تم تكبيري سنتين. الأمر الذي سبب لي إشكاليات فيما بعد وخاصة في انتسابي للمدارس الرسمية، مما اضطرني للدراسة في المدارس الخاصة مع دفع رسومها رغم الفقر الشديد. وبذلك أصبحت كل وثائقي من شهادات مدرسية وجامعية وخدمة عسكرية إلزامية ووثيقة سفري وبطاقتي الشخصية تحمل رقم ميلاد 1944.
قدمت إلى السويد في 7 شباط عام 1979 وطلبت الحصول على تصريح الإقامة فيها. سألني الموظف عن مكان ولادتي فقلت له صفد، فأجاب وأين تقع صفد؟ قلت له في فلسطين، وتابع استفساره، وأين تقع فلسطين على الخارطة؟ أحضر الموظف خارطة فوضعت إصبعي على مكان فلسطين على الخارطة. فقال على الفور هذه إسرائيل.
فقلت له أنا لا أعترف بهذه الدولة، لقد طردني الصهاينة الإسرائيليون من وطني فلسطين وقاموا بتغيير الإسم إلى إسرائيل وأضفت: تصور لو أن أحداً اختطف إبنك وأطلق عليه إسم آخر مثل محمد، فهل تقبل بالإسم الجديد وتعترف بخاطف إبنك؟ فقال: لا أعترف طبعا. فأجبت على الفور إذا ومن حقي ألا أعترف بهذه الدولة ولا بإسمها. لكي أؤكد لك ما أقول إحضر لي خارطة المنطقة قبل عام 1948، فإنك لن تجد سوى كلمة فلسطين.
وعندما تابع الموظف وسألني عن تاريخ ميلادي فضحكت وأخبرته بأنني لاأعلم عنه سوى ما رواه علي والدي ووالدتي حول هذا الأمر. فضحك الموظف وقال ماذا نفعل الآن؟ فأجبته: أكتب ماتريد فهذه مصيبتنا كفلسطينيين، مشردين وبدون وطن أو وثائق ولعقود طويلة. فأجابني: نحن في السويد نعتبر الرقم الشخصي بمثابة أهمية الإسم أو أهم منه. فقال: لك أن تختار السنة الواردة في جواز سفرك وفي وثائقك الأخرى حتى لا تسبب لك تعقيدات إضافية هنا، وأضاف: أن عليك اختيار يوما ما وشهرا ما من أشهر السنة حتى يصبح لديك رقم كالمواطنين السويديين.
فقلت له لطالما مصيبتنا كفلسطينيين بدأت منذ أن احتلت بريطانيا بلدي بعد الحرب العالمية الأولى، وهي الدولة التي أطلقت “وعد بلفور” سيكون اقتراحي إذا بأن يكتب عيد ميلادي 2/11 أي يوم وعد بلفور المشؤوم.
هذا الوعد الذي أعطته بريطانيا لليهود – دون استئذان منا نحن الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين – على لسان وزير خارجيتها آنذاك آرثر بلفور، وعدت اليهود في العالم للقدوم إلى فلسطين وتشكيل وطن قومي لهم على أرضنا.
وتم فتح أبواب فلسطين أمام المهاجرين اليهود بسبب هذا الوعد. وهي فلسطين التي تم تقسيمها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة – دون أخذ رأي الفلسطينيين – عام 1947. تابعت القول لأثبت لهذا الموظف اقتراحي، الذي كان مستهجنا ومتفاجئا، وأنهيت تلك الفقرة وطلبت منه أن يسجل مواليدي يوم 2/11 أي يوم وعد بلفور المشؤوم.
بقلم رشيد الحجة
باحث وكاتب فلسطيني – السويد
الحقوق محفوظة: عند النقل أو الاستخدام يرجى ذكر المصدر